الرئيسة \  واحة اللقاء  \  “سوريا الأسد” تتحول إلى أكبر مُصدِّرِ عالمي للكبتاغون

“سوريا الأسد” تتحول إلى أكبر مُصدِّرِ عالمي للكبتاغون

08.07.2019
نبراس إبراهيم


جيرون
الاحد 7/7/2019
خلال ثماني سنوات من الحرب، دخلت سورية سجلات الأرقام القياسية من أوسع أبوابها، في عدد اللاجئين وعدد القتلى والمشردين والمعتقلين والمعاقين والمنقطعين عن الدراسة والأيتام ومستوى الدمار، وها هي الآن تسجل رقمًا قياسيًا جديدًا وعالميًا، في عالم المخدرات أيضًا، فقد استولت السلطات اليونانية على أكبر شحنة من الحبوب المخدرة المعروفة باسم (كبتاغون) تبلغ قيمتها أكثر من نصف مليار يورو، شُحنت من سورية.
صرّحت السلطات اليونانية بأن خفر السواحل وضباط إنفاذ قوانين المخدرات قاموا بمصادرة ثلاث حاويات مليئة بالأمفيتامينات، بما يعادل 5.25 طن من الدواء – 33 مليون قرص كبتاغون، تم شحنها من سورية. ووصفت وحدة الجرائم اليونانية شحنةَ المخدرات هذه، بأنها “أكبر كمية تم ضبطها على الإطلاق على الصعيد العالمي، مما يحرم الجريمة المنظمة من العائدات التي كان من الممكن أن تتجاوز 660 مليون دولار (587.45 مليون يورو)”. والكبتاغون هو مركب دوائي منشط للجهاز العصبي المركزي، كان يوصف لعلاج الاكتئاب، وتمّ حظره في الثمانينيات، لكون خصائص الإدمان فيه تفوق الفوائد الطبية.
حوّلت الحرب السورية المستمرة منذ ثماني سنوات، سورية من ممرّ للمخدرات إلى بلد مستهلك لها، ثم إلى بلد مُصدر لها من الطراز الأول، والشرائح المُستهلكة لهذه المادة محليًا هي المقاتلون والميليشيات وشريحة الشباب من الجنسين، إضافة إلى الراشدين الذين يتعرضون لضغوط الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، فيما يصفه المراقبون بأنه واحد من أخطر النتائج التي أفرزتها الحرب، على الصعيد الاجتماعي.
كمية المخدرات التي يتم كشفها ومصادرتها، وهي في طريقها إلى الأسواق المحلية، كبيرة جدًا بالمقاييس السورية السابقة، وقد تم مصادرة مئات الكيلوغرامات في طريقها إلى الأسواق، بعد أن كانت سورية في السابق ممرًا لها فقط، وتمت مصادرة الملايين من حبوب (الكبتاغون) المخدرة أيضًا.
الكميات التي لا تستطيع السلطات كشفها هي أكبر بمئات الأضعاف من تلك التي يتم كشفها، ولا تستطيع السلطات الحكومية (الشرطة) التدخل في غالبية الحالات، لكون المجموعات التي تقوم بهذه التجارة هي مجموعات مسلّحة “مسؤولة عن حفظ الأمن” في مناطق هذه التجارة، ولا تستطيع وحدات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية التدخل، لأن سلطة تلك المجموعات أكبر من سلطة الشرطة التقليدية.
هذه الظاهرة ليست جديدة في سورية، وكان معروفًا أن سورية بلد عبور، حيث يتم تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج عبر سورية، مع بعض الاستهلاك المحلي الذي لا يُعدّ ظاهرة.
لا حاجة إلى السؤال عمّن يُروّج المخدرات في سورية، ولا كيف ولا لماذا، فسورية جارة للبنان ولبعلبك ومزارعها خصوصًا، ولا تقتصر المافيات على أداء دورها التخريبي، بل تنظر دائمًا إلى سورية ولبنان على أنها مصدر أموال يجب استغلاله بأي طريقة غير قانونية، في بلدين يشهدان انفلاتًا قانونيًا وأمنيًا، ومحسوبيات وميليشيات ومناطق نفوذ لأمراء حرب.
كذلك لا حاجة للسؤال عمّن يُصدّر المخدرات، فكل المنافذ الرسمية المطلة على البحر بيد السلطات السورية، وكذلك تلك المعابر التي تصل الأردن بالخليج العربي، وهي المعابر التي تخرج منها شحنات المخدرات إلى التهريب نحو العالم الخارجي، بينما لم تكن الحدود الشمالية والشرقية (التي تُسيطر عليها جهات محلية وإقليمية عدة) طريقَ تهريب وتسويق لهذه المواد الخطرة والممنوعة، ولا يمكن للسوريين أن ينسوا أن بعض المقربين من النظام السوري لديهم موانئ صغيرة منتشرة على طول الساحل السوري، كانت تُستخدم سابقًا لتهريب كل شي بعيدًا من أعين السلطات الحكومية.
