الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سقف الوطن وجدرانه عند "الأسد" والسوريين 

سقف الوطن وجدرانه عند "الأسد" والسوريين 

31.07.2021
أحمد بغدادي


سوريا تي في 
الخميس 29/7/2021 
اخترع نظام الأسد وإعلامه النمطي قوالبَ متعددة من الشعارات والعبارات، التي يخاطب بها الشعب السوري، خلال عشر سنوات من الثورة السورية، والحرب الكارثية التي قادها الأسد ضد ملايين السوريين؛ كانت هذه الشعارات "اجتراراً" في أهدافها ومعانيها قد مضغها ومجّها طغاة من قبله، وعلى وجه الخصوص قادة الأنظمة العربية في الشرق الأوسط، وبقيتْ إلى الآن كما يُقال فارغة ولا طائل منها. 
كان الشعب السوري قاطباً على علم مسبق بأن هذا النظام لن يهادن أو يسمح بأي حراك سلمي ضده. حتى مؤيدوه، على يقين تام بالنتائج الدموية. وما رأيناه جميعاً من تجييش وزرع فتن بين صفوف المتظاهرين في بداية الثورة، لم يكن إلا غيضاً من فيض؛ وقتها صار يعزو إعلام النظام هذه "الظواهر" والأفاعيل إلى تدخلات خارجية حاقدة على سوريا وشعبها، متجاهلاً حجم الدماء التي أهرقت في درعا، وبعض المدن السورية، عندما كان الحراك الثوري في شهوره الأولى. 
تحوّل سقف الوطن الذي دعا إليه بشار الأسد ونظامه السوريين إلى أقبية وزنازين للتعذيب بشتى الوسائل والأساليب الوحشية 
وقد اشتغلت الآلة الإعلامية التابعة للنظام، والمنافحة عنه من قنوات إخبارية إقليمية وخاصةً المرئية منها، على وضع مساحيق التجميل فوق جرائم "الجيش" وأجهزة المخابرات بحق السوريين، وشرعت إلى اتهام جماعات جهادية تريد إقامة "إمارة إسلامية في سوريا"، ومندسيّن، لصرف انتباه الغرب عن الانتهاكات الفظيعة التي يقوم بها نظام الأسد. وهذا الأخير، هو حقاً من سارع إلى صنع تلك الجماعات والحركات "الإسلامية" المتطرفة، بمساعدة إيران ودول إقليمية ودولية لها مصالح مشتركة بوأد الثورة، وبقاء الأسد! 
تحوّل سقف الوطن الذي دعا إليه بشار الأسد ونظامه السوريين إلى أقبية وزنازين للتعذيب بشتى الوسائل والأساليب الوحشية، وتمثل في موت الأبرياء على يد السجّانين ومسؤولي الأفرع الأمنية!     
ودُعمَ سقف الوطن أيضاً بمدافع الدبّابات، وفولاذ الصواريخ والقذائف، وسندتْ جدرانه أذرع الميليشيات الطائفية الإيرانية واللبنانية والعراقية، علاوة على إصرار روسيا على منع أي حراك دولي وقانوني يجرّم الأسد ونظامه! هذا وكان "سقف الوطن" قد تزيّنَ من قبل الرئيس الأسبق "باراك أوباما" في عام 2013 بــ" الخط الأحمر"، الذي رسمه بسبب استخدام قوات الأسد الأسلحة الكيمائية المحرّمة دولياً ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، حيث قتل آنذاك في هذه المجزرة أكثر من 1400 مدني أغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن، ولم يُظهر "أوباما" أي جدّية ضد الأسد ونظامه، بل سارع إلى عقد صفقة مع الروس لصالح إسرائيل، بندها الأساسي والأول نزع الأسلحة الكيمائية من سوريا، والتعهّد بعدم استخدام أي غازات سامة ضد المدنيين.. لكن، فعلها الأسد أكثر من مرة في مدن وقرى سورية أخرى عقب عام 2013، ولم يُحاسب! وكأن بالدول "العظمى" - منها الولايات المتحدة، تقول لبشار الأسد" استخدم كافة الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي، ودمّر المناهضين السوريين، ولا تُكثر من استخدام السلاح الكيمائي". 
