الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: أسئلة لما بعد السقوط

سوريا: أسئلة لما بعد السقوط

14.06.2020
رياض معسعس



القدس العربي
السبت 13/6/2020
تزداد مؤشرات بشائر سقوط نظام الأسد بعد خمسين سنة عجفاء من حكم الوالد والولد، وعشرين سنة من حكم الولد (17. 07. 2000).
عودة المظاهرات المناهضة للنظام، هبوط سعر الليرة بشكل متسارع، بداية صراع مفتوح بعد انقسام الطائفة العلوية بين مؤيد لآل الأسد، ومؤيد لآل مخلوف، مراجعة حسابات الدول الراعية للنظام: روسيا، إيران. البدء بتطبيق قانون قيصر والذي سيكون ضربة قوية للاقتصاد السوري المنهار من أصله..
 
طريقة الإخراج
 
سقوط النظام بات ضرورة ملحة لأكثر من طرف. الانتظار والاختلاف يبقى في طريقة الإخراج، والتحضير للبديل. وهنا تكمن الأسئلة التي لا بد من طرحها: هل سيخرج الحكم من أيدي آل الأسد لأيدي آل مخلوف، أم سيخرج نهائيا من الطائفة العلوية؟ وفي هذه الحال ماذا سيحل بالعلويين؟
هل سينادون بدويلة علوية في الساحل تذكرنا بالتقسيم الفرنسي، والدويلة العلوية التي كانت قائمة في عهد الانتداب (1922ـ1936)، خوفا من المحاسبة والعودة مجددا للانضواء تحت حكم الأكثرية السنية؟
وماذا سيحل بالدول المنخرطة في المعضلة السورية والمتواجدة في الأراضي السورية في حال السقوط؟ هل ستتنازع النفوذ في سوريا وتبدأ مرحلة جديدة من الصراع على سوريا؟
وما هو دور المعارضة السورية المهلهلة والتي لا يحسب لها أحد حساباً، هل ستشارك في عملية التغيير؟ أم أننا سنعود إلى متاهات المنصات: (منصة القاهرة، منصة موسكو، منصة الرياض، منصة إسطنبول..).
وما هو دور إسرائيل وموقفها هل ستستمر في ضرب أهداف إيرانية، ومراكز حزب الله في حال استمر تواجدهما على الأراضي السورية؟ وما هو دور الأمم المتحدة وقرارات جنيف هل سيتم العودة إليها واعتمادها وخاصة قرار مجلس الامن رقم 2254؟
وماذا سيحل بالميليشيات الأجنبية التي جلبتها روسيا وإيران (الأرقام تشير إلى أكثر من مئة ألف مقاتل من ميليشيات مختلفة متواجدة على الأراضي السورية). وما هو موقف الكرد المتحالفين مع أمريكا ويسيطرون على ربع مساحة سوريا؟
وماذا عن اللاجئين السوريين وخاصة في لبنان والأردن وتركيا كيف ستتم إعادتهم إلى ديارهم المدمرة ومن سيتحمل التكاليف؟ ومن سيدفع فاتورة إعادة الإعمار؟
وأخيرا وليس آخرا ماذا سيحل بعائلة الأسد، وكل من تلوثت أيديهم بالدماء، هل سيتحصنون في القرداحة أم سيحاكمون، أم سيبحثون عن ملاذ آمن كلاجئين (خمس نجوم) في بلاد كانت تدعمهم (روسيا، إيران، الصين، كوريا الشمالية، فنزويلا..).
مجموع هذه الأسئلة يظهر بوضوح مدى فداحة وتعقيد المعضلة السورية وتشابك خيوطها، فلكل دولة، وكل طرف في النزاع له مصالحه الخاصة التي لا تتوافق بالضرورة مع مصالح الآخرين، فتضارب المصالح يجعل الحل في سوريا أكثر تعقيدا وصعوبة أيضا.
 
الحلقة الأضعف
 
فالوضع الحالي يشير إلى أن الحلقة الأضعف اليوم والتي يراد التخلص منها هو الوجود الإيراني فهو ليس مرغوبا فيه (إسرائيليا، أمريكيا، وحتى روسيا)، وتزداد صعوبات الحفاظ على وجوده بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في إيران، وعدم تمكنه من ضخ كل التكاليف الباهظة الضرورية لاستمرار هذا الوجود، واليوم تجد القيادة الإيرانية نفسها في مأزق كبير يحتم عليها اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة ولكنها بحكم المؤجلة في الوقت الراهن فهي فالبقاء مر، والانسحاب أكثر مرارة.
أما روسيا التي باتت اللاعب الرئيسي على الساحة السورية وهي التي تحرك أكثر الخيوط يقع عليها العبء الأكبر في إيجاد المخارج لسقوط النظام بأقل الخسائر الممكنة، وأكثر الضمانات لوجودها والحفاظ على قواعدها البحرية والبرية ونفوذها السياسي، دون التورط بتكاليف باهظة لإعادة الإعمار التي تعتمد فيها سياسة جر الاتحاد الأوربي لتحملها.
أما إسرائيل فأمنيتها بالطبع أن تنسحب إيران من الأراضي السورية، وأن يتم تقسيم سوريا لتصبح دويلات تدور في فلكها ( دويلة كردية، دويلة علوية، دويلة سنية، ولما لا دويلة درزية أيضا)، فبهذا التقسيم تنام قريرة العين هانيها من الجانب السوري، ويمكنها التحكم بها والسيطرة عليها. أمريكا من جانبها تريد السيطرة على النفط، وإبقاء دعمها للكرد السوريين (قوات حماية الشعب، قسد)، والاحتفاظ بقواعدها العسكرية في منطقة الجزيرة السورية (خاصة وأن العراقيين يطالبونها بالانسحاب من العراق).
وتبقى تركيا التي عززت وجودها العسكري في منطقة إدلب المحررة فإنها تؤكد عدم رغبتها بالانسحاب قبل أن ينسحب الآخرون، وبما أن الآخرين لا يبدون أي استعجال في الانسحاب فهي أيضا لن تنسحب من الأراضي السورية، وكما يقول المثل الفرنسي، "كل مؤقت يدوم". المشهد السوري يبدو قاتما ومرشحا لتصعيدات جديدة قبل رصاصة الرحمة، خاصة وأن السوريين باتوا مهددين بالمجاعة، وحتى الموالين بدأوا يشعرون أن دعم نظام مهترئ وعلى وشك السقوط لم يعد مجديا، وعليهم القفز في اليم قبل غرق المركب.