الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ريما خلف.. الصوت الحر بزمن التواطؤ الدولي

ريما خلف.. الصوت الحر بزمن التواطؤ الدولي

21.03.2017
ماجد توبة


الغد الاردنية
الاثنين 20/3/2017
ما الذي كان متوقعا من الأمينة العامة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) الدكتورة ريما خلف غير الاستقالة، بعد تبرؤ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من تقرير اللجنة الذي يدين إسرائيل ويقر بحقيقتها "دولة فصل عنصري (أبرتايد)"؟! وهل كان مطلوبا منها الاقتناع والقبول بدور شاهد الزور على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، أو تزييف الواقع تجاه هذه القضية؟!
المشكلة لدى البعض؛ محليا ودوليا، هو تنطح العديدين لمحاكمة الدكتورة خلف على استقالتها باعتبارها نوعا من المزايدة، فيما قفزوا عن محاكمة الكيان الإسرائيلي، الذي قدم تقرير "اسكوا" مرافعة قانونية وسياسية محكمة حول جرائم الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني التي يقوم عليها هذا الكيان الغاصب على مرأى ومسمع من كل العالم!
يحسب للدكتورة خلف وللخبيرين الأميركيين أستاذ القانون الدولي بجامعة برينستون ريشارد فولك وأستاذة العلوم السياسية في جامعة جنوب إلينوي فرجينيا تيلي، وضع وتبني هذا التقرير الدولي المهم، بالرغم من وأده في مهده بضغوط إسرائيلية وأميركية صارخة.
إذا كانت الأمم المتحدة قد تبرأت رسميا من هذا التقرير، الذي يضع الكيان الإسرائيلي في المكانة التي يستحقها وفق تصنيف القانون الدولي، فإن ذلك لا يقلل من أهمية التقرير، لأنه يعد أولا بمثابة "مرجعية بحثية ودراسة رفيعة المستوى وفق معايير القانون الدولي" بحسب خبراء، ولأنه يضاف أيضا إلى جهود ومواقف دولية عديدة، ملتزمة بأخلاقيات ومبادئ القانون الدولي والإنساني في تعاطيها مع الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.
نتحدث هنا مثلا عن الموقف الأوروبي المتقدم تجاه المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وإعلان مقاطعة منتجاتها، كما نتحدث عن تزايد حركة المقاطعة الأكاديمية في العالم والدول الغربية لجامعات إسرائيل وأكاديمييها، إضافة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2003 الذي وصف جدار الفصل العنصري الإسرائيلي بأنه "غزو بموجب القانون الدولي"، لسعي إسرائيل خلق واقع ميداني يعادل ضما لأراض فلسطينية محتلة بحكم الأمر الواقع، وهو قرار عززت قوته لاحقا محكمة العدل الدولية (لاهاي) العام 2004، التي أكدت في قرار لها عدم شرعية الجدار وضرورة تراجع إسرائيل عن بنائه وتعويض الفلسطينيين المتضررين جراء ذلك.
نعم، إن تقرير "اسكوا"، حتى لو تم تبنيه من قبل الأمم المتحدة رسميا، لم يكن ليؤثر مباشرة بوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وكان سينضم لسلسلة طويلة من القرارات والوثائق الدولية الشبيهة التي تدين الكيان المجرم، لكنه بلا شك يعرّي أكثر هذا الكيان الاحتلالي السرطاني، الذي لا يعبأ بالقانون الدولي، ويقوده اليمين المتطرف والمتحجر إلى مزيد من العزلة الدولية والأخلاقية والقانونية.
أعتقد أن الأمين العام للأمم المتحدة، ورغم رضوخه للضغوط وسحب اعترافه بتقرير "اسكوا"، فإنه لم يجد غير الضحك والابتسامة المرة وهو يستمع للسفير الإسرائيلي بالأمم المتحدة داني دانون، وهو يصرح مطالبا إياه بـ"التنكر تماماً لهذا التقرير الكاذب الذي يسعى إلى تشويه سمعة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"! ولا أستبعد أن غوتيريس ربما استذكر وهو يستمع لتصريح الدبلوماسي الإسرائيلي، قصة أول مبعوث دولي للسلام الكونت برنادوت الذي قتلته العصابات الصهيونية في القدس العام 1948.
الدكتورة ريما خلف لم تكن تسعى للافتراء على الكيان الإسرائيلي الغاصب، في التقرير المذكور، بل إنها، وأي مسؤول أممي أو باحث أكاديمي أو قانوني نزيه، لن يجد أي صعوبة في إسقاط توصيفات وبنود الجرائم التي تحويها القوانين والمواثيق الدولية على الحالة الإسرائيلية، بمختلف أوجه سياساتها وإجراءاتها العدوانية بحق الشعب الفلسطيني، في داخل فلسطين وفي خارجها.  
عندما يصمت الضمير العالمي عن جرائم آخر وأبشع احتلال في العالم، وعندما تتواطؤ مصالح دول عظمى ضد القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، يكون للأصوات الحرة للقلة من المسؤولين الأمميين، كالدكتورة خلف، وقع مدو، وبما يمنح ضحايا الفصل العنصري والفاشية الصهيونية الأمل بالإنصاف في يوم ما.