الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ريف حلب الشمالي: روسيا تضغط على قوات سوريا الديمقراطية بمناورة سحب قواعدها 

ريف حلب الشمالي: روسيا تضغط على قوات سوريا الديمقراطية بمناورة سحب قواعدها 

19.04.2021
منهل باريش


القدس العربي 
الاحد 18/4/2021 
تدرك قسد أن وجودها لوقت طويل في ريف حلب الشمالي صعب للغاية، فهو مرتبط بتوازنات القوى الإقليمية والعلاقة المتوترة بين موسكو وواشنطن. 
أكدت مصادر محلية في منطقة تل رفعت عودة القوات الروسية التي انسحبت من قاعدتي تل رفعت وكشتعار في ريف حلب الشمالي، مساء الخميس، بعد انسحابها صباح الثلاثاء، وتحرك ميليشيات إيرانية من منطقة نبل والزهراء للموقعين بنية اتخاذ معسكرين متقدمين في مواجهة الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا. وأشارت المصادر لـ"القدس العربي" لاحتجاج العاملين في الإدارة الذاتية في منطقة مقاطعة الشهباء على الخروج الروسي، بسبب تخوفهم من صفقة بين روسيا وتركيا تعطي المنطقة للأخيرة على غرار ما حصل عام 2018 في عفرين. كما نشر الإعلام المقرب من قوات سوريا الديمقراطية "قسد" صور لقطع الطرق وإحراق الدواليب في قرية الوحشية بوجه قوات الشرطة العسكرية الروسية، احتجاجا على مغادرتها. 
ونقلت وكالة "هاوار" الكردية عن مصادر في قسد أن القوات الروسية ستنسحب من كامل الشهباء، مشيرة إلى أن القوات تستعد لإخلاء كامل مقاطعة الشهباء نحو مدينة حلب، بدون معرفة أسباب القرار. 
ونفت المصادر إخلاء القوات الروسية كامل القاعدتين، وحددت التحرك بخروج عربات نقل جنود وسيارات بيك آب، فيما بقيت أجهزة الإشارة والدشم والمحارس والمستودعات على حالها ولم تشهد أي تغيير. وحافظ عناصر الحراسة في القاعدة على مواقعهم ولم يغادروا القاعدتين. 
في السياق، قال الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني السوري، الرائد يوسف حمود لـ"القدس العربي": "رصدت سرايا الاستطلاع في الجيش الوطني عملية انسحاب ولكنه ليس انسحاب كليا، فالمستودعات بقيت في مكانها وكذلك الأليات الثقيلة" ووصف التحرك بـ"التكتيكي". مشيرا إلى ان مغزى الحركة هو "الضغط على المكونات العسكرية والسياسية في المنطقة لبسط السيطرة الروسية الكاملة عليها". 
ونفى حمود أن تكون الحركة في سياق الضغط على قسد لتوريد النفط، على اعتبار انه تم الاتفاق قبل فترة لنقله عبر شركة القاطرجي. ولم يستبعد أن تكون في إطار الضغط على قسد من أجل "اخراج قيادات وحدات حماية الشعب الكردية من الأشرفية والهلك". 
وتعتبر القاعدتين الروسيتين إحدى ثلاث قواعد تنتشر بها القوات الروسية في ريف حلب الشمالي، أكبرها قاعدة مطار منغ العسكري للطائرات الحوامة، وهو الأقرب إلى بلدة مدينة اعزاز ومعبر باب السلامة الحدودي مع تركيا. فيما تأتي قاعدة تل رفعت ثاني أكبر القواعد الروسية في المنطقة، وتقع غربي البلدة وتشرف على الطريق الدولية بين غازي عينتاب التركية ومدينة حلب السورية. فيما تعتبر قاعدة كشتعار نقطة سيطرة وتحكم وهي أصغر القواعد، وتتفرع على جانب الطريق الدولية بين غازي عينتاب وحلب من الجهة اليسرى وأقرب النقاط الروسية إلى نبل والزهراء من الجهة الشمالية، كما انها أقرب النقاط إلى عفرين وخطوط التماس بين الجيش الوطني وقسد في المنطقة التي سمتها قسد "الشهباء". وتقوم روسيا بتحريك نقاط متقدمة في المنطقة بين الحين والآخر، وتنشر الحواجز وتسير الدوريات في المنطقة المحاذية لمنطقة "درع الفرات" التي تعتبر منطقة نفوذ تركية ويسيطر عليها الجيش الوطني السوري المعارض. ونشرت روسيا تلك القواعد في شهري شباط/فبراير وآذار/مارس عام 2016 مع قاعدة أخرى في بلدة كفرجنة في عفرين، قبل ان تقوم بسحبها بعد إطلاق يد تركيا في عفرين، والسماح لها بشن عملية عسكرية واسعة طردت على أثرها المقاتلين الأكراد من المنطقة. واتى التفاهم بعد رفض قسد تسليم المنطقة للنظام السوري. 
