الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سحب "فاطميون" الأفغانية من سوريا... ما هو هدف طهران؟ 

سحب "فاطميون" الأفغانية من سوريا... ما هو هدف طهران؟ 

26.12.2020
عبدالله سليمان علي


النهار العربي 
الخميس 24/12/2020 
تطوي السنة 2020 آخر أوراقها مع توالي اعترافات نادرة من أطراف مختلفة باستخدام قوات عسكرية أجنبية في الصراع الدائر في سوريا منذ عام 2011. وتحمل هذه الاعترافات دلالات سياسية متعددة ورسائل جيوسياسية مختلفة سيحط رحالها من غير شك في صناديق بريد بعض الدول الكبرى الفاعلة في الملف السوري، وسوف تؤدي بحسب التوقعات الأوليّة إلى تحريك المياه الراكدة وإعادة تنشيط مسارات التفاوض قبيل تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها في النصف الثاني من كانون الثاني (يناير) المقبل. 
وفي مفاجأة غير متوقعة، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قبل أيام، عن استعداد طهران لإخراج ميليشيا "فاطميون" الأفغانية من سوريا وإعادتها إلى أفغانستان من أجل محاربة "داعش" مقترحاً على الحكومة الأفغانية الاستفادة من الخبرات القتالية لما وصفه بـ "أفضل القوات التي يمكن للحكومة الافغانية استخدامها إذا أرادت ذلك". 
وقبل ذلك، أعلن الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لـ"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) عن وجود آلاف الكوادر من مقاتلي وقادة "حزب العمال الكردستاني" بين صفوف القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة. وإذ أشاد عبدي بالدور القتالي لهذه القوات القادمة من جبال قنديل، المعقل التاريخي لمقاتلي "العمال الكردستاني" في المثلث الحدودي بين تركيا وإيران والعراق، فقد أعلن ما يشبه صفارة الانطلاق من أجل الاستغناء عن هذه القوات وإعادتها إلى المعسكرات التي جاءت منها بعدما انتهى دورها الوظيفي في الساحة السورية.  
وتحدث عبدي في مقابلة مع مركز الأزمات الدولية أجريت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي عن اتفاق، من خلال وساطة أميركية ومحادثات مع المجموعات الكردية الأخرى، بما في ذلك "المجلس الوطني الكردي"، على الانسحاب التدريجي وإخراج المقاتلين غير السوريين من مواقعهم الحالية، وفي النهاية من سوريا. 
التزامن بين اعترافات عبدي واعترافات ظريف لا يمكن أن تكون من قبيل الصدفة بخاصة أن "إيران" و "قسد" ظلتا طوال الأعوام السابقة تنفيان استقدام مليشيات أجنبية للقتال في سوريا، وكانتا تصران على التمسك بحبل الانكار في مواجهة التقارير الإعلامية التي كانت تكشف حقائق موثقة بالأرقام والتفاصيل والأدلة حول علاقتهما ببعض الميليشيات الأجنبية. 
وجاءت تصريحات ظريف في توقيت حساس للغاية، استباقاً لحلول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن في البيت الأبيض خلفاً لإدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وما سوف يترتب على ذلك من تغييرات سياسية جوهرية تعكس اختلاف وجهات النظر بين الادارتين وطريقة تعاطي كل منهما مع بعض الملفات الحساسة لا سيما ملف الاتفاق النووي، بما له من تداعيات كبيرة على المنطقة.  
 وترافقت تصريحات ظريف مع تغييرات مهمة طرأت على المشهد العسكري في محيط مدينة البوكمال في دير الزور التي تعتبر المعقل الأساسي للقوات المحسوبة على إيران نظراً الى وقوعها على الطريق البري الذي يصل بين إيران مروراً بالعراق إلى البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى بيروت. وقد تعكس هذه التغيرات مدى جدية الطرح الإيراني في سحب عناصر ميليشيا "فاطميون" من سوريا بعد انخراطها في المعارك الدائرة هناك منذ عام 2012 تاريخ تسجيل أو مشاركة موثقة لهذه الميليشيات في الصراع السوري. 