واستمرت الجرائم تحت سقف الوطن، حتى الآن، داخل إدلب وغيرها من قرى في الشمال السوري! ومنذ أيام بالتزامن مع كلمات بشار الأسد في خطابه "الممجوج" في أثناء تأديته قسم "اليمين الدستورية"، كان يقصف الأطفال في قرية "سرجة" بجبل الزاوية، ويدعو الــ "مغرّر بهم" بالعودة إلى حضن الوطن!  فهو بلا أدنى شكّ يسعى إلى رسم صورة نمطية للرئيس المسامح، والذي يعفو عن المخطئين والمذنبين الذين لم يتورّطوا بسفك الدماء بحسب تعبيره، وقد تجاهل بشكل متعمّد آلام السوريين في الداخل، الذين يعانون من اختناق اقتصادي قاتل، ليتوّج مسرحيته (القسم) بمهزلة تاريخية، عندما ذهب وعائلته إلى "حي الميدان الدمشقي، ليأكلوا "الشاورما"، التي باتت حُلماً صعب المنال على السوريين؛ في رسالة واضحة لهم تحمل شقين: الأول كما ذكرنا هو الادعاء بأنه "رجل" بسيط ومتواضع يمشي بين العامة من الناس. والثاني، مصبوغ بالنذالة والوضاعة، كونه على دراية تامّة بالوضع الاقتصادي، ورغم ذلك يأكل الشاورما لنكْءِ جراح السوريين وإغاظتهم! 
أما عن حضن الوطن، فلا يختلف عن سقفه؛ فمآلُ الاثنين واحد، بما يعني إن كان سقف الوطن هو فرع المخابرات الجوية وأقبيته، فحضن الوطن سيكون باقي الأفرع الأمنية وسجونها.. ونخلص هنا، إلى أنّ حضن "سيادة" بشار الأسد، أوسع من سقفه، ويفضي إلى موت مُحقّق، والأدلة على ذلك كثيرة، - منهم الذين عادوا من لبنان والأردن ومصر إلى حضن الوطن وسقفه، ليختفوا قسرياً، ولم يحظَ أحد من أقاربهم بجواب عن أماكن وجودهم! 
بأي إرادة وقوّة يستطيع الشعب السوري حالياً كسب هذه المعركة المصيرية، ولم يتبقَّ منه إلا قلّة قليلة متحدة على صوت واحد، مع وجود معارضة سياسية متنافرة ومتصارعة؟! 
بات أمر السوريين الآن خارج نطاق إرادتهم في نيل الحرية، ولم تعد أية محاولة من قبلهم على الأرض السورية وخارجها تجدي نفعاً! فكل زمام الأمور بيد القوى الفاعلة بالملف السوري، وأوّلها أميركا. وباستطاعتنا الخروج من الأقاويل الرومانسية والعواطف، بأن الشعوب قادرة على التغيير في ظل تهافت جميع القوى عليها. ما رأيناه في التجربة السوري أكبر دليل على شرذمة المجتمع وتشتيت قواه وتشريده؛ فبأي إرادة وقوّة يستطيع الشعب السوري حالياً كسب هذه المعركة المصيرية، ولم يتبقَّ منه إلا قلّة قليلة متحدة على صوت واحد، مع وجود معارضة سياسية متنافرة ومتصارعة، وتتبع مصالحها وأجندات دول إقليمية وغربية؟ 
نحن لا ندعو إلى الركون والاستسلام، إنما نوصّف الواقع المتهالك للسوريين، ولربما إن وجدت بعض الشروط والنوايا الحاسمة والصادقة من قبل النخبة السورية المثقّفة والسياسية، إلى جانب وضوح وصدق ما تسمى "دول أصدقاء سوريا"، فضلاً عن إصرار الحراك السوري الثوري على نيل الحرية، لكان هذا النظام القاتل قد سقط وتمت محاسبته منذ المجازر الأولى بحق السوريين. 
أخيراً، وهذا ليس سؤالاً اعتباطياً أو مستهلكاً.. هل يرى السوريون قريباً المشهد الأخير لتداعي سقف الوطن وجدرانه الخاص بـ "آل الأسد"، بغير الطريقة الدراماتيكية المعهودة لسقوط نظام طاغية عبر تدخل خارجي؟