الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سنة القرار العربي الجريء... رغم الكوارث 

سنة القرار العربي الجريء... رغم الكوارث 

24.12.2020
خيرالله خيرالله
المستقبل


النهار العربي 
الاربعاء 23/12/2020 
كانت السنة 2020 سنة كل الكوارث التي تسببت بها عوامل عدّة بينها وباء كورونا (كوفيد – 19). لكنها كانت أيضاً سنة القرار العربي الجريء في الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا. لعلّ أهمّ ما خلفته تلك السنة هو التخلّص من عقد كثيرة تحكّمت بالسياسات العربيّة طويلاً وحالت دون تسمية الأشياء باسمائها بعيداً من أي نوع من المواربة. 
في مرحلة معيّنة، لم يستطع أي زعيم عربي السؤال ماذا تفعلون بلبنان عندما وجد نفسه مجبراً على توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969. عاد هذا الاتفاق، الذي رعاه، الضابط الآتي من الريف، جمال عبد الناصر بالويلات على لبنان وعلى الفلسطينيين انفسهم. فوّت هؤلاء فرصاً كثيرة في سبعينات القرن الماضي بعدما اعتقدوا أن لبنان صار رهينة لديهم وان في استطاعتهم قبض ثمن سياسي في مقابل الإفراج عن هذه الرهينة. 
مارس الفلسطينيون، من حيث لا يدرون، لعبة حافظ الأسد الذي تفرّد بحكم سوريا ابتداء من خريف العام 1970 وعرف كيف يستخدم الفصائل الفلسطينية كلّها في خدمة مشروع وضع اليد على لبنان، من جهة، وعلى الورقة الفلسطينية من جهة أخرى. أغرق الفلسطينيون أنفسهم في وحول الحرب اللبنانية وكانت هناك غير جهة عربية تموّل هذا الغرق من منطلق أنّ المطلوب استمرار التخبط الفلسطيني بغض النظر عن الجريمة التي ترتكب في حق لبنان. 
لا يعني ذلك غياب المسؤولية اللبنانية عن توقيع اتفاق القاهرة الذي استباح السيادة اللبنانية وأسّس لوجود سلاح غير شرعي في البلد، كان فلسطينياً ثمّ صار إيرانياً في مرحلة لاحقة. 
في أساس المأساة اللبنانية المستمرّة منذ ما يزيد على نصف قرن، غياب الجرأة العربيّة، جرأة التعاطي مع الواقع والمنطق في آن. جرأة الاعتراف بأن السلاح الفلسطيني في لبنان لن يحرّر فلسطين... بل يقضي على لبنان. 
لكنّ السنة 2020 كانت واعدة من زوايا عدّة. من بين هذه الزوايا كشف إدارة دونالد ترامب أن إيران ليست سوى نمر من ورق. أنهكت العقوبات الأميركية الاقتصاد الإيراني. كذلك، ظهر عجز "الجمهورية الإسلامية" عن الردّ على التصفية الأميركية لقاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني الذي كان مسؤولاً عن ملفات عدّة بينها العراق وسوريا ولبنان واليمن... وأفغانستان. مرّ أقل بقليل من سنة على اغتيال الأميركيين قاسم سليماني بعيد مغادرته مطار بغداد الذي وصل اليه من دمشق مساء الثالث من كانون الثاني (يناير) الماضي. لم تستطع ايران شيئاً، تماماً، كما حصل بعد اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، بواسطة الإسرائيليين، على الأرجح، في السابع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في منطقة غير بعيدة من طهران. 
الزاوية الأهمّ التي يمكن النظر عبرها الى إيجابيات 2020 هي القرارات التي اتخذتها اربع دول عربية في ما يتعلّق بالعلاقات بإسرائيل. هذه الدول هي دولة الإمارات العربيّة المتحدة ومملكة البحرين والسودان... والمغرب الذي يمتلك وضعاً خاصاً يعود الى وجود عدد كبير من اليهود المغاربة في إسرائيل. هؤلاء ما زالت لديهم ارتباطات بالوطن الأمّ حيث الملك محمّد السادس، امير المؤمنين أيضاً، يعتبر نفسه مسؤولاً عن كلّ مواطن مغربي بغض النظر عن دينه. 
 ما يجمع بين الدول الأربع اختيارها الدفاع عن مصالح شعوبها في منطقة تشهد نزوعاً تركياً وإيرانياً الى التوسّع في كلّ الاتجاهات وغياباً فاضحاً للموقف العربي الموحّد من الاطماع التركيّة والإيرانية. هذا امر يخصّ بشكل خاص الإمارات والبحرين والسودان الذي ارتبط مستقبله برفعه عن لائحة الإرهاب الأميركية والشروط الواجب توافرها لتحقيق هذا الهدف. 
امّا المغرب، الذي يمتلك وضعاً مختلفاً، فقد عانى طويلاً من غياب الموقف العربي من قضية الصحراء التي يعتبرها كلّ مواطن من مواطنيه قضيّة وطنية. لم يوجد موقف عربي موحد من قضيّة كان مفترضاً أن تكون موضع اجماع، مثلما كان مفترضاً في الماضي ان يكون هناك اجماع على رفض مسّ الفصائل الفلسطينية المسلّحة بسيادة الأردن او لبنان. 
كان جديد 2020 أيضاً شجاعة عربية إماراتية وبحرينية وأردنية في مجال تأكيد أن الصحراء مغربية في رسالة واضحة الى الجزائر بأنّ عليها الكف عن استخدام تلك الأداة المسمّاة "بوليساريو" في حرب الاستنزاف غير المباشرة التي تشنها على الجار المغربي. هذه الحرب مستمرّة لسبب عبثي منذ 45 سنة عندما استعادت المملكة المغربية أرضها من الاستعمار الإسباني بفضل "المسيرة الخضراء". 
في ظلّ الأحداث الأليمة التي يمرّ فيها العالم، هناك نمط عربي جديد في التعاطي مع القضايا المصيرية. يقوم هذا النمط على الجرأة أوّلاً والقدرة على استشفاف المستقبل ثانياً والاستعداد للتعاطي مع الأحداث المتوقعة بطريقة علمية وواقعية في الوقت نفسه. 
الأهمّ من ذلك كلّه، وجود نوع جديد من القادة السياسيين يقولون الأشياء كما هي وينظرون قبل كلّ شيء الى مصالح بلدانهم وشعوبهم. هؤلاء تخلوا عن أيّ مراعاة للمزايدات والمزايدين واحتقروا الشعارات الفارغة ويعرفون تماماً أنّ الموقف العربي الموحّد من أيّ قضيّة كان غير موجود. إذا وجد، مثل هذا الموقف، فهو غير واقعي ولا يأخذ في الاعتبار موازين القوى في المنطقة والعالم. 
لو بقي المغرب، على سبيل المثال، في انتظار الموقف العربي الموحّد الذي يؤكّد مغربيّة الصحراء، لكان عليه الانتظار مئة سنة أخرى. توجّب عليه عمل كلّ شيء بنفسه من أجل الدفاع عن ترابه الوطني ومواجهة تحديات فرضت عليه فرضاً. لم يجد حتّى موقفاً فلسطينياً متفهّماً لقضيّته رغم كلّ ما بذله من أجل فلسطين ومن أجل خدمة القضايا العربيّة. من يريد أن يتذكّر أن دماء الجنود المغاربة روت أرض الجولان في حرب تشرين الأوّل (أكتوبر) 1973؟