الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا وإيران في سوريا.. تناحر على بسط النفوذ و"إعادة الأمجاد" 

روسيا وإيران في سوريا.. تناحر على بسط النفوذ و"إعادة الأمجاد" 

04.10.2020
حسام جمّال


اسطنبول
سوريا تي في 
السبت 3/10/2020 
مع فشل التدخل الإيراني لإنقاذ نظام الأسد في سوريا، والذي لم يعد يمتلك سوى 20 بالمئة من الأراضي السورية، وافق البرلمان الروسي للرئيس فلاديمير بوتين في الـ30 من أيلول عام 2015 على استخدام القوات العسكرية خارج البلد لمكافحة "الإرهاب"، وتعهد الأخير أن يكون التدخل الروسي في سوريا لمدة تتراوح بين الثلاثة إلى أربعة أشهر، في مهمة مساندة نظام الأسد لـ "محاربة التنظيمات الإرهابية"، عبر تقديم الدعم الجوي للقوات البرية التابعة للنظام. 
وفي اليوم ذاته قصفت روسيا المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وخلافاً لمزاعم بوتين عن استهداف تنظيم "الدولة" تركزت أولى الغارات على مواقع المعارضة المسلحة في اللطامنة شمالي حماة، والرستن في حمص، وجسر الشغور بريف إدلب بالإضافة إلى عدة مناطق أخرى. 
وجود علني وآخر مقنّع 
مع بدء التدخل الروسي ساهمت موسكو جواً والميليشيات التابعة لطهران براً في مساندة النظام ومكنته من استعادة مساحات كان قد خسرها لصالح المعارضة المسلحة. 
وبدأت روسيا بتعزيز قاعدتها العسكرية في طرطوس التي أنشأتها في العام 1971 بموجب اتفاق بين سوريا والاتحاد السوفييتي، وفي الـ 18 من كانون الثاني 2017، وقع بوتين والأسد اتفاقية تنص على بقاء القاعدة في سوريا لمدة 49 عاماً، للتمديد تلقائياً لفترات متعاقبة لمدة 255 عاماً. 
وأنشأت روسيا قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية والتي تعد من أهم قواعدها في سوريا، لتستخدمها مركزاً لانطلاق عملياتها العسكرية لمدة 49 عاماً بموجب اتفاق أبرمته مع الأسد، والذي يخولها تمديده  لمدة 25 عاماً آخر. 
ولم يختلف الفكر الإيراني عن روسي بإنشاء قواعد عسكرية في سوريا حيث بدأت بإنشاء قواعد عسكرية لها في سوريا، قاعدة "الإمام علي" والتي تُعد من أكبر القواعد العسكرية لإيران في البلد، والتي أقامتها في منطقة البوكمال قرب الحدود العراقية، بالإضافة إلى قاعدة "البيت الزجاجي" في منطقة الكسوة والتي تعد المقر الرئيسي لقيادة أعمال الحرس الثوري الإيراني، وواصلت إيران على غرار روسيا بإنشاء قواعد لها في سوريا كقاعدة الشعيرات والـ "T4 "حتى وصل عدد القواعد العسكرية في سوريا إلى 16 قاعدة تركزت وسط سوريا، وفي الجزء الجنوبي من البادية من شرقها حتى غربها ومحيط دمشق. 
وبحسب ما صرح به الدكتور خالد المسالمة المختص في الشأن الإيراني لموقع تلفزيون سوريا، أن "هناك وجود عسكري إيراني في سوريا، علنياً ومقنّعاً، تحت غطاء الفرقة الرابعة، والفرقة التاسعة، والفرقة الخامسة، والتي تنتشر في أغلب المناطق السورية، وفي معظم مواقع وثكنات النظام العسكرية". 
الأول سياسي والآخر عقائدي.. أهداف مشتركة لـ "إعادة الأمجاد" 
أهداف روسيا وإيران تتطابق في سوريا وهي الهيمنة وبسط النفوذ، حيث رأت روسيا من سوريا فرصةً لإعادة مكانتها السياسية والعسكرية بعد بقائها مبعدة كقطب سياسي وعسكري عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث تمكنت أن تكون اللاعب الرئيس في الملف السوري على المستوى السياسي والعسكري، والأمر لا يختلف عند إيران التي وجدت عبر مساندتها للأسد فرصة لبسط نفوذها على سوريا وتحقيق حلمها المعلن وهو الهلال الشيعي إلا أن الهدف أبعد من ذلك وهو "إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية. 
