الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا في انتظار صفقة لا تجيء

سوريا في انتظار صفقة لا تجيء

23.05.2017
عاصم عبد الخالق


الخليج
الاثنين 22/5/2017
الوضع المعقد على الأرض في سوريا ليس العائق الوحيد أمام نجاح جهود ومقترحات السلام وآخرها الاتفاق على إنشاء ما يسمى بمناطق "خفض التصعيد" الذي توصلت إليه روسيا وإيران وتركيا. الصراع التقليدي بين الولايات المتحدة وروسيا، وتنافسهما على مناطق النفوذ يجعل الحل رهينة باتفاقهما وتوافقهما. وهو أمر يبدو صعباً ومستبعداً في الوقت الراهن لاسيما على ضوء الأزمة داخل البيت الأبيض بين الرئيس ترامب ومعارضيه.
روسيا كما هو معلوم في قلب الأزمة الحالية في واشنطن سواء لدورها المزعوم في التدخل في الانتخابات الرئاسية، أو ما يثار حول حصولها على معلومات سرية من ترامب. لهذا السبب لم يعد الرئيس الأمريكي في وضع يسمح له بمزيد من التقارب مع موسكو بما في ذلك إبرام اتفاقات معها. كما أنه في غنى عن المزيد من الاتهامات والشكوك بشأن العلاقة مع موسكو. لذلك ليس من المحتمل أن تبادر إدارة ترامب بقبول اتفاق مناطق "خفض التصعيد" على الأقل في الوقت الراهن.
وإذا كانت تلك الظروف الاستثنائية تمثل عقبة مؤقتة، فإن هناك عقبات أكبر وأشد رسوخاً تقف حجر عثرة أمام محاولات التهدئة ولا نقول السلام الشامل في سوريا. أهم تلك العقبات ما يتصل بطبيعة العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة وروسيا، وصراع النفوذ والهيمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهو صراع يتجاوز سوريا والمنطقة بأسرها ليشمل العالم كله.
أي اتفاق محتمل بين البلدين حول سوريا لن يكون سوى جزء من صفقة أكبر بينهما. وكما أن سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين الدولتين، وواحدة من جبهات الحرب بالوكالة ، فإن مصيرها سيظل مرهوناً ومعلقاً بما يمكن أن تتوصلا إليه من تفاهمات بشأن قضايا كثيرة أخرى. باختصار المسألة السورية على تعقدها وأهميتها ومأساويتها أيضاً مجرد فصل واحد في ملف متخم بالقضايا المعلقة بين موسكو وواشنطن.
 
ولا يخفى على الولايات المتحدة أن روسيا تواجه مأزقاً حقيقياً في سوريا وأنها تتعرض لاستنزاف عسكري واقتصادي مستمر من جراء تواجدها وعملياتها العسكرية ومساعدتها النظام السوري. ومن البديهي والأمر كذلك أن يبحث بوتين عن استراتيجية خروج آمنة ومشرفة لبلاده من هذا المستنقع الخطر. غير أن له هدفين أساسيين لا يمكنه التضحية بهما، الأول الاحتفاظ بالمصالح الحيوية لبلاده وأهمها القواعد العسكرية والثاني أن تكون طرفاً في اتفاق التسوية النهائية لضمان بقاء نظام صديق لها في دمشق.
وليس بوسع بوتين تجاهل حقيقة أن بلاده لا يمكنها الاستمرار في حرب مفتوحة في سوريا، وهي حقيقة تعرفها واشنطن وتستثمرها إلى أبعد مدى من خلال العمل على زيادة توريطها في الحرب، وليس أفضل لتحقيق ذلك من عرقلة جهودها ومقترحاتها للتهدئة. يؤدي الضغط على روسيا بهذا الشكل إلى إضعاف موقفها التفاوضي ويجعلها أكثر استعداداً لتقديم تنازلات في الملف السوري أو غيره مثل أوكرانيا.
وهناك مؤشرات واضحة على هذا الاتجاه الذي تتبناه واشنطن مثل زيادة دعمها العسكري للقوات الديمقراطية الكردية، ورفضها منع العمليات الجوية فوق مناطق "خفض التصعيد" المقترحة، أي عدم الاعتراف بها. كما أنها لم تستبعد توجيه ضربات جديدة لقواعد النظام السوري.
يضاف إلى ذلك أن اتفاق إنشاء هذه المناطق يمكن أن يكون مفيداً ليس فقط لروسيا ولكن لإيران ونظام الأسد أيضاً، وهو ما لا تقبله واشنطن، فضلاً عن أنه قد يضع قيوداً على عمليات القوات الموالية لها.
لا يمكن إغفال عنصر آخر مهم هو غياب استراتيجية أمريكية محددة ومتماسكة بشأن الأزمة السورية وهو سبب إضافي لإضعاف فرص إيجاد تسوية نهائية أو حتى اتفاق تهدئة قابل للصمود. والتصريحات المتضاربة للمسؤولين الأمريكيين حول موقف الإدارة من بقاء أو رحيل الأسد مجرد نموذج على الافتقار إلى رؤية واضحة ومحددة للتعامل مع الملف السوري. والى أن تتغير كل هذه الأوضاع ستظل سوريا في انتظار فرصة قادمة من خارج الحدود لتحقيق السلام.