الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا وقانون قيصر ونماذج شبيهة

سوريا وقانون قيصر ونماذج شبيهة

18.06.2020
د. أحمد موفق زيدان



العرب القطرية
الاربعاء 17/6/2020
دخل قانون قيصر حيز التنفيذ اليوم، وأيدي السوريين جميعاً على قلوبهم من أن يكونوا ضحيته، فيستهدف الشعب أكثر مما يستهدف عصابة مجرمة قادرة على التكيف والتلاعب بالقانون، كما تكيفت وتلاعبت مع من سبقه، وهي التي تعيش أصلاً خارج السياق الزماني والمكاني، ولا تنطبق عليها قوانين ولا تنظمها نظم، لا سيما أن الجميع قد رأى انهيار العملة السورية يضرب أول ما يضرب المواطن العادي الذي يعجز اليوم عن توفير المادة الأساسية الخبز، فضلاً عن احتياجاته الأساسية الأخرى، ويحصل هذا في ظل عجز القوى الثورية، ومن خلفها في تأمين العملة البديلة في المناطق المحررة.
لقد أثبتت الأنظمة الشمولية والديكتاتورية قدرة كبيرة في التلاعب مع قوانين العقوبات، وأمامنا ما شهده العراق حيث كانت العقوبات الدولية على العراق تستهدف الشعب أول ما تستهدف، فكان الضحية موت مليون عراقي ومعاناة لا حصر لها، لتتجه واشنطن في النهاية نحو الخيار العسكري لإسقاط النظام العراقي، والأمر نفسه ينسحب بطريقة أخرى أو بأخرى على كوبا وفنزويلا وإيران وغيرها من الدول التي فرضت أميركا عقوبات اقتصادية لسنوات، وربما لعقود عليها، دون أن تلحق الضرر بالأنظمة بشكل كبير، وإنما ألحقته بالشعوب في الغالب.
أليس هناك من خيار آخر لإسقاط عصابة استخدمت كل المحرمات في حربها ضد البشرية والإنسانية كالكيماوي والبراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية وقصف الطيران للمدن والقرى والمشافي والأسواق، وبين هذا كله صور التعذيب المرعبة التي كشف عنها قيصر، وصور ما وصفت بالمسالخ البشرية في السجون السورية، فضلاً عن استجلاب العصابة لاحتلالات متعددة وميليشيات طائفية عابرة للحدود. فهل واشنطن بحاجة إلى استعداء شعب جديد هو الشعب السوري، كما حصل مع الشعب العراقي، وما استتبع ذلك من عداوة مع الشعوب العربية والإسلامية، بعد معاناة الشعب العراقي.
لأميركا الحق والواجب في دعم ميليشيات كردية لم تتعرض لواحد بالمائة مما تعرضت له الأغلبية السنية الثورية على أيدي الاحتلالات الأجنبية وذيلها العصابة الأسدية، ولكن ليس من واجبها أن تفي بما تعلنه وترفعه من قيم وشعارات وتعهدات في لجم عصابة تستخدم الكيماوي وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً، بل تفرض شروطاً على الآخرين في عدم تسليح الجيش الحر بمضادات الطيران لوقف الموت جواً على يد العصابة ولعقد كامل، وهي نفسها أميركا التي أوقفت كل أشكال الدعم والمساندة لقوى الجيش الحر وانسحبت من المعركة أمام روسيا وإيران، والأعجب من هذا كله هو أنها أميركا نفسها التي تدعم ميليشيات كردية مفروضة على الشعب الكردي قبل أن تكون مفروضة على الشعب السوري، وعلى استعداد لإفساد علاقاتها مع الحليف التركي التقليدي لعقود من أجل هذه الميليشيات.
لن ينطلي على الشعب السوري التحركات الأميركية الأخيرة، فعلى الرغم من أن ظاهرها يستهدف النظام ومن وراءه فإنها تستهدف أيضاً وبشكل مباشر السوريين في مضاعفة معاناتهم، تماماً كما تستهدف بشكل عميق بنية الدولة واقتصادها، ويجعل البلاد رهينة للبنك الدولي والمؤسسات النقدية الدولية لسنوات وربما لعقود، فتدمير البلد ما كان له أن يتم بهذا الشكل المخيف لو لم يأمن طاغية الشام وعصابته العقوبة الدولية والعقوبة الأميركية تحديداً، ليأتي المبعوث الأميركي جيمس جيفري بعد كل هذا الخراب والدمار ويعلن أن إسقاط الأسد لا يعني رحيل النظام ومؤسساته، ولا أدري ماذا تبقى من مؤسسات بعد كل هذا الدمار والخراب سوى مؤسستي القتل الجيش والمخابرات، وهما المؤسستان اللتان يبدو أن النظام الدولي مصرٌّ على إبقائهما كسيف مسلط على الشعب للفتك به إن حاول ثانية الانتفاض ضد جلاديه، أما تدمير المؤسسات الخدمية الأخرى من تعليم وصحة ونحوهما فلا يعني المجتمع الدولي.
رهن الدول ومنها أميركا نفسها بالإبقاء على مؤسسات النظام إنما هو اصطفاف فاضح وواضح إلى جانب القاتل لعقد كامل، ويستلزم ذلك تحمل مسؤولية بشكل متساو كمسؤولية النظام نفسه، فلا مندوحة للعالم كله أن ينحاز لربيع عربي وسوري ليس حكراً على وطن دون وطن ولا جغرافية دون أخرى، ونحن نرى ونلمس عولمة الربيع العالمي من الماء إلى الماء.