الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "سوتشي" تُشيّع "أستانا"

"سوتشي" تُشيّع "أستانا"

04.08.2018
يونس السيد


الخليج
الخميس 2/8/2018
كل شيء كان جاهزاً لإجراء مراسم دفن محادثات "أستانا"، واللجوء إلى "سوتشي" بدلاً عنها؛ إذ إن المسرح بات مهيئاً لذلك، سواء بالنسبة للتطورات الميدانية، التي قلبت الأوضاع رأساً على عقب، أو على صعيد المُتغيرات الدولية؛ بعد "قمة هلسنكي"، والتقارب الروسي الفرنسي، وباستثناء بقاء الرعاة أنفسهم مع تغير الأولويات، فإنه لم يعد يفصلنا عن نعي محادثات "أستانا" سوى إعلان شهادة الوفاة.
صحيح أن "سوتشي" استضافت العديد من اللقاءات المهمة، بما في ذلك "مؤتمر الحوار السوري"؛ لكنها أُعدت، على ما يبدو؛ لتكون بديلاً عن "أستانا وجنيف" بما يتناسب مع الدور الروسي، ويواكب التطورات الجارية.
ففي الميدان، انقلبت المعطيات؛ بعدما تمكنت قوات النظام من استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية والجنوب السوري، ولم يعد ثمة حاجة للحديث عن مناطق "خفض التوتر"، ورفع الحصار عن المدن والبلدات، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، ولم يتبق من مناطق "خفض التوتر" سوى إدلب، التي تخضع الآن لحسابات مختلفة، ما يعني أن هناك حاجة لرسم خرائط جديدة لهذه المناطق، سواء في إدلب؛ حيث يهدد النظام باستعادتها بالقوة، وكل المؤشرات تتجه نحو الحسم العسكري؛ بعدما رفضت روسيا ما يُسمى ب "الورقة البيضاء" التركية، وما حملته من مقترحات؛ تقضي بإخراج "جبهة النصرة" من المنطقة (غالباً إلى تركيا)، ونزع أسلحة الفصائل الثقيلة، وإبقاء الفصائل الأخرى ومجالسها المحلية، مقابل عدم تقدم النظام.
وهناك أيضاً الترتيبات المتعلقة بالجنوب السوري، وإبعاد القوات والميليشيات الموالية لإيران عن الحدود مع الجولان المحتل؛ وهو أمر ما زال مرفوضاً من "إسرائيل"، التي تُطالب بإخراج إيران من كل سوريا، كما أن إبعاد الميليشيات الطائفية والقوى الإرهابية عن الحدود الأردنية، مطلب قديم لعمّان؛ لضمان أمن الأردن. هذه القضايا تطرح، بلا شك، أسئلة كثيرة؛ حول إمكانية بقاء التماسك بين الدول الراعية (روسيا، إيران وتركيا)، وما إذا كانت القضايا الشائكة ستحل في إطار "أستانا - سوتشي" كما تطالب تركيا أو ضمن تحالف "موسكو، طهران، دمشق"، كما ترغب روسيا، ومعها النظام السوري.
علاوة على ذلك، فالأولويات نفسها تبدلت؛ إذ تراجعت مطالب المعارضة بشأن إطلاق المعتقلين، وتشكيل لجنة دستورية، وإطلاق المسار السياسي؛ وهي مطالب يشاركها فيها المبعوث الأممي دي ميستورا، لمصلحة خطط موسكو بإعادة اللاجئين، وإعادة الإعمار، ورفع العقوبات عن سوريا؛ وذلك استناداً إلى التفاهمات، التي حدثت في قمة ترامب - بوتين في هلسنكي، والتقارب بين ماكرون وبوتين، واستعداد فرنسا للتعاون مع روسيا في مجال إعادة اللاجئين والمساعدات الإنسانية؛ لكن يبقى السؤال قائماً حول ما إذا كانت "سوتشي" ستصبح أيضاً بديلاً عن "محادثات جنيف" برعاية الأمم المتحدة؛ ما يعني إطلاق يد روسيا منفردة في الشأن السوري، أو على الأقل، أن تحصل على الثقل الأساسي في تقرير أي تسوية للنزاع السوري مستقبلاً.