الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا.. صحوة ضمير كاذبة

سوريا.. صحوة ضمير كاذبة

15.04.2018
د. ياسر محجوب الحسين


 الشرق القطرية
السبت 14/4/2018
سبع سنوات عجاف مرت على الأزمة السورية ولم يتحرك الضمير العالمي الذي يبدو لا وجود له إلا في خيالات جامحة أو في عالم يوتوبيا. اليوم ينتفض الضمير الأمريكي لضحايا السلاح الكيميائي الذي ظل يستخدمه نظام بشار الأسد ضد شعبه. ونشهد اليوم تصعيدا غربيا غير مسبوق من نوعه ضد روسيا الداعم الرئيسي للرئيس الأسد، حيث حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيقصف مواقع مهمة في سوريا، بصواريخ ذكية وحديثة، انتقاما لضحايا السلاح الكيميائي في بلدة دوما في ريف دمشق. وفي مقابل ذلك تعهدت روسيا بإسقاط جميع الصواريخ التي ستطلق على سوريا.
وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فقد بلغ عدد قتلى الأزمة السورية نحو نصف مليون سوري حتى العام 2016. وتذكر أيضا احصائيات أخرى أن الأزمة الإنسانية أفرزت ستة ملايين نازح وخمسة ملايين طالب لجوء. وتم تدمير نحو خمسة ملايين منزل بشكل كامل، إضافة إلى نصف مليون منشأة حكومية. وكان في عام 2010 نحو 100 ألف منشأة صناعية دُمّرت 50 % منها. وقام النظام بتوظيف 17% من القوة العاملة في الأجهزة القمعية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية.
خلال السبع العجاف تموضعت في أراض سوريا كل من روسيا وإيران، وتعقد المشهد العسكري بحيث يهدد بوقوع كارثة ماحقة إن تمكن ترامب من تنفيذ تهديداته الأمر الذي يضاعف ما حدث من دمار خلال سبع سنوات في فترة وجيزة
ولولا اطلاق العالم ليد بشار الأسد ليفعل ما يشاء في شعبه ما كان لأحد أن يتخيل أن تتحول الثورة السورية من ثورة مدنية إلى حرب أهلية، ومن ثم إلى ساحة صراع دولي. وبينما كان التدخل الروسي محدد الأهداف وقائما على استراتيجية واضحة؛ كان هناك غياب كامل لاستراتيجية أمريكية واضحة، بل اتسمت السياسة الأمريكية تجاه سوريا بالغموض والارتباك، وشهدنا تناقضات بينة في مواقف الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما؛ بل إن ترامب بدا أكثر تخبطاً في تعاطيه مع الأزمة السورية.
تاريخيا دار صراع محتدم وتنافس هيمنة على هذه المنطقة بين تركيا وإيران. وعبر القرون الماضية كانت هناك سلسلة حروب وصراعات نشبت بين الإمبراطورية العثمانية والدولة الصفوية (1636- 1623) من أجل السيطرة على هذه المنطقة، والتي انتهت بانتصار العثمانيين، حيث ضمت الإمبراطورية العثمانية، العراق حتى فقدته في أعقاب الحرب العالمية الأولى. بيد أن الصراع الأمريكي الروسي هو الأخطر على الاطلاق نظرا للقدرات العسكرية لكل طرف من الطرفين.
وبالفعل تحركت المدمرة الأمريكية عقب تهديدات ترامب باتجاه السواحل السورية، وهي تحمل 60 صاروخا مجنحا من طراز توماهوك. ومعلوم أن هذه المدمرة يمكنها أن تطلق صواريخها من على بعد 2500 كيلو متر بدقة تصويب عالية وفعالة. واستخدم الجيش الأمريكي في وقت سابق صواريخ توماهوك في ضرب مطار الشعيرات العسكري شرقي حمص.
التهديد بالصوت العالي قد لا يعني نية أكيدة بالفعل على أرض الواقع وإنما الخوف من ذلك الذي يلتزم الصمت الحذر وهي روسيا والتي يبدو أنها غير امتلاكها لأسلحة متقدمة تضاهي نظيرتها الأمريكية إلا أنها تتفوق عليها من الناحية اللوجستية وتموضعها في أرجاء واسعة واستراتيجية من التراب السوري.
ودعت موسكو التي تحتفظ بهدوء مريب واشنطن إلى التفكير جديا في عواقب تهديداتها بضرب سوريا. وقالت متحدثة باسم روسيا أنه لا أحد فوض القادة الغربيين للعب دور الشرطة العالمية، وفي نفس الوقت دور المحقق وممثل النيابة والقاضي والجلاد.
لاحقا خففت واشنطن من نبرتها التهديدة وأكد وزير الدفاع أن واشنطن أثناء دراستها لمسألة توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، تتطلع لتجنب أي تصعيد قد يخرج عن السيطرة. بل أكد أن ترامب لم يتخذ قرارا بشأن توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا. المحزن يتبادل الكبار الاتهامات والتهديدات ثم يتفقون على اقتسام الكعكة السورية وبقاء نظام الأسد بينما تتفاقم معاناة الشعب وسط عجز عربي كامل لم يحدث له مثيل.