الرئيسة \  تقارير  \  “ستراتفور”: فقر يدفعهم إلى البحر.. أوروبا تخشى أزمة مهاجرين قادمة من لبنان

“ستراتفور”: فقر يدفعهم إلى البحر.. أوروبا تخشى أزمة مهاجرين قادمة من لبنان

24.01.2022
ساسة بوست


ساسة بوست            
الاحد 23/1/2022
نشر مركز “ستراتفور” للدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريرًا يُسلِّط الضوء على الكيفية التي تؤثر بها المشكلات الكثيرة التي يعاني منها لبنان في ظهور أزمة مهاجرين جديدة في أوروبا.
يستشرف المركز الأمريكي في مستهل تقريره أزمة مهاجرين جديدة تلوح في الأفق في ضوء استمرار تصاعد الأزمات الاقتصادية أو السياسية في لبنان، وآية ذلك أن مزيدًا من الناس الذين يعيشون في البلاد، بما في ذلك اللاجئون الفلسطينيون والسوريون، سوف يسعون إلى الفرار إلى أوروبا.
وفي 13 يناير (كانون الثاني)، أبرز “يوم غضب” آخر قادته نقابات النقل اللبنانية التحديات التي تواجه المواطنين والمقيمين في لبنان والعوامل التي تُجبر عددًا متزايدًا منهم على المخاطرة برحلة بحرية إلى أوروبا. وأدَّت الإضرابات التي نُظِّمت في جميع أنحاء البلاد احتجاجًا على الارتفاع الكبير في أسعار الوقود إلى تعطيل طرق النقل لفترة مؤقتة وإغلاق المدارس والجامعات، ورافقتها تهديدات بارتكاب أعمال عنف مستقبلية من جانب بعض المتظاهرين.
بيد أن الحكومة اللبنانية تجاهلت هذه الإضرابات إلى حد كبير، ولم تفعل كثيرًا لتخفيف أزمة الوقود الحادة، ناهيك عن الانهيار الاقتصادي الكبير في البلاد. والواقع أنه بحلول ظهيرة يوم الـ13 من يناير، تضاءلت التجمعات، وهي إشارة إلى أن حتى المتظاهرين أنفسهم لم يروا قيمة كبيرة في هذه التجمعات.
وأضاف التقرير أن الوضع المالي المتردِّي على نحو متزايد في لبنان جعل الحكومة عاجزة عن تحمل تكاليف شحنات الوقود من بين الواردات الأخرى، والتي عادةً ما يجري تسعيرها بالدولار الأمريكي (تُتداول الليرة اللبنانية الآن بأقل من 30 ألف مقابل الدولار الأمريكي، وهو انخفاض هائل منذ عام 2019، عندما كانت الليرة مربوطة رسميًّا بسعر 1500 مقابل الدولار). وقد أدَّى هذا، مقترنًا بتحرك البنك المركزي لرفع دعم الوقود في أغسطس (آب)، إلى زيادة تكلفة الوقود في لبنان وندرته.
وأدَّت أزمة الوقود الأخيرة إلى تفاقم الأوضاع المعيشية في لبنان، حيث يقدر الآن أن 80% من الناس يعيشون في فقر. كما أن تلك الأزمة زادت من اعتماد البلاد على جماعة حزب الله المدعومة من إيران، التي كانت تُرتِّب جلب شحنات الوقود الإيراني عبر سوريا.
أزمة متفاقمة
ويرجح التقرير حدوث مزيد من الإضرابات المعطلة والقلاقل العنيفة مع استمرار الحكومة في تأجيل الإصلاحات العميقة اللازمة لعكس مسار تدهور لبنان. وتُجري الحكومة اللبنانية محادثاتٍ مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على حزمة إنقاذ. ولكن بيروت لم تبذل جهدًا يذكر لخفض أسعار الوقود أو بدء العملية السياسية التي قد تُخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية الأكبر.
