الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: معركة النظام الأمني مع النفوذ الروسي

سوريا: معركة النظام الأمني مع النفوذ الروسي

03.03.2019
سلام السعدي


العرب اللندنية
السبت 2/3/2019
تتواصل حملات الاعتقالات التي ينفذها النظام السوري في مدينة درعا ضد السكان المشكوك في ولائهم بصورة عامة، وضد المقاتلين السابقين في صفوف قوات المعارضة السورية بصورة خاصة. ورغم أن إلقاء سلاح هؤلاء وخضوعهم لسلطة النظام السوري قد تمَّا بعد تقديم تعهدات روسية بعدم ملاحقتهم، لا يبدو النظام السوري مكترثا بتلك التعهدات، وهو ما يوضح رغبة روسيا في ضبط السلوك الأمني للنظام وقدرتها المحدودة على فعل ذلك.
في منتصف العام الماضي، حقق نظام الأسد نصره الأبرز منذ بداية سلسلة الانتصارات العسكرية في مطلع العام 2016 وذلك باستعادة مدينة درعا مهد الثورة السورية. ليست استعادة درعا، برمزيتها العالية، هي فقط ما يؤشر على الوضع التراجيدي الذي آلت إليه الثورة السورية، ولكن استعادتها من دون قتال هي ما يؤشر على حالة الهزيمة العامة وانعدام أفق التغيير لدى المتمردين السوريين.
عاد النظام السوري بكامل أجهزته ومؤسساته، وعلى رأسها المؤسسة الأمنية التي تظاهر أهل المدينة، قبل ثمانية أعوام، احتجاجا على انتهاكاتها بحق الأطفال المعتقلين وعائلاتهم. أما اليوم، فبدا أن على سكان درعا وثوارها المقاتلين أن يتناسوا جراحهم ويبتلعوا الهزيمة بصمت ومرارة.
والحال أنه لم يكن بالإمكان السيطرة على مدينة درعا من دون قتال دون حدوث اتفاق سياسي أمني وتقديم ضمانات روسية تجنب المدنيين والمقاتلين مصير الاعتقال والموت في غياهب السجون. نص الاتفاق الذي وُقع في منتصف العام الماضي، على أن يخضع السكان لما يسميه النظام السوري “تسوية وضع”، إذ تقوم الأجهزة الأمنية بشطب أسمائهم من لوائح المطلوبين، فيما ينضم من يريد من المقاتلين إلى الفرقة الخامسة في الجيش السوري والتي تشرف عليها موسكو.
جنب ذلك المقاتلين وعائلاتهم مصير الترحيل نحو الشمال السوري ليخضعوا للهيمنة التركية أو لهيمنة جبهة النصرة والمكوث في مناطق هي نفسها عرضة للهجوم في وقت لاحق. الأهم من كل ذلك هو الضمانات الروسية بتقييد ممارسات المؤسسات الأمنية بعد عودة النظام ومنعها من تنفيذ اعتقالات تعسفية.
في الأشهر الأولى للتسوية، عملت روسيا على منع النظام السوري من ممارسة الاعتقال التعسفي والانتقام من السكان. في حالات حدوث اعتقالات على الحواجز الأمنية للنظام، كانت الشرطة الروسية تتدخل لتخلي سبيل المعتقلين. حدث ذلك بصورة متكررة عند اعتقال مقاتلين من المعارضة فاوضوا على استسلامهم مع روسيا، أكثر من حدوثه في حالات اعتقال المدنيين. ولكن، بصورة عامة، أصبحت الشرطة الروسية وسيطا بين السكان والنظام السوري المتطلع إلى إعادة هيمنته الأمنية كما كانت قبل العام 2011.
وبالفعل، مع مرور الوقت، عاد النظام لتوطيد سلطته الأمنية فأوقف كافة المساعدات الإنسانية القادمة من الأردن عبر المنظمات الدولية ورفض دخول موظفي تلك المنظمات، فضلا عن الصحافيين، إلى المناطق التي سيطر عليها ليؤكد على “سيادة” الدولة كما تردد وسائل إعلامه. كما اتهم ناشطون سوريون النظام بشن حملة اغتيالات طالت قيادات عسكرية وشخصيات سياسية سابقة في المعارضة السورية.
في الأشهر الأخيرة، شنت القوات الأمنية عددا كبيرا من حملات الاعتقال في ظل تراجع الدور الروسي في المدينة. اتضح ضعف تأثير ونفوذ موسكو على النظام السوري، إذ فشلت روسيا في منع عودة الانتهاكات المستمرة وأساليب القمع المعهودة والتعسفية التي قادت في العام 2011 إلى الثورة الشعبية.
من حيث المبدأ، تدرك روسيا أهمية ضبط سلوك النظام السوري وكبح جماح المؤسسات الأمنية من أجل خلق مناخ من الأمان يسمح بعودة جزء من اللاجئين وبتدفق مساعدات إعادة الإعمار. كما تتطلع روسيا إلى خلق دعائم استقرار حقيقي إذ تدرك أن ما تحقق حتى اليوم ليس إلا استقرار وهمي، وهو عرضة للانفجار في أية لحظة.
وفي هذا السياق، كان لافتا إصدار وزارة الدفاع السورية قبل نحو ثلاثة أشهر قرارَ منعِ الاعتقالات على الحواجز العسكرية لكل من يحمل وثيقة توضح أنه قد خضع لـ”تسوية وضع”. من المرجح أن القرار قد اتخذ بضغط روسي لتجنب تصاعد الأمور، بما يساهم في تنشيط مقاومة مسلحة للنظام السوري وهو ما بدأ بالفعل خلال الأشهر الماضية باسم “المقاومة الشعبية”. استهدفت الأخيرة حواجز عسكرية ونفذت بضع عمليات اغتيال لشخصيات موالية للنظام السوري في محافظة درعا.
ولكن قرار وزارة الدفاع بقي حبرا على ورق، حيث تواصلت الاعتقالات بل وتصاعدت منذ صدوره؛ إذ تتحكم الأجهزة الأمنية والميليشيات العسكرية المرتبطة بها في السياسات التي يجري تطبيقها على الأرض، وذلك بأوامر مباشرة من الحلقة الضيقة في النظام السوري.
تدرك تلك الحلقة أن روسيا تحاول انتزاع نفوذ كبير داخل أجهزة النظام بما يجعل الأخير مقيدا بالسياسات الروسية، المقيدة بدورها بتحالفات إقليمية وبتنسيق مع إسرائيل حول الوضع في الجنوب. دفع ذلك نظام الأسد لمقاومة عمليات تثبيت النفوذ الروسي، وذلك بدعم واضح من الحليف الإيراني الذي يشاركه التوجس من دور واسع لموسكو في سوريا.