الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية… اقتصاد الدولة المنهوب

سورية… اقتصاد الدولة المنهوب

12.10.2019
مشعل العدوي


جيرون
الخميس 10/10/2019
يكاد هيكل الدولة السورية (النظام الحاكم) يتلاشى كليًا، ففي شكلها السياسي أصبحت دولة منبوذة من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية التي تتعامل معها بحكم الضرورة، وعسكريًا بات الجيش السوري أقرب إلى الميليشيات والجيوش الانكشارية منه إلى جيش منظّم تحكمه قواعد وضوابط أخلاقية.
أما الركن الثالث، بعد السياسي والعسكري، فهو الركن الاقتصادي، وعماده القيمة الحقيقية لليرة السورية، ورصيد الدولة من العملات الأجنبية، وحجم الصادرات ونسبتها إلى الواردات، وجميعها تعطينا فكرة عن الدخل القومي ومستوى دخل الفرد.
ربما القيمة الحقيقية لليرة السورية هي ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال مقطع قصير جدًا، يظهر فيه أحد أبناء رجل من رجالات النظام يستنشق مادة الكوكائين مستخدمًا الورقة النقدية من فئة الألف ليرة سورية، وهي الفئة النقدية التي تحمل صورة قائدهم “الخالد” حافظ الأسد، ومن يستخدم هذه القطعة من النقد، لهذا الغرض المشين، ربما يستخدمها لأغراض أكثر دناءةً ووساخة.
النظام السوري، بعد أن قام بمحاولة استرداد بعض من المال المنهوب من طرف الجباة، من أمثال محمد حمشو، وسامر فوز، ورامي مخلوف، هذا المال الذي تضاعف عشرات المرات على مدار الحرب السورية، كاقتصاد حرب قذر ناتج عن صفقات مشبوهة، وبعد أن أصبح جميع الجباة السابقين عديمي النفع والفائدة، بالنسبة إلى النظام، كونهم جميعًا تحت العقوبات الأميركية، أي أنهم أصبحوا أوراق لعب محروقة؛ كان لا بد للنظام من البحث عن وجوه جديدة تساعده في البقاء، ولو بالحد الأدنى، من خلال خلق اقتصادٍ موازٍ لاقتصاد الدولة وداعم له، وفي هذا الإطار نشط، خلال الأسبوعيين الماضيين، بعض مندوبي النظام في دول الإقليم وأوروبا، بحثًا عن هذه الوجوه الجديدة، وفي هذا السياق، لم يكن لدى النظام أي مانع من التعامل مع رجال أعمال معارضين. ومن حزمة الإغراءات المقدمة، منحُ بطاقة أمنية تسمح لرجل الأعمال المعارض بدخول سورية والخروج منها، أو البقاء فيها إن شاء، بضمانة القصر الجمهوري، من دون أي مضايقة من طرف أي جهة أمنية في سورية.
كثيرون ممن التقيتهم، من رجال الأعمال الذين وصل إليهم عرض النظام السوري، أكدوا أن طلب النظام ينحصر اليوم في أمرين اثنين: أولًا يريد النظام أن تصل الحوالات المالية إلى البنك المركزي، بالعملة الصعبة. وثانيًا، وهو أمر مستعجل وضروري، تمويل مشتريات النظام من الوقود، سواء مادة الديزل أو البنزين، بسبب النقص الحاد في سورية واقتراب فصل الشتاء، حيث إن حاجة سورية اليومية -بحسب تصريح وزير النفط السوري- تبلغ ما قيمته تسعة ملايين دولار. لكن الجميع يعلم أن تمويل النفط للنظام هو مغامرة كبرى في ظل العقوبات الأميركية، ويزيد الأمر صعوبةً وتعقيدًا أن النفط المزمع شراؤه هو نفط منهوب من طرف ميليشيات لا تخضع لقوانين وقواعد تجارية، مما يضع التاجر بين نار الميليشيات ونار العقوبات الأميركية. وعلى الرغم من المكاسب الهائلة، لم يحصل النظام على موافقة أحد من رجال الأعمال على الدخول في هذه العملية القذرة، على الرغم من إلحاح النظام واجتماعاته مع بعض رجال الأعمال التي تمت في عواصم عربية وأخرى أوروبية، وسنأتي إليها في موضوع استقصائي لاحقًا.
ليس سرًا أن حاجة النظام اليومية من العملات الأجنبية لا تقل عن ثلاثين مليون دولار، هو بحاجة إليها مع شروق كل شمس، من أجل تمويل الواردات الأساسية التي تراجعت من ثلاثين مادة إلى ثماني مواد، أهمها الوقود والدواء والغذاء، وليس سرًا أن النظام، بعد العقوبات الأميركية الخانقة على إيران، والتي بدأت تزحف إلى لبنان، لم يعد بإمكانه تأمين هذا المبلغ، إلا عن طريق الحوالات البنكية التي تخضع بدورها لرقابة أميركية مشددة، أما الحوالات عن طريق السوق السوداء، فإنها في أحسن الأحوال لن تصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين دولار يوميًا، بحسب بعض العاملين في هذا المجال.
مما تقدم، نرى أنه لم يبق للدولة السورية وجود في السوق العالمية، والمضحك المبكي هو أن يطرح البنك المركزي سندات خزينة للبيع، في وقت يرى رجال الاقتصاد أن الحل الأخير هو تعويم الليرة السورية، علمًا بأن ذلك سيكون المسمار الأخير في نعش اقتصاد سورية، التي نهبها وأنهكها آل الأسد على مدار خمسة عقود.