أما المتعاطون فقد بدا أنهم منقسمون -من حيث الشرائح الاجتماعية والاقتصادية- إلى شريحتين: الأولى شريحة الأغنياء خاصة من أبناء محدثي النعمة التي فاضت الأموال بين أيديهم عن احتياجاتهم ولا يدرون ماذا يفعلون بها، والثانية هي شريحة الفئة المُعدمة التي سُدّت أمامها الأعمال، فهربت إلى المخدرات بسحرها الآني لتحل لها مشاكلها، وتجعلها تتغلب على قساوة الواقع.
معرفة المناطق التي تنتشر فيها هذه المادة ونوعية التجار الذين يروجون لها، تشير إلى أنها تأتي من لبنان بشكل أساسي، وهي تستقر في مناطق يسيطر عليها “حزب الله”، وبعضها يمر عبر مناطق تسيطر عليها ميليشيات النظام، وسابقًا بعض فصائل المعارضة، لتصل إلى المستهلك النهائي.
هناك أنواع غالية جدًا وأخرى رخيصة، وهذه الأخيرة تتسبب في مشكلات صحية واجتماعية أكبر، وتتعاطاها شرائح من الطبقات الفقيرة، وتؤمن عائدات هائلة للمستورد الأساسي وللباعة الفرعيين، وللكثير من الحواجز والنقاط العسكرية التي تمر عبرها.
نشر “حزب الله” زراعة الحشيش وصناعة حبوب الكبتاغون في المناطق الخاضعة لسيطرته في سورية، مثل منطقة القلمون الغربي ووادي بردى وريف حمص وتل كلخ، وصارت هذه المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية امتدادًا جغرافيًا لمناطق إنتاج المخدرات في لبنان، مثل عكار والعريضة، وضبطت مديريات جمارك السعودية والأردن وقبرص واليونان عشرات الملايين من حبوب الكبتاغون المُعدّة للتهريب من لبنان عبر سورية، والتي باتت تُهرّب من سورية مباشرة، بعدما حوّل الحزب سورية إلى بؤرة دولية لتجارته غير المشروعة.
وأحبطت الجمارك الأردنية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، محاولة تهريب أربعة ملايين حبة مخدر من معبر نصيب، أُخفيت داخل ألواح شوكولا، كذلك ضبط خفر السواحل اليوناني في كانون الأول/ ديسمبر 2018 سفينة شحن في البحر المتوسط ترفع علم سورية، تحمل أكثر من 6 أطنان من الحشيشة ونحو 3 ملايين حبة كبتاغون متجهة إلى بنغازي في ليبيا، كما ضبطت الجمارك السعودية نهاية العام الماضي 25 مليون حبة كبتاغون قادمة من سورية، ونجحت عشرات الشحنات بالعبور دون أن تكشفها سلطات تلك الدول وغيرها.
شكّلت تجارة المخدرات موردًا ماليًا مهمًا لـ “حزب الله” اللبناني، وباتت واردات زراعة وتجارة الحشيش والمخدرات تعادل نحو 70 بالمئة من إيرادات الحزب المالية، ومنها يُموّل ميليشياته المنفلتة في المنطقة، بعد أن قننت إيران الدعم المالي للحزب نتيجة أزمتها الاقتصادية.
وألقت الولايات المتحدة القبض على عدة خلايا تابعة لـ “حزب لله” اللبناني، تتعامل بتجارة المخدرات الدولية لتأمين عائدات مالية للحزب الذي يموّل بها عمليات تسلحه وقتاله في سورية التي أرسل إليها آلاف المقاتلين لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
حاول مسؤولون عن ميليشيات تابعة لـ “حزب الله” والنظام، إغراق سورية بالحشيش والحبوب المخدرة، ووجدوا من يُعاونهم من بعض الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة، حيث المكاسب المالية كبيرة جدًا تُغري لإجراء اتفاقيات مصالحة وهدنة، لتحويل العمل العسكري ضد النظام إلى تجارة ممنوعات رابحة جدًا، وحاول بعض المقاتلين تبرير الأمر بانقطاع المساعدات المالية لهم؛ ما دفعهم إلى التورط في العمل بهذه التجارة لتأمين الذخائر واحتياجات المقاتلين.
بعد السنة الثانية من الحرب، انفلتت غالبية الحدود السورية، سواء مع العراق أو تركيا أو الأردن، فيما سيطرت ميليشيات “حزب الله” اللبناني على طول الحدود بين سورية ولبنان، وما زالت السلطات السورية تُصرّ على أن شبكات تهريب المخدرات التي يتم القبض عليها تقوم بتهريب المخدرات على أنواعها، من لبنان وتركيا إلى دول الخليج، عبر وسطاء وشركاء، وهو ما لا يعفي السلطات السورية مما وصلت إليه الحال الآن.