الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا.. تحت احتلال غير معلن

سوريا.. تحت احتلال غير معلن

11.09.2018
د. سالم حميد


العرب اللندنية
الاثنين 10/9/2018
يزداد المشهد السوري تعقيدا وتبدو احتفالات النظام بالسيطرة على مناطق كانت تحت قبضة المعارضة احتفالات شكلية لرفع المعنويات لا أكثر، لأن استعادة المناطق والأحياء المدمرة والخالية من السكان ليست بالضرورة مؤشرا على بسط سلطة الدولة السورية وسيطرتها على الأرض دون وصاية إيرانية أو هيمنة ميليشياوية يمارسها حزب الله اللبناني. إلى جانب التوطين الذي يتغاضى عنه النظام السوري ويشمل تغييرَ ديموغرافيا بعض المناطق السورية وإحلال تجمعات شيعية وافدة في قرى سنية نزح عنها معظم أهاليها.
من الوجوه الأخرى لتداعيات أحداث الحرب الفوضوية المتشابكة في سوريا، أن هذا البلد العربي الذي يشكّل قلب منطقة الشام، أصبح عمليا حديقة خلفية للنظام الإيراني الحريص على اختراق المنطقة العربية والتبجح بعدد العواصم التي أصبح يسيطر عليها. وبالنسبة لسوريا تشير كل المظاهر العسكرية والسياسية إلى أن تداعيات الصراع قدمت فرصة ذهبية للنظام الإيراني لكي يقوم بإلحاق سوريا، وجعلها مكبلة بقيوده ومحاذيره وتحالفاته الطائفية.
صحيح أن كل الحروب الفوضوية ذات كلفة عالية مدمرة وجالبة للتوترات الاجتماعية والانهيارات الاقتصادية، إلا أن الصراع المفتوح وطويل المدى في سوريا جلب للسوريين كوارث أخرى عديدة أبرزها إلحاق بلدهم بإيران ودخولها في شبه احتلال صامت وغير معلن، وإلا فما معنى أن تعقد طهران مفاوضات إقليمية ودولية، تشترك فيها تركيا وروسيا، لمناقشة الملف السوري في غياب السوريين أنفسهم وهم أصحاب الشأن.
هذا ما حدث الأسبوع الماضي ليؤكد هيمنة الطرف الإيراني على الملف السوري بشكل خطير وغير مسبوق. ولا ننسى التصريحات الإيرانية المتكررة عن استحالة الانسحاب العسكري من سوريا بذريعة حماية المناطق السورية من عودة تنظيم داعش. وكأن القدر وضع السوريين بين خيارين يتصفان بالمرارة وهما داعش أو ميليشيات الولي الفقيه وملحقاتها القادمة من كهوف التاريخ.
مع ذلك وفي ظل خطورة التوغل الإيراني في سوريا، إلا أن الخطر الأكبر الذي يهدد استقرار سوريا لا يزال يتشكّل على نار هادئة وسوف تتضح ملامحه على المدى البعيد، وخاصة عندما تظهر آثار التوغل الإيراني وتحكّمه بالمشهد السوري وتوازناته، وذلك يجعل مستقبل سوريا على كف عفريت من ناحية التعايش الذي تريد إيران أن يصبح من الماضي، وأن يحلّ محلّه العنف الطائفي. ويمكن التنبؤ بوضوح أكثر بخطورة استنساخ إيران لأسلوبها الهمجي في العراق داخل سوريا، وأن ذلك الاستنساخ الذي يتفاعل منذ فترة سوف يضع المجتمع الدولي في المستقبل القريب أمام عراق آخر على الساحة السورية.
لكي نعرف ماذا يعني استنساخ عراق آخر في سوريا، يمكن العودة إلى تأمل المشهد العراقي الذي يغرق في طائفية مقيتة، ويعيش مرحلة من الفوضى الممتدة وشبه الفراغ الحكومي، في ظل التنافس المحموم بين قوى مذهبية وعشائرية متوترة طائفيا، وعاجزة عن التحول إلى دولة ترعى مصالح العراقيين وتعالج همومهم الضرورية العاجلة.
وفي ضوء الأحداث على الأرض، وتبعاً لتبجح الجنرال الإيراني قاسم سليماني بالدور الإيراني في سوريا، لم يعد الحديث عن خطورة الوصاية العسكرية والسياسية الإيرانية على سوريا ينبع من فراغ. بل إن إيران أصبحت تتداول بشأن الملف السوري وتفصيلاته الجانبية مع القوى الدولية والإقليمية بمعزل عن الجانب السوري الذي استسلم للوصاية الإيرانية، مقابل الاكتفاء بانتصارات تلفزيونية يتحدث عنها الإعلام الحربي السوري، بينما إيران وحزب الله يقطفان ثمار التوغل والنفوذ على الأراضي وفي البنية الديموغرافية من خلال توطين عائلات المقاتلين والمتطوعين الشيعة الذين يتوافدون من إيران ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان.