وهذا ما أكده المختص في الشأن الإيراني الدكتور خالد المسالمة في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن "هدف إيران من التدخل العسكري في سوريا هو وقف انهيار النظام والذي يحقق لها مشروع الهيمنة الفارسية على المنطقة العربية، في العراق، وبلاد الشام، والجزيرة العربية، عبر ربط مناطق النفوذ الفارسية في التجمعات الشيعية المتعددة، وخاصة في العراق ولبنان، وسوريا". 
وأكد الإعلامي والمختص في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف لموقع تلفزيون سوريا، أنه "لا يمكننا الحديث عن التدخل الروسي في سوريا إلا بالعودة إلى تاريخها، وهو وجود النزعة الإمبراطورية عند الروس ورغبتهم في التحكم بالدول والشعوب، وهذا ما حققته خلال الحقبة السوفييتية، وعند انهيار الاتحاد شعر الروس بالتقوقع وتقلصت سيطرتهم وهذا الأمر لا يرضي النزعة الروسية". 
وأضاف أنه "عند ضم بوتين شبة جزيرة القرم إلى الاتحاد السوفييتي عقب اشتعال الثورة الأوكرانية والتي أطاحت برجل موسكو الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا والتي أدت إلى تدهور سعر الروبين الروسي إلى النصف، حيث وجد بوتين التدخل في سوريا منفذاً لانتزاع بعض التنازلات الأوروبية ". 
ولاقت روسيا من سوريا فرصة للاستفادة من موقعها المتوسط بين القارات، والذي يجعلها عقدة الأهداف الجيوسياسية الروسية طويلة الأمد في المنطقة، وهذا ما مكنها من فرض نفسها لاعباً أساسياً في الملفات الدولية. 
وتوافق اليوسف والمسالمة على أن "هدف إيران نشر (التشيّع) في سوريا هو صحيح جزئياً، ولكنه ليس سوى غطاء ووسيلة لتحقيق هدفها بسيطرتها على العرب، وإعادة الأمجاد الفارسية". 
45 ميليشيا تابعة لإيران في سوريا 
التدخل العسكري الإيراني المباشر في سوريا بدأ عبر إرسال الخبراء العسكريين لدعم الأسد في العام 2011، وانتقل إلى مرحلة إرسال فرق عسكرية من الحرس "الثوري الإيراني" وميليشيات عراقية، وميليشيا حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى الميليشيات الأفغانية عام 2012 بشكل غير معلن، وانتقل هذا التدخل إلى مرحلة الإعلان عن المشاركة مع قوات النظام في محاربة المعارضة المسلحة عام 2013، وهو العام الذي بدأت فيه الميليشيات الإيرانية تشهد خسائر بشرية، وأسندت إيران شرعية تدخلها في سوريا إلى اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة مع النظام في العام 2006. 
وربطت إيران تدخلها في الجانب الديني من خلال دعوتها للمتطوعين لحماية الأضرحة "الشيعية" في سوريا أوائل أيار 2013. 
ووصل عدد المليشيات التابعة لإيران التي دخلت سوريا إلى نحو 45 فصيلاً، جميعها بإدارة فيلق القدس الفرع الخارجي للحرس الثوري الإيراني والذي كان قائده قاسم سليماني الذي قُتل بغارة أميركية في كانون الثاني 2020 قرب مطار بغداد الدولي. 
موسكو تساند سياسياً وتشترك مع إيران في نقض الاتفاقيات 
لم تتدخل روسيا في سوريا عسكرياً منذ اندلاع الثورة السورية بشكل مباشر وإنما انحصر موقفها على المساندة السياسية عبر استخدامها حق "الفيتو" لتعطيل القرارات الدولية ضد الأسد، لكنها في العام 2015 وعند تدخلها في سوريا عسكريا أنقذت النظام من السقوط حيث أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أنه لولا التدخل الروسي في سوريا لكان النظام قد سقط، وأشار اليوسف أن "روسيا مكنت النظام من استعادة مساحات واسعة من الأراضي التي خسرها". 
وأضاف اليوسف أن "إيران وروسيا تسعيان لإبقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه وتثبيت النظام حتى تتمكنا من تمرير ما ترغبان به عبر هذا النظام المسلوب الإرادة والذي سيوقع كل ما يطلب منه". 
