الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سبع سنبلات خضر: الثورة السورية

سبع سنبلات خضر: الثورة السورية

20.03.2017
وائل مرزا

المدينة
الاحد 19/3/2017
على مر سنوات، أغارت الطائرات الإسرائيلية على الأراضي السورية. وفي كل غارة، حققت أهدافها. ومرةً بعد أخرى، عادت إلى قواعدها بسلام كأنها كانت في نزهة. أهم من هذا كله أن بشار الأسد ما جرؤ مرةً أن يأمر بإطلاق سلاحٍ حقيقي على الطائرات الإسرائيلية، وكانت ردوده محصورةً بين التنديد والاستنكار من جهة، والتأكيد على احتفاظه، الذي يبدو مؤبداً لانهاية له ولامصداقية عملية، على « الحق بالرد في الوقت المناسب»!
ما الذي حدث إذاً خلال غارة الأسبوع الماضي؟ لماذا أطلق الأسد صواريخ وأعلن نظامه، كذباً، إسقاط طائرة؟ هل شرب الأسد حقاً «حليب السباع»، كما يقولون؟ أم أنه أصيب بالجنون لعلمه بدلالات وجود أحدث الدفاعات الجوية الروسية على مرمى حجرٍ من دمشق، فضلاً عن طائراتها الحديثة. ورغم كل هذا، تحصل الغارة الإسرائيلية وكأن الروس يغطون في نومٍ عميق!
بشيءٍ من التحليل، تبدو الغارة حدثاً مفصلياً مليئاً بالإشارات، إذ تتزامن تماماً مع انطلاق العام السابع لثورةٍ سورية، ثمة مؤشراتٌ عديدة على أنه سيكون عاماً تظهر فيه تدريجياً تباشير النصر. ما من فسحةٍ لأحلام النهار في الموضوع. فالموضوع يتعلق بالمتغيرات الكثيرة والجذرية والسريعة المحيطة بالشأن السوري. ولامجال، أيضاً، لحديثٍ عن نصرٍ نهائيٍ وسريع وكامل. فهذه الثورة عملية تحررٍ وتطهير من إرثٍ تقليدي مهترىء دام عقوداً، بحساب، وقروناً، بحسابٍ آخر.. وهي، بعدَها، انبثاقٌ من أرض الثورة، الذي سُقي بدماء السوريين، لإنسانٍ ثورة مختلفٍ تماماً عن سوريٍ سابق، مامن شك أنه سيحتفظ بكل ما كان في تكوينه من خير، وهو كثير. لكنه سيخلع عنه أثواباً تراكمت من الجهل والتقليد والآبائية والأمية في الثقافة والسياسة والعمل العام، بحيث يصنع بنفسه ولادة ثقافةٍ جديدة بكل المعايير.
بكل الحسابات الإستراتيجية: رحيل بشار قادم. لافسحة هنا للتفصيل في تغييرات استراتيجية تجري في المنطقة سراعاً موحيةً بذلك، وسيكون لهذا وقتٌ آخر. لكن هذا يبقى مقام استذكار السوريين لواجبهم، هم دون غيرهم، مع التغييرات المذكورة حُكماً، وبدونها، فيما يتعلق بمسؤوليتهم ودورهم، بعد كل هذه التجربة.
لهذا نؤكدها مرةً أخرى. بكل مقاييس الحضارة والإنسانية، ثبتَ للعالم بأسره أن بشار (قزم). لكن هذه الحقيقة لن تصل بالثورة السورية إلى النصر إلا عندما يُخرج الشعب السوري كمونهُ الحقيقي الذي يُظهر كم هو (عملاق).
من أجل هذا، تحتاج سوريا اليوم لكل أبنائها، بعيداً عن أي معنىً من معاني (السلبية) أو (الحياد) أو (اليأس) التي يمكن أن تتلبس بعض السوريين، فتكون أخطرَ على ثورتهم من كل عنصر قوةٍ يملكهُ النظام.
تتعدد أسباب السلبية والحياد واليأس، لكن النتيجة تظل دائماً واحدة: خسارة الثورة لطاقاتٍ كان يمكن أن تحملها إلى منصة النصر، وخسارةُ الطاقاتِ لثورةٍ، لفرصةٍ فريدة يصعب أن تتكرر، فرصة حياتِها لتُحقق أشواقها وتطلعاتها وآمالها بالحرية والكرامة وتقرير المصير. وأياً كانت خلفيتك وطريقة تفكيرك أيها السوري، ثمة ألف سببٍ وسبب تُعطيك، أيها السلبي وأيها المحايد وأيها اليائس، مشروعيةً لمُمَارستك. أنت تعلم ذلك في أعماقك. وماأسهل أن تستخدمه لتبرير سلبيتك وحيادك ويأسك.
ما أسهل أن يجد السوري اليوم سبباً للاستقالة من ثورة بلاده. ليس المقامُ هنا مقامَ مناقشة صواب هذه الأسباب أو خطئها، وإنما التساؤل عما يمكن أن تفعله بخصوصها. أنت. أنت السوري الذي لايستطيع أن يَخلعَ جِلدَهُ أو يأخذ إجازةً من انتمائه للوطن.
وإذ يجمعُ الإنسان بين التجرد والإخلاص، والبحث والسؤال، والتفكير والحركة، يفتح له الله بالعقلُ والحركة أبواباً لم يكن يراها، ويُيسر مداخل للعمل لم يحلم بوجودها ابتداءً. ليس في الأمر (غرقٌ في أوهام الغيبيات) يُشرعهُ بعض (المثقفين) سيفاً للسخرية والاستهزاء من مثل هذه المعاني. وإنما هي وسطيةٌ تغرق في العمل والتخطيط، وهي تؤمن أن هذا لايضيع في دنيا ولا في آخرة.
ما أصدق مقولة الروائية الأمريكية كارين ميلر بتنزيلها على ملابسات الثورة السورية وطريقة تعامل بعض السوريين معها: «عندما يقول لك أحدهم: لا، فهذا لايعني أنك لا تستطيع إنجاز مشروعك، وإنما يعني أنك ستنجزهُ بدونه».