الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا في مواجهة أكبر كارثة إنسانية: من المستفيد؟ 

سوريا في مواجهة أكبر كارثة إنسانية: من المستفيد؟ 

12.01.2021
د. أحمد طرقجي



القدس العربي 
الاثنين 11/1/2021 
لايزال الشعب السوري يدفع ثمن لعبة عض الأصابع الدولية وتصعيد معاناته على أرضه. فبعد تمزيق سوريا وتفتيت مجتمعها ظهر واضحا أثر إهدار الموارد وإحراق الأراضي وتهجير الأهالي. 
إن نسبة الفقر المدقع في سوريا هي الأعلى عالميا بهامش 10 في المئة عن زيمبابوي، التالية في التصنيف، وهذا كارثة غير مسبوقة حتى بالمقارنة مع فترة السفربرلك والمجاعة التي تلت الحرب العالمية الأولى. 
وأن يصبح عدد السوريين المهجرين هو الأعلى في العالم ويزيد بأكثر من مليون شخص عن عدد الأشخاص المهجرين من أفغانستان خلال الثلاثين عاما الماضية هو دليل على أن ما يحـدث للسوريين هو أكـثر من حـرب وأكثـر من صـراع سـياسي. 
البنى التحتية والكوادر البشرية 
خلال السنوات العشر الماضية تم إستهداف البنى التحتية والكوادر البشرية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لتدمير أي بنية اقتصادية أو زراعية منتجة لتصبح المنطقة معتمدة بالكامل على المعونات وبدون أنظمة حوكمة محلية مما جعلها وسكانها عبئا عالميا يمكن استخدامه كورقة ضغط في بازارات السياسة الدولية. 
ورغم الشرخ الاجتماعي الهائل والحواجز المصطنعة إلا أن آثار الانهيار الاقتصادي إمتد ليشمل جميع المناطق. 
ربما غاب عن أنصار بروباغندا التصعيد حينها أن الضرر من تدمير البلد سينعكس على كل السوريين، وأن الاستمرار بحرق الأخضر واليابس سيضع الجميع بما فيها "سوريا المفيدة" بالتدريج تحت رحمة هذه البازارات وتحت رحمة المعونات الدولية. 
حتماً، لم تغب هذه النتيجة عن صانعي سياسة الأرض المحروقة في سوريا، فهي نتيجة موصوفة حرفياً في كتب الحروب والسياسة الدولية. 
تصاعد الأزمة المعيشية 
بالنظر لتصاعد الأزمة المعيشية الحالية تتوضح ثلاث حقائق لا تخطئها عين أي مراقب: 
أولها، أن روسيا هي المنتج الأول والمصدر الأول للقمح عالميا، وأن 1 في المئة فقط من القمح الروسي قادر على حل مشكلة الخبز وإطعـام جميـع السـوريين في منـاطق النظـام والمـعارضة. 
ورغم أن هذا التساؤل يُطرح همساً في الأروقة الدبلوماسية الدولية، إلا أن إبتعاد الدبلوماسية الروسية عن دعم الاستقرار الغذائي حتى في الحدود الدنيا يثير الإستغراب كما أنه يخالف الأسلوب التاريخي للحكم الشيوعي على سبيل المثال. 
ثانيها، أن العقوبات الأمريكية على إيران أشد وأقدم من العقوبات المفروضة على سوريا. مع ذلك فإن إيران دخلت في مفاوضات مع الولايات المتحدة والأوروبيين لإيجاد مسارات لتحييد الملف الإنساني داخل إيران. 
لم تمانع الإدارة الأمريكية هذه المقاربة طالما وجدت آليات للتأكد من وصول الدعم لمستحقيه ولعدم تسييس حاجات الناس. ورغم البند الواضح في قانون قيصر عن إيجاد آليات لتحييد العمل الإغاثي في سوريا، إلا أن غياب أي نشاط دبلوماسي من قبل النظام بهذا الاتجاه هو أمر مثير للريبة، خاصة في ضوء تواتر معلومات عن لقاءات سابقة مع مبعوثين أمريكيين للتفاوض على إطلاق محـتجزين أمريكيـين في سـوريا. 
ثالثها، هو محاولة دفع بعض المنظمات الإغاثية في المهجر للدخول في قضايا العمل السياسي لرفع العقوبات الأوروبية والأمريكية عن النظام. 
وبينما تسعى الكثير من المنظمات لمد يد العون لجميع السوريين على مدى الجغرافيا السورية، إلا أن هذه المنظمات الإغاثية ممنوعة قانونا من التدخل في الملفات السياسية بغض النظر عن طبيعة المواقف السياسية المطروحة. كما أن هذا الدفع يأتي متناقضا مع طروحات النظام نفسه عن تبني هذه المنظمات لأجندات سياسية كجزء من مؤامرة دولية. 
لتخفيف الأزمة المعيشية عن الناس فالحاجة ملحة اليوم لإعادة ضبط آليات عمل الأمم المتحدة في سوريا. فميزانية الإغاثة الأممية تعادل نصف ميزانية سوريا لعام 2021، وليس مقبولا السكوت عن سوء الإدارة وغياب الرقابة الدولية على هذه الموارد مما سهل استيلاء جهات مرتبطة بأمراء الحرب على تعاقدات الأمم المتحدة وجعلها تصرف الكثير من هذه المخصصات الأممية بعيدا عن حاجات المواطنين. 
كما يجب أن تترافق هذه الخطوة مع ضرورة إيجاد آليات أممية شفافة تفسح الطريق للمغتربين لمد يد العون لأهلهم دون محاولة فرض شروط سياسية عليهم أو محاولة تحقيق مكاسب دبلوماسية أو مالية من مساهماتهم. فالهدف هو رفع المعاناة عن الناس وعدم تصعيد الأزمة المعيشية لاستخدامها كورقة ضغط معاكس، كما استخدمت ورقة اللاجئين، لتحقيق أهداف سياسية. 
تصعيد مستمر لمعاناة السوريين 
للتاريخ، فمساهمة المغتربين السوريين قبل الحرب قاربت مليار ونصف المليار دولار سنوياً، ما يعادل نصف الميزانية الحكومية الحالية تقريبًا. 
تبدو هذه الحلول سهلة التحقيق خاصة لو كانت الأزمة السورية هي أزمة رغيف، لكن التصعيد المستمر لمعاناة السوريين من تجويع وتهجير وترهيب على مدى العشر سنوات يشير إلى أجندة مختلفة، أجندة حرب…حرب الجميع على السوريين وحرب السوريين على بعضهم. 

الرئيس السابق لتحالف المنظمات الإنسانية السورية الأمريكية