الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوتشي: بداية الحل السوري.. بلا إيران

سوتشي: بداية الحل السوري.. بلا إيران

24.09.2018
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 23/9/2018
جاء الاتفاق حول إدلب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة جمعتهما في مدينة سوتشي في 17 سبتمبر 2018، كخطوة رئيسية هدأت من الجدل الدائر حول هجوم عسكري قريب على إدلب.
وفق الاتفاق المؤقّت، ستظل إدلب إقليما يضمّ معارضين للنظام السوري، لكنهم بعيدون عن سيطرته الأمنية. وستكون تحت وصاية تركيا وإن كانت مؤسسات النظام الخدمية ستدخلها.
يقضي الاتفاق بأن تعمل تركيا على تحصين نقاط مراقبتها الـ12، وتؤمن، برفقة روسيا، منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-12 كيلومترا، وتتولى مهمة سحب السلاح الثقيل منها وحلّ مسألة الجهاديين خلال ثلاثة أسابيع، وتسيير دوريات روسية – تركية فيها لضمان حركة المدنيين والتجارة، وفتح طريقي حماة – حلب واللاذقية – حلب الدوليين قبل نهاية العام.
لكن أكثر ما في قمة سوتشي حزما وحسما، هو إبعاد إيران عن الاتفاق، وذلك بعد أقل من أسبوعين على القمة الثلاثية في طهران، والتي كانت نتيجتها صفرية.
الحل في إدلب، وفق اتفاق سوتشي، يعني قبول موسكو بالعودة إلى المسار السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة، وتشكيل لجنة دستورية مثالثة بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وفق ما يطرح المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان ديمستورا.
حاولت روسيا حرف مسار جنيف، بإقحام اتفاقات خفض التصعيد في أستانة، ثم استعادة المناطق تباعا بالمصالحات، بعد القصف الجوي العنيف لها؛ وذلك لفرض حلّ يحقق مصالحها، والتي ربطتها ببقاء نظام بشار الأسد. كانت موسكو تعتقد أنها ستنفرد بتقرير مصير سوريا، في ظل تصريحات واشنطن عن نيتها الانسحاب من شرق الفرات.
تغيّر الموقف الأميركي نحو البقاء في سوريا، ثم نحو رفع سقف الخطوط الحمراء من عدم السماح باستخدام السلاح الكيميائي من قبل النظام، إلى منع حصول مجازر وتهجير في إدلب؛ كل ذلك عطّل على موسكو إمكانية فرض حل لا توافق عليه واشنطن وحلفها الأوروبي – العربي.
قمة ترامب – بوتين في هلسنكي، التي عُقدت في يوليو الماضي، أنتجت وفق أغلب التحليلات اتفاقا أميركيا- روسيا على إخراج إيران من سوريا.
تلكّأت روسيا في تنفيذ الاتفاق، واكتفت بإبعاد إيران عن خط فصل القوات بين سوريا وإسرائيل حتى عمق 85 كيلومترا، وفق اتفاق الجنوب السوري؛ حيث كانت روسيا لا تزال بحاجة إلى التواجد الميداني الإيراني في تحضيرها لمعركة إدلب.
روسيا مستعجلة على إعادة الإعمار في سوريا، وعلى استخراج النفط والغاز الموجودين قبالة السواحل السورية، وعلى عقود استخراج الفوسفات من مناجم شرقي حمص، لذلك هي لن تقف عائقا في وجه تلبية الرغبات الأميركية الأوروبية في ما يتعلق بسوريا، بعد أن أدركت أن لا مناص من ذلك.
الاتفاق التركي الروسي في سوتشي حول إدلب يعطي أنقرة نفوذا داخل إدلب لضمان مصالحها في ما يتعلق بحماية أمنها القومي من الخطر الكردي. لكنه يعني أيضا إنهاء أي تواجد مسلح للمعارضة على الأرض السورية، بعد الانتهاء من مشكلة الجهاديين، وسحب السلاح الثقيل من الفصائل المعتدلة، وإخضاع عناصرها بالكامل لتركيا؛ وهذا يعني انتفاء حاجة موسكو إلى طهران، وبالتالي قبولها بالتخلي عنها، وبإخراجها من اللعبة السياسية السورية كليا.