إلى ذلك، وافق القيادي في الجيش الوطني، النقيب عبد السلام عبد الرزاق على أن التحرك الروسي هو "أسلوب ضغط على قسد" وقدر في اتصال مع "القدس العربي" سبب العودة السريعة للروس إلى "التحرك الإيراني لملء الفراغ في المنطقة التي أخليت جزئيا" ونوه عبد الرزاق إلى أن التهديد بالانسحاب عادة ما يقوم به الروس لفرض شروطهم على قسد". 
السيطرة على الطرق التجارية 
عزا نائب رئيس الهيئة التنفيذية في "مجلس سوريا الديمقراطية" في تصريح لوسائل إعلام محلية سبب التحرك الروسي إلى قضية الإصرار الروسي على تزويد النظام بالمحروقات والطلب من قسد فتح المعابر مع النظام وجعل روسيا المشرفة على تلك الطرق. وهو ما رفضته قسد عدة مرات متذرعة بان الطرق التي يجب ان تبقى تحت سيطرتها وأنها لا تمانع من الحركة التجارية مع النظام وتعلل ذلك بتسهيل تدفع النفط الخام إلى منطقة النظام وأنها تسهل دخول المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة إلى المنطقة وتقديم خدماتها بشكل دائم للمدنيين بعد إغلاق نقطة عبور المساعدات الدولية المقبلة من العراق وتوزيع المساعدات الإنسانية من دمشق. 
في شباط/فبراير الماضي، هددت روسيا سحب قاعدتين عسكريتين في تل تمر ومدرسة الأبقار في ريف الحسكة الغربي في المنطقة المتاخمة لمنطقة عملية "نبع السلام" التي تسيطر عليها تركيا. ثم عادت إليهما، وفلت الأمر نفسه على طريق الترانزيت حلب- الحسكة/M4 في بلدة عين عيسى بعد الاشتباكات الحاصلة بين قسد من جهة وتركيا وفصائل الجيش الوطني على الجهة المقابلة، حيث تسعى تركيا لإبعاد الوحدات الكردية من البلدة. 
وفي وقت سابق انعكس التوتر الحاصل في عين عيسى شرقي نهر الفرات، بين وحدات الشعب الكردية وروسيا على منطقة "مقاطعة الشهباء" في ريف حلب الشمالي وحيي الأشرفية والهلك، معقلي الوحدات الكردية في مدينة حلب. فضيقت الفرقة الرابعة في جيش النظام على مناطق سيطرة الوحدات سابقة الذكر، ومنعت إيصال الامدادات العسكرية والمحروقات والمواد التموينية لآلاف المقاتلين في قسد وهناك إضافة إلى المجلس المدني الذي يشرف على المنطقة. وأوقفت قسد امداد النظام بصهاريح النفط الخام من مناطقها. ونجحت قسد نسبيا بامتصاص الغضب الروسي ورفضت تسليم بلدة عين عيسى لقوات النظام وتراجع التوتر مع فتح طريق توريد النفط مجددا عبر شركة القاطرجي. 
وتعتبر قسد أن كفة الميزان مالت إلى صالحها بعد قدوم الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، إضافة إلى أن عودة العمليات الأمنية بين وحدات مكافحة الإرهاب في قسد والتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" يصب في صالح تعزيز العلاقة بينها وبين واشنطن. 
بالمقابل، تدرك قسد أن الشراكة مع "التحالف الدولي ضد داعش" محصورة في شرقي الفرات، ولا يعتبر البنتاغون انه مسؤول عما يجري من تنازع بين قسد وتركيا وروسيا وإيران غربي نهر الفرات وخصوصا في ريف حلب الشمالي. حيث أخطر البنتاغون قائد قسد، مظلوم عبدي صراحة انهم غير معنيين بما يحصل في عفرين وعليهم التفاهم مع روسيا باعتبارها منطقة نفوذ روسية حسب التفاهم الروسي الأمريكي. وهو ما أجبر عبدي للدخول بمفاوضات مباشرة في مدينة حلب مع الجانب الروسي، نهاية عام 2017 ومطلع 2018 من أجل تجنيب عفرين الاجتياح التركي. لكن إصرار روسيا على مقترح تسليم عفرين للنظام لاقى رفضاً قاطعا من قيادة قسد، الأمر الذي أغضب موسكو وجعلها توافق على التدخل التركي في عفرين، وترافق ذلك مع انهيار مناطق خفض التصعيد التي أسسها مسار أستانة بين الدول الثلاث (روسيا وتركيا وإيران). 
تدرك قسد أن وجودها لوقت طويل في ريف حلب الشمالي صعب للغاية، فهو مرتبط بتوازنات القوى الإقليمية والعلاقة المتوترة بين موسكو وواشنطن، وستكون أول الدافعين لضريبة صراع الكبار في شرق الفرات. فأي تحرك للقوات الأمريكية لتعزيز نفوذها في وجه القوات الروسية ستكون قسد أول الدافعين لضريبته، تحديدا في ريف حلب الشمالي كونها الخاصرة الأضعف وبسبب كثرة الطامعين ببسط سيطرتهم عليها.