الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا بحاجة إلى زعماء وطنيين

سوريا بحاجة إلى زعماء وطنيين

24.11.2016
مصعب الحمادي


 كلنا شركاء
الاربعاء 23/11/2016
صحيح أننا ندين للاستعمار في خلق هذه الكيانات التي كتب الله علينا أن تكون أوطاناً لنا بعد أفول زمن الإمبراطوريات الكبرى إبان عصر الحداثة, إلا أن بلدنا ليس نكرةً إلى هذا الحد. فقد خرجت سوريا من بين أنقاض الدولة العثمانية مطلع القرن العشرين كطفلٍ صغير انفصل عن عائلةٍ كبيرة هائماً على وجهه, لكنه طفل ضارب في عراقة النسب وفيه من مورثات النبوغ والعطاء ما يفوق أمماً وبلداناً كبيرة.
نُكبت سوريا بعد انتهاء الدولة العثمانية بالاستعمار الفرنسي وشكلت مقاومة هذا المحتل الأجنبي إرهاصات تبلور الهوية السورية العريقة والعصية على التمزيق بسهولة. ففرنسا التي اعتمدت في جيشها على عناصر من الأقليات تحت غواية تقويتهم على الأكثرية السنية في البلد وإعطائهم امتيازات عليها, وجدت نفسها في مواجهة ثورة مادتها من كل عناصر الشعب السوري, بل إن قائد الثورة السورية التي نشبت ضد المحتل الفرنسي كان زعيماً محلياً من أبناء الدروز ما لبث أن صار رمزاً وطنياً سامقاً
لم يعدم هذا البلد الصغير الناشئ أصحاب المواقف الوطنية والأخلاقية العالية, وحفل التاريخ القريب لسوريا بأسماء أشخاصٍ صاروا في نظر السوريين بمثابة الآباء المؤسسين ورموزاً لوطنهم الصغير, كما صار أتاتورك رمزاً لتركيا الحديثة, والآباء المؤسسون رموزاً للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن سوريا التي تحكمها دولة طائفية عميقة منذ 53 سنة تتعرض للدمار اليوم على يد رئيس غير وطني آثر تسليم البلد للاحتلال الأجنبي على التنازل ولو قليلاً لمواطنيه الذين طالبوا بحياةٍ تليق بهم وبتاريخهم وبهويتهم الحضارية
لن يختلف الدارسون كثيراً بخصوص طبيعة الطبقة الحاكمة في سوريا اليوم, لكن ما يثير التساؤل حقاً هو لماذا خلت سوريا من الرجال الذين بإمكانهم النهوض لوقف شلال الدماء المتدفق منذ خمس سنين ونيف. هل عقمت الأرحام عن إنجاب أشباه ياسر العظمة وفارس الخوري وصالح العلي وسلطان الأطرش وابراهيم هنانو؟
كلا, ولا مراء بأن أحفاد هؤلاء موجود, ونظراءهم أحياء يسعون بيننا, فأين هم منا وأين نحن منهم؟
الحقّ أن التدخلات الدولية في سوريا أفسدت علينا الكثير وأعطت الفرصة للنظام السوري كي يستفيد من تناقضات المشهد الدولي ويستعيد توازنه مرة تلو المرة. لكن بالمقابل فإن أفواجاً ممن تنطعوا وتصدروا لمقارعة النظام عبر مؤسسات المعارضة لم يكونوا يوماً على مستوى من الكفاءة لكي يصبحوا أي شيء أفضل من عملاء يخدمون مصالح الدول التي تستعملهم للبحث عن مكاسب لها في وراء ألهاب النار السورية, فهم من هذا الباب ليسوا أقل سوءاً في ميزان الوطنية من بشار الأسد ونظامه الفاسد. لعمري لقد أسكت هؤلاء ألف فارس الخوري, وحيدوا ألف إبراهيم هنانو, وقتلوا ألف يوسف العظمة.
إن النظام السوري ليس خياراً لسوريا وللعالم في وجه الإرهاب وغير خليقٍ به أن يكون. لكن المتطفلين من أصحاب المطامح الأنانية الضيقة, والعابثين عن قصدٍ أو من دون بدماء أبناء سوريا هم المطية المثلى للنظام لدفع العالم دفعاً إلى الاعتراف به من جديد. آن للسوريين أن يدركوا أن ثورتهم التي صارت متاهة من الصراعات الدولية اعتلاها غثاءٌ من الرجال عديمي الوزن والقيمة, وأن إزاحة هؤلاء ومطالبتهم بالتنحي ليس بأقل أهمية من إزاحة النظام ذاته ومطالبته بالتنحي.
سوريا بحاجة إلى زعماء وطنيين, وهؤلاء موجودون ينتظرون منا التفويض والمساندة والإشارة إليهم بالبنان. فلتكن مساندتنا بتنحية من يحجبهم ويحاربهم في المحافل الدولية حتى لا تجد الدول الكبرى من مندوحةٍ عن مد اليد لهم, والتعامل معهم بدل التعامل مع المتنطعين والسفهاء الذين أضاعوا سوريا وفرطوا بالدماء الزكية, بل إن بعضهم تاجر وما يزال بالاثنين معاً.