بالأصل روسيا سمحت لإسرائيل مرارا بقصف المواقع الإيرانية في سوريا. وإسرائيل لا تتهاون في مسألة الوجود الإيراني العسكري في سوريا، لذلك كثّفت قصفها لتعطيل اتفاقية كان ينوي النظام السوري توقيعها مع إيران، وقامت مباشرة بعد قمة طهران باستهداف مواقع لإيران في مطار دمشق الدولي، ثم استهداف نقاط إيرانية بالقرب من قاعدة حميميم، بعد قمة سوتشي الأخيرة، وما رافق ذلك من حادثة إسقاط طائرة إيل 20 الروسية قبالة السواحل السورية على يد الدفاعات الجوية السورية بالخطأ، وفق التحليلات الأولية لملابسات الحادثة.
استغلت روسيا الحادثة الأخيرة بإلقاء اللّوم على إسرائيل، قبل ظهور نتائج التحقيقات، وربما تقوم بإجراء عقابي ما لم يثبت تورط الأطراف السورية والإيرانية عن قصد في الحادثة. لكن من غير المتوقع أن يصل الأمر بروسيا إلى منع إسرائيل من معاودة قصف المواقع التي تخصّ إيران وحزب الله.
روسيا متضايقة من التوغل الإيراني ضمن الأجهزة الأمنية السورية، ومتضايقة من استغلال النظام للمساحة التي تسمح بها المنافسة بين إيران وروسيا في السيطرة على دوائر القرار للنظام السوري. ومن الواضح أن إيران هي الأكثر توغلا في تلك الدوائر، حيث روسيا عملت منذ تدخلها العسكري في سوريا أواخر 2015 على تشكيل جيش مواز، موال لها، من الفيلق الخامس وقوات النمر، ولاحقا من فصائل المصالحة، لكنها فشلت في السيطرة على مراكز القرار كليا، ولا تزال تعمل بطريقة فرض الضغوط سواء على النظام أو إيران.
بعد اتفاق سوتشي، يتلمّس الأسد بدوره، تهديدا لصلاحياته المطلقة التي يضمنها له الدستور الحالي، ولاستمراره في الحكم فترة أطول، حيث أن تسريبات الورقة الأميركية – البريطانية- الفرنسية- الألمانية- السعودية- الأردنية- المصرية توصي باستبعاد أي علاقة بين إيران ونظام الحكم المستقبلي في سوريا، وبتشكيل اللجنة الدستورية عبر الأمم المتحدة.
هذا يعني أننا أمام خضوع روسي للحل الأميركي للأزمة السورية، والتي تتضمن تقليص صلاحيات الرئيس، قبل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وبالتالي هو مقدمة لمراجعة الموقف من بقاء النظام السوري. هنا يتشارك الأسد وإيران وحدة المصير؛ وقيام إيران مؤخرا بإنعاش جثة حزب البعث في انتخابات الإدارات المحلية يقول بذلك.
يبقى التحدي الأكبر أمام روسيا هو حول قدرتها على النجاح في ضمان مصالحها، بالحل السياسي المشترك مع الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، وتركيا التي تكفل الجانب المعارض، خاصّة في ما يتعلق بتحصيل غلّة التدخل العسكري الروسي في سوريا بعد أن بنت كلّ رهاناتها عبر مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، على وهم قدرتها على إعادة إنتاج النظام.
وتبقى إيران، المرفوض تواجدها في سوريا دوليا وعربيا، والتي أنفقت الكثير من المال والمقاتلين في سوريا، الخاسر الأكبر، في سوريا ولبنان أيضا، ضمن معادلتي الصراع والتفاهمات الإقليمية والدولية على سوريا.