الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا ما بين مشانق صيدنايا ومماحكات جنيف

سوريا ما بين مشانق صيدنايا ومماحكات جنيف

15.02.2017
د. وليد البني


 كلنا شركاء
الثلاثاء 14/2/2017
انشغل السوريون ومعظم المهتمون بالمأساة السورية وتطوراتها في الاسبوعين الماضيين بتقرير منظمة العفو الدولية حول جرائم نظام مافيا الاسد في سجن صيدنايا والمجازرالجماعية والمشانق اليومية التي راح ضحيتها 13 الف شاب سوري, وطرق التعذيب القرووسطية التي يستخدمها ضد معتقلي الرأي من ابناء سوريا , كما انشغل ايضا بتطورات ومماحكات انعقاد مؤتمر جنيف الرابع بين مؤسسات المعارضة السورية وديمستورا وروسيا  وبمهازل الخلافات بين فصائل ومنصات  المعارضات السورية حول تشكيل الوفد المفاوض وحجم تمثيل مختلف منصاتها وفصائلها وائتلافها وهيئة تفاوضها فيه .
طبعا جرائم سجن صيدنايا على بشاعتها وشناعتها لم تكن الاولى في تاريخ حكم مافيا الاسد سواء الاب او الابن , فتدمير حماة وإعدام سكانها أمام منازلهم وجرائم سجن تدمر ايام الطاغية الاب والتي أصبحت معروفة وموثقة من خلال آلاف الشهود, ومشاهد قنص المتظاهرين السلميين اثناء شهور الثورة السلمية الاولى موثقة بالصوت والصورة , وفيها يظهر وجه واسم القاتل والشهيد معا, ولا تحتاج الكثير من العناء لاثباتها, كما ان اساليب التعذيب الوحشية التي تعرض لها مئات الاف الشباب والشابات السوريين من إعتداءات جسدية وجنسبة واغتصاب وقتل تحت التعذيب والتي تعتبر جرائم موصوفة ضد الانسانية أيضا يعرفها القاصي والداني ولن يكون من الصعب اثباتها في حال اراد المجتمع الدولي  ذلك , وهناك عشرات الآلاف من السوريين القادرين على تسمية عناصر امن النظام الذين قاموا بتعذيبهم وقتل زملائهم أمام أعينهم.
 ما أريد قوله أن تقرير منظمة العفو الدولية الأخير على أهميته وبشاعة الجرائم التي يوصفها,  مع الاسف لن يغير الكثير لدى صناع القرار في العالم ولن يدفعهم  باتجاه اتخاذ خطوات جدية لمحاسبة الاسد وعائلته ونظامه على كل تلك الجرائم , فالمجتمع الدولي الذي صمت على جرائم الاسد الاب وأعاد له الاعتبار واقام العلاقات الودية معه بعد كل الجرائم التي ارتكبها في حماة وسجن تدمر خوفا من وقوع سوريا بأهميتها الاستراتيجية بأيدي الاسلام المتطرف الذي استطاع الطاغية الأب ان يقنع العالم انه بديله الوحيد , لم يغير رأيه ولا مواقفه  في زمن الطاغية الابن, وخاصة أن البديل المتوفر اليوم والذي عمل النظام وحلفاءه  على اظهاره وتقويته في بداية الثورة  ليكون الوحيد على الارض تقريبا , هو بنظر المجتمع الدولي  اشد تطرفا من ذاك الذي كان في زمن الاب.
مهما حاولنا اقناع الرأي العام الدولي الذي يعاني اليوم من اسلاموفوبيا غير مسبوقة, اوحتى  الكثير من السوريين من غير الاسلاميين  بأن جيش الاسلام واحرار الشام الاسلامية وجيش المجاهدين وفيلق الشام التي اعلنت مرار عن رفضها للدولة العصرية والدستور الحيادي عن الاديان والطوائف, وعدم قناعتها بصندوق الاقتراع كوسيلة لإختيار الدستور والحكومة , وهي نفس الفصائل التي تفاوض عمليا من اجل حل سياسي ينهي الكارثة التي تتعرض لها سوريا . أقول مهما حاولنا تسويق فكرة أن هذه الفصائل معتدلة وممكن ان تكون بديلا حضاريا  مقبولا لنظام الاسد فلن ننجح, وسنبقى ندور في حلقة مفرغة لأن الغرب وامريكا ومعظم دول العالم ستفضل بقاء طاغية يقتصر اذاه على شعبه , على امكانية تحول سوريا الى ساحة لصراع تيارات اسلامية فيما بينها أولاً ثم مع بقية السوريين غير القابلين بها والتي ستحولها الى دولة فاشلة ممكن ان تشكل ملجأً للارهاب الدولي حسب نظرتهم المتأثرة كثيرا بالاسلاموفوبيا.
إن الحل السياسي القادر على انقاذ سوريا و انهاء الحرب فيها ووضعها على طريق اعادة الاعمار والاستقرار,  لن يأتي من جنيف بالتأكيد .  إن الدعوات الى جولات جديدة من المفاوضات في جنيف وكل المماحكات حول وفد المعارضة وتشكيلته وتركيبته ماهي إلا انعكاس لفشل الدول الفاعلة على المستوى الدولي والإقليمي الداعمة لاطراف الصراع في التوصل الى حلول تنهي الحرب بالوكالة القائمة فيما بينها على الأرض السورية, وهي في نفس الوقت لعبة روسيا والنظام وايران لتقزيم المعارضة السورية و إظهارمدى تشتتها وتنافسها رغم مآسي شعبها, وفضح حقيقة عدم امتلاكها مشروعا واضحا لدولة عصرية بديلة تحترم حقوق جميع السوريين دون تمييز .
الحل السياسي الواقعي و القابل للتنفيذ في سوريا لن يكون إلا بتوافق أمريكي روسي يضع حدا للنزاعات و للأطماع الاقليمية على ارضها, اتفاقا مَرضي عنه اوربيا وعربيا مع خطط واضحة ومفصلة لتسهيل  إعادة اللاجئين وضمان أمنهم وحريتهم بعيدا عن التهديد بسجون الاسد ومشانقه وادوات تعذيبه,  وأيضا بعيدا عن الرجم والجلد وقطع الرؤوس والجزية والتكفير التي تتبناها الكثير من الفصائل الاسلامية المسلحة المعارضة لنظام الاسد.
هكذا اتفاق يتوقف حصوله على السياسة التي ستَتّبعها الإدارة الأمريكية تجاه سوريا والمنطقة بشكل عام , والتوافقات التي ستجري بينها وبين حلفاءها في المنطقة حول كيفية كبح جماح الاطماع الايرانية , وأيضا يتأثر كثيرا بطبيعة العلاقة الروسية الأمريكية الجديدة التي لا تشكل سوريا موضوعها الوحيد بل تتخطاها الى مواضيع كثيرة عالقة بين الولايات المتحدة واوربا والغرب من جهة وروسيا بوتين من جهة أخرى.