الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: اللجنة الدستورية محكومة بالفشل

سوريا: اللجنة الدستورية محكومة بالفشل

29.09.2019
سلام السعدي


العرب اللندنية
السبت 28/9/2019
أثار إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تشكيل لجنة دستورية تضمّ ممثلين عن النظام السوري والمعارضة والمجتمع المدني ردودا متفائلة بإمكانية فتح مسار سياسي حقيقي لأول مرة منذ عام 2011. ولكن الحقيقة أن هذه اللجنة الدستورية، التي طال انتظارها، ليست سوى جسم جديد غير متجانس ومن دون صلاحيات، ما يجعلها غير قادرة على قيادة أي تحول سياسي في البلاد مهما تواضع حجمه.
من راقب المشاورات السياسية التي رافقت تشكيل اللجنة الدستورية لابد أن ينتابه التشاؤم بخصوص مستقبلها. إذ جاء أول اتفاق دولي حول ضرورة تشكيل اللجنة الدستورية في يناير من العام الماضي، خلال قمة ما يسمى الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة السياسي (روسيا وتركيا وإيران). أي أن فكرة اللجنة لم تكن خاضعة لضرورة الحل السياسي، بل للتوازنات بين تلك الدول، والتي استقرت في نهاية عام 2017 على شكل من التعاون تدعم خلاله كل من روسيا وإيران تركيا في معاجلة بعض هواجسها الأمنية تجاه القضية الكردية في سوريا مقابل دعم الأخيرة البلدين، ومعهما النظام السوري، في استعادة جميع المناطق الخارجة عن السيطرة.
جاءت اللجنة الدستورية نتيجة تقاسم جزئي للمصالح بين الدول الثلاث، وهو تقاسم مال بشدة نحو الجانبين الإيراني والروسي في ظل استسلام اللاعب التركي، وقصر أهدافه على التصدي للقوات الكردية على حدوده الجنوبية مع سوريا. جعل ذلك من اللجنة الدستورية مجرد غطاء سياسي يعطي الشرعية لتقاسم المصالح من جهة، ويعمل على ترويجه للمجتمع الدولي، أميركا وأوروبا على وجه التحديد، كبديل عن اتفاقيات جنيف التي طالما ركزت على ضرورة حصول “انتقال سياسي” للسلطة من جهة أخرى.
في ذلك الوقت سعت روسيا للحصول على شرعية دولية للجنة الدستورية ولمسار أستانة السياسي وذلك لفتح الباب أمام عمليات إعادة الإعمار. ليس لدى الداعمين الرئيسيين للنظام السوري ما يقدمونه على هذا الصعيد. إذ تعيش كل من روسيا وإيران أزمات اقتصادية حادة منذ عامين، بفعل العقوبات الاقتصادية وتدهور أسعار النفط. أما الصين، العملاق الاقتصادي الداعم السياسي للنظام السوري، فلا تبدو مندفعة للمساهمة في إعادة الإعمار في ظل الغموض الذي يلف مصالحها الاقتصادية في سوريا في ظل هيمنة روسيا وإيران على العقود الاقتصادية الرئيسية في الوقت الحالي.
ويبدو واضحا، من الصراعات والحروب الأهلية خلال العقود الماضية، أن الحجم الأكبر من المساعدات الدولية لإعادة الإعمار يأتي من الولايات المتحدة أولا وأوروبا ثانيا. وتكون تلك المساعدات مشروطة بإجراء تحوّل سياسي يعالج، جزئيا على الأقل، الأسباب التي قادت إلى نشوب الصراع في المقام الأول. إن إعادة الإعمار من منظور غربي هي دعم لعملية معاجلة جذور اندلاع الحرب، والعمل على منع وقوعها مجددا. وهذا ما تدركه روسيا، وهو ما دفعها للعمل على تشكيل لجنة دستورية تشرعن بعض التغييرات السياسية التي تظن أن بالإمكان إجراؤها داخل النظام السياسي السوري بصورة تحافظ على النظام ومصالحها من جهة، وتوسع المشاركة السياسية بصورة مضبوطة من جهة أخرى.
أما السبب الثاني للحماس الروسي للجنة الدستورية فيرتبط بمحاولتها دفع الولايات المتحدة لمغادرة شمال شرق سوريا. فخلال الفترة التي طرحت فيها فكرة اللجنة كان البيت الأبيض يتعامل مع الوجود الأميركي باعتباره مؤقتا. في وقت لاحق أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أمر بسحب القوات الأميركية بالفعل. اعتقدت روسيا أن تسريع مسار أستانة السياسي وإعطاءه الشرعية الدولية عبر اللجنة الدستورية ربما يشجع الولايات المتحدة على تسريع انسحابها.
ولكن التطورات على الأرض لم تسر بصورة تساعد في تأسيس اللجنة الدستورية وتحقق الأهداف المرتبطة بها من منظور روسي. إذ استقرت موازين القوى داخل المؤسسات الأميركية، البيت الأبيض والاستخبارات والدفاع، على ضرورة إبقاء وتوسيع التواجد العسكري الأميركي. كما واصلت الدول الغربية تشددها بخصوص إعادة الإعمار.
هكذا، لم نشاهد اهتماما روسيا خاصا بتسريع تشكيل اللجنة الدستورية، وهو ما انعكس بطول مدى المشاورات التي استمرت نحو عام ونصف. من هنا يجد المشككون بأهمية اللجنة الكثير من المنطق، فإذ كان تشكيل اللجنة الدستورية والاتفاق على أعضائها، رغم كونها من دون صلاحيات، تطلّب عاما ونصف، فكيف الحال بالاتفاق على مواد دستورية محددة، وخصوصا تلك التي تقترح تغييرا جوهريا في شكل النظام السياسي.
أغلب الظن أن تتعثر أعمال اللجنة وتصل إلى طريق مسدود عند أول عقبة جدية أو خلاف حقيقي. ذلك أن اللجنة بتركيبتها الحالية وفقدانها للصلاحيات وخضوعها للتوازنات الإقليمية والدولية، لم توجد من أجل تشكيل دستور جديد يكون الأساس لتحوّل سياسي ذي معنى، وإنما لترحيل الخلافات وللتغطية على غياب الاتفاق الإقليمي والدولي حول مستقبل النظام السياسي في سوريا.