الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ستة وعشرون هدفًا روسيًا من دعم عملية “نبع السلام”

ستة وعشرون هدفًا روسيًا من دعم عملية “نبع السلام”

09.11.2019
محمد السلوم



جيرون
الخميس 7/11/2019
منذ 9 تشرين الأول/ أكتوبر، انطلقت عملية “نبع السلام” التي شنّها كلٌّ من الجيش التركي و”الجيش الوطني السوري”، وأدت إلى إنهاء الأحلام القومية الكردية بعد تخلي الولايات المتحدة عنهم، وبعد ستة أيام من القتال والسيطرة التركية على كل من تل أبيض ورأس العين ومحيطهما، كان لتدخل الولايات المتحدة وزيارة نائب الرئيس الأميركي لأنقرة، لإتمام الاتفاق على الهدنة الأولى لمدة 120 ساعة، مقابل تخلي مقاتلي (قسد) وإرهابيي (ب ك ك) عن أسلحتهم، والانسحاب من المناطق التي حددتها تركيا، حتى عمق يصل إلى 35 كم من شمالي الأراضي السورية، وعلى امتداد 450 كم، ثم كانت اتفاقية سوتشي التركية الروسية، ومهلة الـ 150 ساعة من وقف القتال. ولكن ما هي أهداف روسيا من دعمها لعملية نبع السلام؟
من يزرع الريح يحصد العاصفة، فقد تحدث السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، حول “محنة” الأكراد، بعد الهجوم التركي العسكري يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 على الشمال السوري، وقال: “كنا نشجع الأكراد على حوار مباشر مع الحكومة السورية، لكنهم فضلوا حماةً آخرين، والآن يمكنهم رؤية ما يحدث”، وفي مجلس الأمن، استخدم حق الفيتو الروسي لمنع إدانة ما أسمته الدول الأوروبية “العدوان التركي” العسكري “غير الشرعي” على سورية “ذات السيادة”، وطلبت روسيا من تركيا “أقصى درجة من الاحتواء”. وفي المقابل وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأكراد -الذين وصفوه بالخائن- بأنهم “ليسوا ملائكة”، وأن بعض قادة حزب العمال الكردستاني “أسوأ من داعش”، ويجب السماح لهم ببعض الوقت للقتال، ومن ثم تذهب الولايات المتحدة للفصل بينهم، تاركين الباب مفتوحًا للبحث عن حل للمسألة السورية، والسؤال للأحزاب الكردية التي تتميز بذاكرة السمكة: ألم تقم وكالة الاستخبارات الأميركية والموساد الإسرائيلي باعتقال عبد الله أوجلان وتسليمه للسلطات التركية عام 1999؟
ستة أيام من بدء عمليات “نبع السلام” القتالية كانت كافية لشعور قادة (ب ك ك) و(قسد) باليأس من معاركهم غير المجدية مع القوات التركية و”الجيش الوطني السوري”، وخاصة بعد سقوط ما لا يقل عن 100 قتيل منهم، وفرار عشرات الآلاف من السكان من المناطق التي اندلع فيها القتال، فتخلوا عن مطالبهم القومية، وفي الوقت ذاته توصلت موسكو مع أنقرة ودمشق وواشنطن وطهران إلى اتفاقية بتسيير دوريات مشتركة مع الجيش التركي بالشمال السوري، وكان ترامب سعيدًا بهذا الحل، ورفع فورًا العقوبات عن المسؤولين الأتراك، وبهذه الخطوة تمكنت موسكو من:
تجنب حمّام دم كردي.
منع تركيا من التمدد أكثر في الأراضي السورية، لما تراه لمصلحة حليفها رأس النظام السوري بشار الأسد، وإقامة قواعد عسكرية تركية فيها كما هو مخطط لها.
إجبار الأكراد على التوصل إلى اتفاق مع دمشق، وإجبار الأسد على قبول درجة معينة من الحكم الذاتي.
تسببت في انشقاقات داخل صفوف المقاتلين الأكراد، فقد وافق أحد فصائل (ب ك ك) على التفاوض مع دمشق، فيما قرر آخر الاستمرار في مواجهة كل من تركيا وروسيا والنظام السوري.