وأجهضت روسيا عبر استخدامها حق النقض "الفيتو" قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدين الأسد وتجرمه، حيث عطلت روسيا في العام 2011 عبر استخدامها حق "الفيتو" قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على النظام لاستخدامه العنف ضد شعبه. 
واستمرت باستغلال حقها بالنقض "الفيتو" وبمشاركة الصين لحماية الأسد من العقوبات الدولية، ليصل عدد "الفيتو" الذي استخدمته روسيا لإنقاذ النظام من العقوبات الدولية إلى 15 مرة، وكان آخرها في تموز الماضي عندما عطلت مشروع قرار أممي يقضي بتمديد العمل عبر آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا لمدة عام. 
لم تُحيّد إيران نفسها عن المفاوضات السياسية بجانب روسيا حيث وقّعت بجانب روسيا مع تركيا في أيار من العام 2017 اتفاق أستانا الذي يقضي بإنشاء مناطق خفض تصعيد في سوريا، قُسمت على أربع مناطق، لكنها وروسيا نقضتا الاتفاق من الساعات الأولى من عقده، من خلال قصف النظام للمناطق التي ضمها الاتفاق، ويتجدد بند خفض التصعيد في جميع الاجتماعات التي تعقد بين الأطراف الثلاثة والتي كان آخرها في حزيران الماضي. 
تعارض في المصالح 
أكد الإعلامي نصر اليوسف أن تعارض المصالح لكلا الدولتين في سوريا "سببه توسع واحدة على حساب الأخرى، فكلما توسعت إحدى الدولتين في سوريا وتمكنت من الحصول على مساحة جغرافية أكبر أو امتيازات سياسية واقتصادية أكثر من الأخرى ينشب خلاف بينهم لأن هذا التوسع سوف يتعارض مع مصالح الطرف الآخر، ويصل الاختلاف في المصالح وتقاسم الكعكة السورية إلى الاشتباك بين الطرفين بشكل متقطع في عدة نقاط". 
وقال الدكتور خالد المسالمة إن "الطرفين الإيراني والروسي، يحتاج كل منهم إلى الآخر من حيث الوجود العسكري، فإيران تغطي حاجة النظام للجنود والقوات البرية التي يفتقدها، وروسيا تتكفل بالتغطية الجوية لقوات النظام والميليشيات التابعة لإيران برياً، ووفق هذا لا يستطيع أي طرف الاستغناء عن الآخر". 
"والخلاف بين روسيا وإيران يكون حول درجة التأثير السياسي على النظام، وكم التأثير المسموح به لكل طرف، وممارسته على مؤسسات النظام وشخوصه، بالإضافة إلى السيطرة على مؤسسات النظام والنفوذ والهيمنة وعلى القرار الاقتصادي في سوريا"، بحسب ما أفاد به المسالمة. 
روسيا قطب عالمي والخسائر من نصيب إيران 
يرى الدكتور نصر اليوسف أن "روسيا لم تتكبد أي خسائر تذكر على المستوى البشري والعتاد خلال تدخلها في سوريا ولم تُفرض عليها أي عقوبات بسبب سوريا، والعقوبات التي كانت مفروضة عليها سببها ضمها لجزيرة القرم" مضيفاً أنه "لا يمكننا الحديث عن مقتل بعض الجنود وإسقاط بعض الطائرات بأنها خسائر، فهذه تعد لا شيئا أمام المكانة التي عادت بها موسكو عبر سوريا إلى الساحة السياسية الدولية، كقطب عالمي". 
أما إيران كان لها نصيب كبير من الخسائر من جراء تدخلها في سوريا على عكس روسيا، وفق ما أفاد به الدكتور خالد المسالمة حيث أكد أن "إيران وميليشياتها تكبدت خسائر مادية وبشرية كبيرة في سوريا، رغم عدم الإعلان عنها من الطرف الإيراني، لكن التقديرات تشير إلى خسارة إيران ما يقارب سبعة آلاف قتيل، بينهم 17 ضابطاً برتبة لواء وعميد، وثلاثة آلاف قتيل من ميليشيا حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى خمسة آلاف قتيل من الميليشيات العراقية كـ ميليشيا"زينبيون" و"عصائب أهل الحق"، وألفي قتيل أفغاني، وأضعاف هذه الأرقام من الجرحى.