الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوتشي: قمة لإنقاذ مسار أستانة

سوتشي: قمة لإنقاذ مسار أستانة

18.02.2019
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 17/2/2019
يَظهَر في بيان قمّة سوتشي، المنعقدة الخميس الماضي ضمن سلسلة اجتماعات أستانة للدول الضامنة الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، أن لا جديد على صعيد حلّ الملفّات العالقة في سوريا، سواء ما يتعلق بملفّ إدلب وحل المعضلة الجهادية، أو ملف المنطقة الأمنية شمال شرق سوريا، أو ملف منبج، ولا بخصوص ملفي عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، ولا حتى ملف اللجنة الدستورية المختلف على تسمية أعضائها منذ أكثر من عام، والتي لم تتحدد بعد مهامها وغايتها، في ضوء غياب أي أفق جدّي للحلّ السياسي.
ما تقرّر في قمة سوتشي هو فقط التأكيد على استمرار اتفاقات خفض التصعيد المتفق عليها ضمن سلسلة اجتماعات أستانة، وهو ما صرّح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب القمة بالقول “حافظنا على روح أستانة رغم كافة المشاكل”، فيما غيّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد القمة، من لهجته التصعيدية قبلها، بالقول إنه “لا يوجد حديث عن عمليّة عسكرية في إدلب”، بعد أن سَمح للنظام بقصف بلدات ريف إدلب الشرقي والجنوبي قبل القمة بيومين، وتوافقت تصريحاته مع روحاني حول إنهاء الوجود الإرهابي، وتسليم كل الأراضي السورية إلى “السلطات الشرعية”، في خطوة من أجل ابتزاز حليفه التركي، وفرملة طموحه في الحصول على اتفاق حول منبج أو المنطقة الأمنية، وفق الرغبة التركية، أي بتواجد تركي بعمق 30 كيلومترا وطول 470 كيلومترا على الحدود مع سوريا.
ضُربت مواعيد لقمة جديدة، بعد شهر ونصف، في تركيا أو في العاصمة الكازاخية؛ ولا يمكن توقع جديد من هذه القمم، سوى التأكيد على استمرار اتفاقات التهدئة في الأراضي السورية. فموسكو أقامت تحالف الدول الضامنة لإعادة سيطرة النظام على مناطق المعارضة، عبر مقايضات مع تركيا المشغولة بهمّ أمنها القومي لحماية حدودها من خطر هجمات “وحدات حماية الشعب” الكردية و”حزب العمال”، واضطرت إلى إشراك طهران، رغم تباين الأجندات، والتنافس على المصالح الاقتصادية، بسبب قوة حضورها الميداني ضمن جيش النظام وميليشياته، وتوغلها الاستخباراتي ضمن مراكز القرار السياسي للنظام السوري.
يدرك بوتين أن لا إمكانية لإحراز تقدّم ملموس في الملفات العالقة في سوريا، بوجود إيران، مع الرفض الأميركي والعربي والإسرائيلي لتوسّعها في الشرق الأوسط، خاصة أن قمة سوتشي ترافقت مع انعقاد مؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط، والذي تعمل فيه الولايات المتحدة على تشكيل حلف ضد إيران بإشراك كل من إسرائيل، ودول عربية رافضة للهيمنة الشيعية على المنطقة.
وليس بوسع روسيا شطب إيران من المشهد السوري، رغم رغبتها في الهيمنة منفردة على القرار السوري، ورغم قناعتها كذلك بأن لا إمكانية لإشراكها في الحل السياسي، أو المضي في إعادة الإعمار بوجودها، بسبب الرفض الأميركي والإسرائيلي والعربي لها.
