الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا.. دستور المحرقة الروسية

سوريا.. دستور المحرقة الروسية

16.07.2019
بشير البكر

    
تلفزيون سوريا
الاثنين 15/7/2019
هل كان كل هذا الخراب في سوريا من أجل كتابة دستور جديد يحدد مواصفات وصلاحيات رئيس الجمهورية؟
يصفعنا هذا السؤال منذ حوالي عامين، ورغم أن القاصي والداني يدرك تهافت هذه المسألة، فإنها تكاد تصبح الشغل الشاغل للأوصياء على الملف السوري وسط المحرقة التي نصبها فلاديمير بوتين وحلفاؤه الإيرانيون لإبادة الشعب السوري.
كل شيء في سوريا بات يسير بالمقلوب، الأخبار لا تتوقف منذ عدة شهور عن تشكيل اللجنة الدستورية، رحل غير المأسوف عليه مندوب الأمم المتحدة المكلف بالملف السوري ستيفان دي ميستورا، وترك لخلفه غير بيدرسون مهمة تشكيل اللجنة الدستورية التي لا تريد مغادرة النقطة الحرجة التي وصلتها.
ومكمن الحرج هو الاختلاف على ستة أعضاء من أصل 150 عضواً تتشكل اللجنة منهم بالمثالثة، 50 عضواً للنظام و50 للمعارضة والثلث الأخير تسميه الأمم المتحدة من ناشطي المجتمع المدني، والأعضاء الستة محل الخلاف هم من حصة الأمم المتحدة، وأطرف ما في هذه المسرحية السوداء هو أن النظام يعترض على اثنين من المرشحين لعضوية اللجنة رغم أنهما من مؤيديه.
لا شيء يفوق هذا استهتاراً ومرارة، حتى الضحك على الذقون يبدو أقل كوميدية، لقد تجاوز الجميع السخرية من السوريين والتلاعب بأعصابهم ومصائرهم، وبات الضحك من تحت الحزام في هذه اللعبة التي باتت مملة، واختلط فيها الجد بالهزل.
لا أحد يستطيع أن يقدم تلخيصاً مفيداً للرأي العام السوري وغير السوري عن حال القضية السورية، وفي أيّ اتجاه تسير، ذهب بيدرسون إلى موسكو في الأسبوع الماضي قبل أن يهبط إلى دمشق لأنه يعرف أن قرار بشار الأسد لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومن روسيا طارت الأنباء السارة في أن الروس حلوا عقدة الستة في اللجنة الدستورية، ولهذا ذهب بيدرسون على عجالة ليجتمع مع وزير خارجية النظام وليد المعلّم، وخرج ليدلي بتصريحات تتحدث عن أنباء إيجابية، ولكن هذه الإيجابية لم يلمسها الوفد السوري المعارض الذي التقاه المبعوث الأممي في إسطنبول، بينما كانت طائرات الروس الحربية وبراميل الأسد تطارد قاطفات الباذنجان السوريات في أرياف حماة وإدلب وحلب.
لولا كل هذه المجازر المريعة بحق السوريين العزل، لما كان أحد سوف يكترث بهذه اللجنة أو بالأمم المتحدة، الرأي العام السوري بات مقتنعاً أن كل ما يجري من حول سوريا هو ثرثرة وتقطيع وقت وتمييع للقضية، وليس هناك حلول مطروحة على طاولة البحث، ولن يكون هناك بصيص أمل قبل أن تتوافق الأطراف المتحكمة بالجغرافيا السورية على تقاسم الحصص، ولا شك أن الرئيس بوتين هو الذي يقف عائقاً في وجه القسمة لأنه يريد الحصة الأكبر، ويعمل على إخراج بقية اللاعبين من دون أيّ مكاسب معتبرة، وفوق ذلك يصر على تثبيت الأسد على غرار الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، الذي يشكل رمزاً للإذعان والذل على شعب قاتل من أجل حريته واستقلاله.
لن يتجنى أحد إذا وصل إلى استنتاج بأن ما يطمح له بوتين ليس النصر في سوريا وحيازة القسم الأكبر من الكعكة فقط، كل أفعاله تؤكد أن لا خصم له في هذه المعادلة غير السوريين الذين يرفضون أن يرفعوا الراية البيضاء، ويعلنوا الاستسلام أمام الجيش الأحمر الروسي، وما يسانده من بيادق محليين مثل سهيل النمر ومن التحق به من الحثالات.
وعلى هذا المنوال تأتي كل التحركات الروسية، سواء قبل التدخل العسكري المباشر في سبتمبر/أيلول 2015 أو قبل ذلك حين وظف بوتين الدبلوماسية الروسية من أجل إفشال كافة المساعي الدولية التي كانت تحاول منع انزلاق الوضع السوري نحو الهاوية.