تخلى حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) عن دعم حزب العمال الكردستاني، ودعمت موسكو التوصل إلى اتفاق مع أنقرة، كما فعل الأكراد في العراق، حيث تتمتع كردستان العراق بعلاقات جيدة مع تركيا.
أدخلت روسيا قوات النظام السوري إلى الشمال السوري من دون إطلاق طلقة واحدة، لكنها أُجبرت على الانسحاب من عدة مناطق، مثل تل التمر بالحسكة، بعد اشتباكات مع القوات التركية والجيش الوطني السوري.
أنهت تركيا الحكم الذاتي الكردي، وتحاول وسائل الإعلام الروسية الترويج لاتفاق مع أنقرة، لتسليم إدلب للنظام السوري بغطاء روسي، لتجنب استمرار القصف الروسي الهمجي على قرى وبلدات إدلب، ومنع المزيد من هروب اللاجئين السوريين لتركيا.
إحياء اتفاقية أضنة بين أنقرة ودمشق التي وقعها الطرفان عام 1998، والتي تلزم سورية بالامتناع عن دعم حزب العمال الكردستاني، أو حمايتهم، وتسمح للقوات التركية بالتدخل بالأراضي السورية لملاحقتهم. وهنا تقترح روسيا تأمين الحدود السورية بدلًا من إنشاء منطقة عازلة آمنة، كما تسعى لذلك تركيا.
تسعى موسكو لطمأنة السعوديين والإماراتيين والإيرانيين بأن التواجد التركي مؤقت، وأنها ستقوم بإخراج القوات التركية من الشمال السوري، لأنه كما تروج “أسهل عليها” من إخراج القوات الأميركية، التي اكتفت بدورها بحراسة النفط السوري بدير الزور.
تزعم موسكو أنها اتفقت مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن القوات التركية ستنسحب تدريجيًا من الأراضي التي دخلتها، مقابل تسليم المناطق لجيش النظام السوري، وبموافقة ترامب، وأنه مجرد وضع مؤقت.
إظهار أن روسيا أنقذت أوروبا من تهديد تركيا بفتح الحدود، ومن اجتياح ثان للاجئين السوريين لأوروبا، كما حدث بالاجتياح الأول عام 2015، في حال عاقبت أوروبا تركيا نتيجة عمليتها في الشمال السوري. ولكن ألمانيا دعمت تأسيس منطقة آمنة، وقدّم الاتحاد الأوروبي أكثر من 600 مليون دولار لدعم اللاجئين السوريين في تركيا، وهو ما يتعارض مع الأهداف الروسية.
تعتبر روسيا أن تركيا هُزمت في مصر، وفقدت تأثيرها على ليبيا والسودان، وبالتالي عليها الاعتراف بنظام دمشق، والتوقف عن دعم الثورة السورية، وأن إنهاء الأكراد هو مكافأة روسية أميركية لتركيا، وتعزيز شراكة روسية تركية، واكتساب شريك مهم لها وعضو بالناتو.
تحسين موقف روسيا لتقرير مستقبل سورية.
ظهرت موسكو الحاكم الرئيسي لتحسين العلاقات التركية الكردية السورية.
استفادت روسيا من قرار ترامب الذي فرض إرادته على واشنطن والدولة الأميركية العميقة والمجمع الصناعي العسكري، فقد كان المتفق عليه إقامة دولة كردية بالشمال السوري بدعم سعودي إماراتي إسرائيلي، تكون شوكة في الخاصرة التركية، عبر شن حرب على إيران، واحتواء ناعم لتركية، لكن العملية التركية وقرار ترامب، دمّرا المشروع الانفصالي الكردي برمته.
ترامب، وهو يتعرض لإجراءات العزل، أثبت -بحسب مناوئيه- أنه “عميل للكرملين”، فقد سلّم سورية لإيران وروسيا، وتنسى الدولة العميقة في واشنطن أن أوباما سلّم كردستان العراق لتركيا وإيران عام 2017، وسمح بتدمير حلم الاستقلال الكردي بالعراق.