وتمثلت هذه التغييرات في قيام روسيا بتحركات عسكرية نادرة في محيط المواقع الإيرانية المنتشرة في مدينة البوكمال. حيث كشفت بعض التقارير الإعلامية عن انتشار عسكري لعناصر القوات الروسية وعناصر الفيلق الخامس المدعوم روسياً في بعض النقاط والمواقع التي كانت تنتشر بها قوات تابعة لإيران، وأخرى في محيط مواقع لا تزال تنتشر فيها القوات الإيرانية. كما وصلت قوات روسية إلى الحدود السورية – العراقية بالتزامن مع محادثات أجراها السفير الروسي في العراق مع مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي لبحث ملف أمن الحدود السورية – العراقية.  
وقياساً على موقف مظلوم عبدي من كوادر "حزب العمال الكردستاني" الذي جاء نتيجة الضغط الأميركي على قوات "قسد" من أجل فك ارتباطها مع قيادة قنديل والعمل على "سورنة" القيادة الكردية التي تتولى قيادة منطقة شرق الفرات، يمكن القول إن موقف ظريف من ميليشيا "فاطميون" جاء في سياق استقراء طهران للمتغيرات السياسية التي تترافق مع قدوم إدارة أميركية جديدة وضرورة تهيئة الأرضية المناسبة للتكيّف مع هذه المتغيرات ومتطلباتها، كما جاء في إطار الضغوط العسكرية التي تواجهها طهران في سوريا متمثلة بالغارات الإسرائيلية المكثفة التي تستهدف المقار والمواقع التي تنتشر فيها قوات إيرانية أو محسوبة على إيران، ضمن سياسة تل أبيب الهادفة إلى منع تموضع إيران في سوريا. 
ولا يعني ذلك بالضرورة أن إيران قررت "الفرار" من الجبهة السورية على وقع الضغوط السياسية والعسكرية التي تواجهها، بل قد يشير إلى وجود قراءة إيرانية مختلفة للمشهد السوري على وقع التطورات الميدانية والسياسية التي جرت في السنوات الأخيرة وجعلت كفة الحكومة السورية ترجح في شكل ملحوظ على كفة المتمردين ضدها.  
وقد يكون الأهم أن إيران التي تغزل سياساتها الإقليمية بعقلية غزل السجاد العجمي نفسها، قد تكون تبحث عن فرصة مواتية لتوسيع أدوارها في مناطق أخرى بعيداً من سوريا، مستغلة الفترة الانتقالية التي تمر بها واشنطن. 
وفي هذا السياق لا يمكن التغافل عن اقتراح ظريف بمشاركة "فاطميون" في قتال تنظيم "داعش" في أفغانستان. فقد يحيل هذا الاقتراح إلى الأجواء التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في عهد إدارة باراك أوباما وفرضت على واشنطن وطهران التحالف من أجل القتال ضد تنظيم "داعش" الذي كان في ذروة توسعه في سوريا والعراق. وربما تراهن طهران على أن الانسحاب الأميركي المزمع من أفغانستان سوف يفرض معادلات جديدة في هذا البلد، وأن طهران سيكون لها دور كبير بعد الانسحاب الأميركي يشبه الدور الذي قامت به في العراق إبان الغزو الأميركي عام 2003 والذي توسع على نحو كبير مع الانسحاب الأميركي في 2011. 
الحجر الذي ألقاه ظريف قد يحرك من دون شك المياه الراكدة في الملف السوري ويدفع بعض الأطراف إلى جس النبض لمعرفة خلفيات الاعتراف الإيراني وتداعياته، ولكن من غير المرجح أن يؤدي إلى حراك فاعل إقليمياً ودولياً لاقتناص العرض الإيراني ومحاولة البناء عليه بسبب تعقيدات الملف السوري من جهة ونظراً لمدى تشابك الحضور الإيراني في الساحة السورية وعدم اقتصاره على صورة الحضور العسكري المباشر من جهة ثانية. 
ويبقى أن طهران من خلال عرضها سحب ميليشيا "فاطميون" تستهدف بدورها جس نبض مواقف بعض الدول وقياس رد فعلها على عرض الانسحاب، وكيف ستكون استجابة هذه الدول على المقترح الإيراني؟. وبناء على ما يتكشف من هذه المواقف وردود الأفعال قد تقرر طهران ما هي الخطوة القادمة: هل ستستمر في سياسة الانسحاب أم سترى أن البقاء في سوريا أفضل لها في مواجهة المتغيرات التي تعصف بالمنطقة؟.