الدليل على الحضور العسكري الإيراني في سوريا يمكن رصد مؤشراته من خلال استعراض مسميات عسكرية ذات تبعية مباشرة لإيران والحرس الثوري الإيراني، سواء من حيث القيادة أو التمويل أو الولاء العقائدي، وفي مقدمة القوى التي تحركها إيران داخل سوريا قوات حزب الله، وتعمل كدرع لدمشق ولبنان، وتتواجد في سوريا منذ 2012، بعدد يتراوح بين 4000 و9000 جندي حسب سير المعارك. وكما هو معروف فإن القيادة والسيطرة الفعلية على قوات حزب الله تقع بشكل مباشر تحت التوجيه الإيراني، وشارك حزب الله في كثير من المعارك داخل سوريا وخسر الكثير من عناصره، وخصوصاً على حدود لبنان، وساهم في أعمال تهجير وطرد السكان السنة من بعض المناطق، وتم دمج عناصر الحزب ظاهريا بالجيش السوري، حيث يرتدون زيه وشعاراته من باب التمويه.
 وهناك تسريبات تفيد أن عناصر حزب الله كانوا يحملون بطاقات هوية أمنية سورية منذ مايو 2011. وسببت خطوة الجناح العسكري لحزب الله اللبناني بالتوغل في سوريا تحت القيادة الإيرانية جدلاً واسعاً في لبنان الذي أعلن أكثر من مرة بشكل رسمي الحياد تجاه المشهد السوري، لكن حزب الله مصمم على خوض المستنقع والتدخل في سوريا وتأجيج الصراع خدمة لأهداف إيران.
أما الذراع الإيراني المباشر الذي يتحرك في الأراضي السورية دون أقنعة فهو فيلق القدس المسؤول عن العمليات العسكرية الإيرانية خارج الحدود ضمن قوات ما يعرف بالحرس الثوري الإيراني. ونظراً إلى خطورة هذا الفيلق فإن المسؤول الأول الذي يتحكم به هو المرشد الأعلى علي خامنئي. بينما يتولى القيادة الميدانية قاسم سليماني. ويتواجد فيلق القدس في سوريا من خلال قوة تتراوح بين 2000 و5000 إيراني، يتوزعون ما بين مقاتلين وقادة ومستشارين عسكريين يعملون داخل القوات السورية النظامية ويتوغل بعض المستشارين داخل القصر الجمهوري.
ويبقى الجانب الأكثر رعباً المتصل بأنواع من المجموعات العسكرية ذات التعبئة الطائفية والتي يتم إطلاق يدها بحرية في المشهد السوري دون رقابة، ووجود هذا النوع من الميليشيات في سوريا يبعث على التشاؤم تجاه خطورة استنساخ المشهد العراقي الطائفي ونقله بكل كوارثه إلى سوريا.
ومن المسميات العسكرية التي تندرج ضمن التوصيف الميليشياوي الذي تحركه وتتحكم به إيران، هناك ما تسمى بقوات الدفاع الوطني السورية، وهي ميليشيات سورية تعمل تحت قيادة وتدريب وتمويل وتسليح إيراني، وتشبه الحشد الشعبي في العراق وحزب الله اللبناني. أما تعداد قواتها فيبلغ حوالي 90 ألف متطوع سوري، ولاء غالبيتهم لإيران.
بينما تتوزع بقية التجمعات المقاتلة ذات النفس الشيعي بين ما يسمى قوات الدفاع المحلية، وهي ميليشيات محلية، تضم 50 ألف عنصر، يديرها أشخاص موالون للنظام، ويوجد بينها عناصر إيرانيون ومن حزب الله في قيادتها.
أما الميليشيات الشيعية فيبلغ تعدادها حسب بعض الإحصائيات ما بين 10 و15 ألف عنصر، وأهمها ميليشيات فاطميون الأفغانية، وميليشيات زينبيون الباكستانية، ويتم الاعتماد على هذه الفصائل الجهادية الشيعية المتطرفة كقوة هجومية ضاربة. ويهاجر عناصر هذه الميليشيات مع عائلاتهم للاستقرار الدائم في سوريا بعد أن حصلوا على الجنسية السورية، واستوطنوا في المناطق السنية التي تم تهجير سكانها.
وأخيراً هناك مرتزقة لبنانيون وعراقيون يقاتلون في سوريا بتمويل إيراني، لكن الأخطر هي قوات التدخل السريع الشيعية، وتشمل قوات عراقية ولبنانية تابعة لفصائل سياسية شيعية متطرفة مثل وحدات حزب الرضوان التابعة لحزب الله وعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وحركة النجباء ولواء ذو الفقار، ولواء أبوالفضل العباس والقوة الجعفرية، ويبلغ عددها 3000 عنصر، ويتم استبدال الأعداد بمجرد انتهاء المهمات.
بالقياس إلى كثافة الحضور العسكري الإيراني في سوريا من خلال الفصائل التي تمت الإشارة إليها، يمكن القول إن الحرب وما رافقها من أحداث نزوح وسقوط أبرياء أسهمت في تأجيل دق ناقوس الخطر للتحذير من النفوذ الإيراني المتزايد في بلاد الشام.