وقد تسبب الشلل السياسي في عجز الحكومة عن الاضطلاع حتى بمهامها الأساسية؛ إذ لم يجتمع مجلس الوزراء اللبناني منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وفي فترة الاستعدادات للانتخابات المقررة في الربيع المقبل، لم تَبرُز أي أحزاب أو قادة سياسيين جدد والذين قد يتمكنون من وضع حد لحالة الشلل المستمرة. ولذلك، ستؤدي الاضطرابات الناجمة عن تلاقي مجموعة الأزمات التي تضرب لبنان على الأرجح إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد أكثر من تحفيز الحكومة على معالجتها بجدية. ومع فشل الاحتجاجات في تحفيز الإصلاحات، سوف يخلُص مزيد من اللبنانيين أيضًا إلى أن العمل السياسي والاجتماعي للضغط على الحكومة بات عديم الجدوى.
مغادرة البلاد
ويتوقع التقرير سعي مزيد من المواطنين والمقيمين إلى مغادرة البلاد في ظل تضاؤل فرص أي تحسن قريب في الظروف الاقتصادية أو السياسية للبنان، مشيرًا إلى أن اللبنانيين من الطبقة الوسطى يفرون بالفعل من إلى أوروبا والأمريكتين ودول الخليج العربي من خلال عملية هجرة رسمية.
ولكن مع استمرار تدهور الأحوال المعيشية، فمن المرجح أن يحاول عدد متزايد من المواطنين اللبنانيين الأفقر والذين طوَّقهم اليأس من كل جانب، فضلًا عن اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين يعيشون في البلاد، الهرب إلى أوروبا أيضًا عبر الطرق البحرية غير القانونية.
وقد غادر ما بين 10 آلاف و12 ألف فلسطيني لبنان في عام 2020 مقارنةً بنحو 6 آلاف إلى 8 آلاف غادروا لبنان في 2019، بحسب تقديرات حكومية. وأشارت كذلك الأمم المتحدة إلى زيادة في محاولات المهاجرين اللبنانيين عبور الحدود إلى قبرص (أقرب نقطة دخول من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي). ووفقًا لسجلات الأمم المتحدة، حاول ما لا يقل عن 1570 شخصًا الوصول من لبنان إلى قبرص عن طريق البحر في 2021 مقارنةً بـ270 شخصًا فقط حاولوا فعل ذلك في عام 2019.
أزمة مهاجرين وشيكة                 
ويلفت التقرير إلى أن تهديد ظهور أزمة مهاجرين أخرى قد يُحفِّز أوروبا على تقديم المساعدات المالية للحكومة اللبنانية، وإن كان ذلك لن يؤدي إلا إلى تمكين أولئك الذين تسبَّبوا في أزمات البلاد من البقاء في السلطة.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح الاتحاد الأوروبي أقل تقبلًا لاستقبال المهاجرين غير النظاميين (أو غير المسجلين)، كما تبين من الاستجابة العدوانية التي أبدتها الكتلة الأوروبية تجاه أزمة المهاجرين الأخيرة على الحدود البولندية البيلاروسية. وباعتبارها جزءًا من هذا التحول، أصبحت بروكسل أيضًا أكثر استعدادًا لمساعدة الحكومات في البلدان التي يأتي منها المهاجرون أو يَعْبُرون منها (كما فعلت مع تركيا)، حتى وإن كانت تنتقد سياسات تلك الحكومات الأخرى.
وبالمقارنة مع بلدان أخرى يمكن أن يكون لمساعدات الاتحاد الأوروبي قدرة أكبر على تحسين الأوضاع المُسبِّبة للهجرة في لبنان، حيث يهرب الناس في المقام الأول من الظروف الاقتصادية الصعبة، وليس الحرب والعنف. وكذلك تتيح علاقات فرنسا الوثيقة مع بيروت لبروكسل نفوذًا أكبر على الحكومة اللبنانية. ولكن مزيدًا من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي لن يعالج جوهر المشكلات التي يعاني منها لبنان، والتي تعود جذورها إلى النظام السياسي في البلاد، الأمر الذي يجعل من تلك المساعدات مسكِّنًا وقتيًّا، وليس حلًا مُستدامًا لمشكلة تنامي أعداد المهاجرين القادمين من لبنان، بحسب ما يُختم التقرير.