ورغم بعض المناوشات الدامية التي حصلت الشهر الماضي في سهل الغاب وفي درعا، ضمن جيش النظام وميليشياته بين فرق محسوبة على إيران وأخرى على روسيا، إلا أن موسكو لا ترغب في صدام مسلح مع إيران، وهي تعتمد على عامل الزمن للحد من التواجد الإيراني في سوريا بالفعل، إرضاء لشركائها في تقرير مصير سوريا، وفي إعادة الإعمار؛ وذلك عبر أمرين:
الأول مساعيها لتعزيز الفيلق الخامس والفرق الخاضعة لها في جيش النظام، عبر اعتمادها خصوصا على عناصر المصالحة في مناطق المعارضة، وعلى ميليشيا النمر وقدرتها على الحشد، واعتمادها في ذلك على العامل المذهبي ضمن الطائفة العلوية. وذلك بالتوازي مع الحدّ من قدرة النظام على رفد الفرق الموالية لإيران، حيث أجبرت روسيا النظام على تسريح وإعفاء الشبان الذين تتجاوز أعمارهم 38 عاما.
وثانيا عبر سماح موسكو لإسرائيل باستكمال ضرباتها ضدّ المواقع الإيرانية في سوريا، بتنسيق أعلى مما كان عليه بالتأكيد، خوفا من تكرار أخطاء من قبيل ما حدث في خريف العام الماضي، حول إسقاط دفاعات النظام للطائرة الروسية إيل 20 بالخطأ، أثناء محاولتها صدّ الهجمات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في اللاذقية.
أما إيران فتجاهد للبقاء في سوريا، وتفرض وجودها على التحالف الروسي التركي المتين، لكن دون أن تمتلك القدرة على فرض أجندتها على هذا التحالف، حول منع الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقعها في سوريا. وأنقرة هي الأخرى عجزت عن انتزاع اتفاق يرضيها حول المنطقة الأمنية شمالا، أو حول منبج، لكنها تمكّنت من الحفاظ على اتفاق المنطقة العازلة في إدلب، والذي عقد في سبتمبر الماضي، رغم الرغبة الروسية الإيرانية في سيطرة النظام عليها؛ ويدعمها في ذلك موقف أوروبي رافض لحدوث كارثة إنسانية وموجات نزوح جديدة، وموقف أميركي رافض للتوغل الإيراني في إدلب، ولاستفراد روسيا بسوريا دون حل سياسي يراعي الشرط الأميركي.
فيما تراهن أنقرة على محاولات هيئة تحرير الشام تغيير حلّتها، بعد تخليها “شكليّا” عن العقلية الجهادية، حيث أزالت اللافتات في الشوارع والتي تدعو إلى الجهاد وحجاب المرأة ومحاربة الشيعة، ودخلت في حرب الفتاوى الدينية مع تنظيمي حراس الدين وحزب التركستاني الإسلامي المتشددين، ومع المتشددين والأجانب ضمنها، حيث تشهد مؤخرا انشقاقات لكبار منظريها الجهاديين؛ وبموازاة ذلك تسعى حكومة “الإنقاذ” التابعة لها إلى إظهار وجه مدني للهيئة، وهناك أحاديث عن صفقات لها مع تركيا لاستجرار الطاقة الكهربائية إلى إدلب، وإنشاء مراكز لمؤسسة البريد التركية.
وأخيرا، فإن كلّ خيوط الملفات العالقة في سوريا بيد واشنطن؛ ورغم أنها قررت الانسحاب من سوريا قريبا، وهي تقرّ بالسيطرة الروسية على سوريا، إلا أنها في نفس الوقت تعرقل المساعي الروسية للتفرّد بتقرير مصير سوريا، وهي ما زالت تشترط على موسكو، لتحقيق تقدم ملموس في الحل السياسي، إنهاء الوجود الإيراني، وإجراء تغيير سياسي حقيقي وفق مسار جنيف والقرار 2254. وتحشد لذلك حلفا ضد إيران، يضم دولا عربية، فشلت روسيا في إقناعها بإعادة التطبيع مع النظام، هذا إضافة إلى قانون “قيصر” الذي تُعِدّ واشنطن لاستصداره، في خطوة ستحاصر المساعي الروسية لجذب الأموال العربية – الأوروبية لإعادة الإعمار، مع بقاء نظام الأسد.