الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا موضوعاً لحراك سياسي متنوع 

سوريا موضوعاً لحراك سياسي متنوع 

20.02.2021
بكر صدقي



القدس العربي 
الخميس 18/2/2021 
لا يتوقع أحد خروج اجتماعات سوتشي بجديد ذي قيمة في شأن حل سياسي لسوريا. فمن الواضح أن الأطراف الثلاثة الراعية لهذا المسار لا تملك ما تقدمه بهذا الخصوص، فضلاً عن الخلافات "الداخلية" فيما بينها بشأن ما يريده كل منها من سوريا. صحيح أن هناك بنوداً معروفة للتباحث فيها بين الشركاء الثلاثة، كانتهاء اجتمعات اللجنة الدستورية في جنيف إلى طريق مسدود كما أعلن منسقها الأممي غير بيدرسون، أو مصير منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارها في المرحلة القادمة وغيرها من الموضوعات التفصيلية، إضافة إلى موضوعات ثنائية بين تركيا وروسيا من جهة، وإيران وروسيا من جهة ثانية، ولكن من المحتمل أن ما قد يخيم على اجتماعات سوتشي أكثر من غيره إنما هو الغائب الحاضر الذي يترقب الجميع ما سيقوله بشأن سوريا، أي الإدارة الأمريكية الجديدة. 
طهران المتفائلة بحذر، وتلعب سياسة حافة الهاوية مع واشنطن بشأن برنامجها النووي وإعادة المفاوضات بشأنه، ليست بوارد القبول بأي ضغوط على نظام الأسد الكيماوي ليتعامل بجدية مع الحل السياسي؛ فيما يقتصر اهتمام أنقرة على الوضع في شمال سوريا، في مواجهة الإدارة الذاتية الكردية في الشرق، والحفاظ على الوضع القائم في إدلب وجوارها في الغرب، مع تعزيز تواجدها العسكري والإداري والاقتصادي في مناطق سيطرتها في الريف الشمالي لحلب ومنطقة عفرين. صاحب الهم الأكبر هو روسيا التي تملك التصرف في شأن سوريا عسكرياً ودبلوماسياً، لكنها لا تملك مشروعاً مستقبلياً يقوم على حل سياسي، ما لم نعتبر أن الإبقاء على الأسد هو الهدف الروسي. 
لم تتضح، إلى الآن، سياسة أمريكية متسقة بشأن سوريا، باستثناء مواصلة الحرب على بقايا داعش وإعلان التمسك بقرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا على لسان عدد من أقطاب الإدارة المعنيين بذلك. وهذا كلام عام يحتاج إلى بلورة عملية في سياسة متسقة. ركزت وسائل الإعلام على اقتراحات قدمتها مؤسسات فكرية للإدارة الجديدة بشأن اتباع سياسة "خطوة مقابل خطوة" التي تقوم على اختبار النظام الكيماوي بشأن موضوعات محددة مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية. لا شيء يشير إلى أن إدارة بايدن ستأخذ بهذه المقترحات أو سترفضها لمصلحة تصورات أخرى. لكن الواضح أنها غير مستعجلة بهذا الشأن، وسوريا ليست أولوية لدى الإدارة في الوقت الحالي. وهذا ما قد يعني أن الدور الأمريكي في سوريا سيقتصر الآن على تعطيل أي محاولات روسية لتطبيع وضع نظام الأسد أو فك العزلة الدولية عنه. 
 