يحاول الروس استخدام الورقة الكردية، بالرغم من عدم وجود ما يسمى “السياسة الكردية”. وعلى الرغم من أن موسكو تزعم أنها تحارب “الجهادية” الإسلامية خارج روسيا وداخلها، وأنها الورقة المفضلة لها لتبرير تدخلها في سورية، فإنها تجد بالورقة الكردية قيمة إضافية لتوسعها بالمنطقة.
افتتحت موسكو مكتبًا للتمثيل الكردي في شباط/ فبراير 2016، في دعمها للتطلعات الكردية في سورية، ودعاهم بوتين للتفاوض حول مستقبل سورية، في إطار سياسته المسماة “خلق تأثير مزدوج الطبيعة”، الأول رأسي في مؤسسات الدولة، والثاني أفقي مع المجتمع السوري وكياناته، والهدف إضعاف منافستها الرئيسية في سورية أي تركيا، وإجبار كل من أنقرة ودمشق على الاعتماد على موسكو، لممارسة دورها في التأثير على تلك الأقلية العرقية.
في تموز/ يوليو 2016، حدثت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وبالتالي رأت أنقرة أن للولايات المتحدة دورًا كبيرًا في هذه المحاولة، مما دفعها إلى التقرب من روسيا للبحث عن حلول للقضايا السورية، وأيضًا كانت القواعد الأميركية متواجدة شرق الفرات، ضمن أراضٍ يسيطر عليها ما يسمى الحكم الذاتي الكردي. وهو ما عزز العلاقات التركية الروسية بالمقابل.
دعمت موسكو أنقرة ضمنيًا في حروبها الثلاثة التي خاضتها تركيا في سورية، منذ درع الفرات 2016، وغصن الزيتون 2018، وصولًا إلى نبع السلام 2019، وبنهاية 2018 بعد إعلان ترامب تقليص التواجد الأميركي في سورية، وجدت روسيا الفرصة المناسبة لتحقيق هدفين مباشرين: الأول إجبار الأكراد على التفاوض والتعاون مع نظام الأسد ضد الثورة السورية، والثاني أن تصرف تركيا نظرها عن هدف الإطاحة بنظام الأسد.
في عام 2017، دعمت روسيا استفتاء استقلال كردستان العراق، لما فيها من منابع نفطية مهمة، لكن الولايات المتحدة عارضت ذلك، والتقت مع مصلحة تركية إيرانية بوأد ذلك الاستقلال، فوجدت أنه وقت غير مناسب لتوسيع نفوذها وتدخلها.
تؤيد روسيا الحكم الثقافي والإداري المحدود للأكراد السوريين، ولكن هل سيمثلهم اختلاق ما يسمى قوات البيشمركة على غرار الموجودة بالعراق، لتحل محل وحدات الجيش السوري في الشمال.
تحاول روسيا إظهار ذاتها أنها تتبع سياسة براغماتية وواقعية، وبالتالي توقف سيطرة الولايات المتحدة على العالم، منذ اتفاقية شنغهاي مع الصين عام 2001، وتجد بسورية الأرض الخصبة لإعادة الاعتبار لوجودها السياسي في العالم.
تحاول روسيا تحقيق تقارب تركي مع النظام السوري، في تحالف تكتيكي وغاضب. والغاية الروسية إنهاء ودفن الثورة السورية. للتهرب من محاسبتها عن جرائمها ضد الإنسانية التي ارتكبتها مع النظام السوري ضد الشعب السوري، وخاصة بعد فضيحة الصحف الأميركية لاستهداف المشافي في إدلب وبالدليل القاطع، وجرائمها في مدينة حلب التاريخية والغوطة ودرعا.
والواضح أن محاولات روسيا احتواء تركيا وجذبها لجانبها ضد حلفائها في الناتو، قد تكون مجدية في بعض النقاط، لكنها لا يمكن أن تحقق كامل أهدافها في مواجهة الشعب السوري الذي سيقرر مصيره بالنهاية، وموقفه من سفاح دمشق والكرملين وطهران.