الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "سورية الجديدة" سلخ عن العروبة وإعادة لتوزيع الأدوار

"سورية الجديدة" سلخ عن العروبة وإعادة لتوزيع الأدوار

02.02.2017
محمود خطاطبة


الغد الاردنية
الاربعاء 1/2/2017
واهم أو يُمني نفسه بأحلام صعبة التحقيق، من يظن أن مسودة الدستور السوري التي قدمتها روسيا لأطراف الأزمة السورية إبان اجتماعات عقدت الأسبوع الماضي في العاصمة الكازاخستانية أستانة، هي مجرد مسودة عادية لا تُقدم ولا تؤخر، وأنها مرنة وقابلة للتعديل والأخذ والرد؛ فموسكو أعلنت منذ أيار (مايو) 2016 أنها تعد مثل هذا المشروع.
وأقل ما يُقال عن تلك المسودة هي أنها تقوم بسلخ سورية عن العروبة؛ إذ من أهم موادها إسقاط اسم "العربية" من اسم الدولة لتصبح "الجمهورية السورية" فقط، إضافة إلى جعل العربية والكردية اللغتين الرسميتين للدولة السورية الجديدة.
كما أنها تكرس دولة طائفية في سورية، ستقود حتماً إلى حروب أهلية وطائفية وعرقية كتلك التي شهدها العراق بُعيد احتلاله من قبل الولايات المتحدة الأميركية العام 2003، ومن قبله ما شهده لبنان من حرب طائفية ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء. فالمسودة توزع المناصب على أسس طائفية، إذ تنص المادة 64 منها: "يكون التعيين لمناصب نواب رئيس الوزراء والوزراء تمسكا بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سورية، وتحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية".
كما يلاحظ أن المسودة فيها ضرب من الجنون، عندما تمنع الجيش السوري من القيام بأي دور خارج حدوده. فلو تعرضت سورية لعدوان خارجي سيكون على الجيش فقط منعه وحماية أراضي بلاده، ولا يستطيع القيام بأي عمل عسكري ضد تلك ما دامت خارج حدوده! أما الشيء المضحك الذي يُعتبر ضرباً من الخيال، والإيجابي في الوقت نفسه، فهو تعظيم المسودة لدور البرلمان السوري، والذي قامت بتغيير اسمه من "مجلس الشعب" إلى "الجمعية السورية"، وتمنحه صلاحيات إعلان الحرب وإقرار مسائل السلام وتنحية الرئيس وتعيين حاكم المصرف المركزي وأعضاء المحكمة الدستورية. فهل يُعقل أن تقوم روسيا بمثل هذه الخطوة وتقلص صلاحيات النظام، وعلى رأسه الرئيس الموالي لها أكثر من موالاته لأي شيء في هذا الوجود؟!
كأن واقع الحال يقول إن روسيا تُريد بعدوانها السياسي الجديد عزل سورية عن محيطها العربي والقومي الذي آمنت به على مدى عشرات العقود. صحيح أن سورية لم تحرر أراضيها التي احتلت من قبل دولة الكيان الصهيوني وكذلك الأراضي الفلسطينية، لكنها كانت دوما غصة في حلق دولة الاحتلال والدول الغربية في هذا الموضوع.
ولا أحد يعلم ما هدف وغرض المسودة الروسية عندما أجازت تغيير حدود البلاد من خلال استفتاء شعبي؛ وكأنها تُريد أن توصل رسالة إلى الجميع بأن هناك تغييرات جغرافية-ديمغرافية قد تحصل في سورية إن لم يكن قريباً، فلن تكون بعيدة كثيرا. وما يدل على أن تقسيم سورية مطروح، طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من كبار مسؤوليه إعداد خطة لإقامة مناطق "آمنة" داخل الأراضي السورية. ولا أحد يعلم كم "منطقة آمنة" سيتم إنشاؤها، ومن سيكون المسؤول عنها؛ ناهيك عن الخلافات بين موسكو وطهران قُبيل اجتماعات استانا، وهل يدخل ذلك في صلب ما يتداوله البعض عن عملية إعادة لتوزيع الأدوار الإقليمية والدولية؟!
قد نتفهم أن يثور شعب ضد نظامه، سواء كانت هذه الثورة بيضاء أم دموية؛ وقد يتقبل العقل أن يقوم أناس داخل وطن بنهبه أو الاستيلاء على قوت شعبه، أو يعيث البعض فسادا في شرقه وغربه، أما ما لا يتقبله عقل ولا منطق هو أن تقوم دولة بكتابة دستور دولة أخرى، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ لفرضه والقبول به.
ولماذا لا يضع الغرب دساتير للعرب على غرار دساتيرهم التي تقوم على أساس العدل والمساواة وحقوق المواطنة، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الجنس؟ لماذا لا تقيم شأناً ولا وزناً لمواضيع المحاصصة والطائفية والأقليات إلا في بلادنا المنهوبة على أكثر من صعيد، والمدمرة اقتصاديا وثقافيا بفعلهم هم أنفسهم؟