الواضح أن إدارة بايدن غير مستعجلة بهذا الشأن، وسوريا ليست أولوية لدى الإدارة في الوقت الحالي. وهذا ما قد يعني أن الدور الأمريكي في سوريا سيقتصر الآن على تعطيل أي محاولات روسية لتطبيع وضع نظام الأسد أو فك العزلة الدولية عنه 
 
فواشنطن قادرة على لعب هذا الدور السلبي دون أن تحتاج لفعل أي شيء أو تخصيص أي موارد أو القيام بأي انخراط سياسي أو دبلوماسي. وكما ظلت روسيا قادرة على تعطيل أي توجه دولي في مجلس الأمن بواسطة حق الفيتو الذي تملكه كعضو دائم فيه، كذلك تستطيع الولايات المتحدة أن تمنع أي حل سياسي روسي بعيداً عن قرارات مجلس الأمن، إضافة إلى احتفاظها بقوات عسكرية على بعض الأراضي السورية، على رغم رمزية عديدها، الأمر الذي يمنع سيطرة النظام التابع لموسكو على جميع الأراضي السورية. 
في هذا الوقت يستعد النظام الكيماوي لتجديد "البيعة" لبشار الأسد، بعد بضعة أشهر، في ولاية جديدة من سبع سنوات، وكأن سوريا لا ينقصها غير تجديد الانتخابات الرئاسية، في وقت يهدد فيه الوضع الاقتصادي وحده بكارثة إنسانية في مناطق سيطرة النظام. وهذا ما حفز، إضافة إلى انسداد أفق "اللجنة الدستورية" أطرافاً محسوبة على الضفة المعارضة على التقدم بمبادرات سياسية أبرزها فكرة "المجلس العسكري الانتقالي" بقيادة مناف طلاس المنشق عن جيش النظام، ونجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس. فتحدثت تقارير صحافية عن جمع توقيعات شملت ضباطاً منشقين وآخرين ما زالوا في جيش النظام، بلغ عددهم أكثر من 1400 ضابط، لتشكيل بديل عن "هيئة الحكم الانتقالي" المنصوص عليها في القرارات الدولية بوصفها المدخل للحل السياسي المأمول. كما أعلن الممثل جمال سليمان الذي انشق مؤخراً عن "منصة القاهرة" التي كان مؤسسها وقائدها، أنه قدم لروسيا مقترحاً ملموساً بهذا الشأن. وقد رفضت روسيا هذا الاقتراح رفضاً قاطعاً عشية انعقاد اجتماع ثلاثي سوتشي في 16 شباط الجاري. كذلك لم تلق فكرة "المجلس العسكري الانتقالي" ترحيباً في الرأي العام المعارض الذي لديه حساسية كبيرة تجاه دور العسكر في الحياة السياسية، إضافة إلى تحفظاته على عائلة طلاس المنشقة، كما على أي دور روسي محدد في الحل السياسي. 
من جهة أخرى انشغل الرأي العام بتلك الصورة التي جمعت أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام المصنفة على قوائم الإرهاب، إلى الصحافي الأمريكي مارتن سميث، حيث ارتدى الجولاني ملابس حديثة لإعطاء الانطباع بأنه يمثل تياراً إسلامياً "معتدلاً" يمكن التعامل معه. ويأتي هذا الظهور "العصري" في سياق تكهنات بشأن تعويم هيئة تحرير الشام وإخراجها من قوائم المنظمات الإرهابية والتعاطي معها بوصفها القوة المسيطرة على منطقة إدلب وجوارها في وجه محاولات النظام للتمدد هناك. لم تصدر، إلى الآن، إشارات واضحة على قبول الدول الغربية بهذا التعويم، ولكن لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بالنظر إلى أن الهيئة قد تشكل الأداة الوحيدة في يد الإدارة الأمريكية، في الشمال الغربي من سوريا، لمواصلة عرقلة أي تقدم للنظام المدعوم من روسيا. إضافة إلى أن الوضع في إدلب يقدم فرصة للتوافق مع تركيا مقابل الخلاف الحاد بين واشنطن وأنقرة في الشمال الشرقي، بسبب دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية. 
الخلاصة أن جميع اللاعبين السياسيين المعنيين بسوريا ومصيرها، دولاً ومجموعات وتيارات، ما زالوا في انتظار تبلور سياسة أمريكية بشأن سوريا، في حين أن واشنطن غير مستعجلة.