الرئيسة \  تقارير  \  روسيا وأميركا والغرب في 2022.. هذه سيناريوهات المواجهة واحتمالات التسوية

روسيا وأميركا والغرب في 2022.. هذه سيناريوهات المواجهة واحتمالات التسوية

04.01.2022
فهيم الصوراني


فهيم الصوراني
الجزيرة
الاثنين 3/1/2022
موسكو- تودع روسيا عام 2021 مثقلة بما يمكن وصفه بأنه "عبء" جيوسياسي جديد، يتمثل في توسع رقعة الخلافات مع الغرب ووصولها للأجواء التي رافقت ما يعرف بـ"أزمة الكاريبي"، ذروة النزاع بين موسكو والغرب في القرن الماضي.
فلأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة بينهما، شهد العام المنصرم أعلى منسوب في تردي العلاقات بين الجانبين، إذ تجاوز حدود العقوبات ووصل إلى مستوى غير معهود من الحديث بلغة التهديد العسكري المتبادل.
وروسيا واحدة من أكثر دول العالم تأثرا بـ"البيئة الدولية" والأوضاع في البلدان المجاورة، نظرا للطول الهائل لحدودها، ومساحتها الكبيرة، وطبيعة تركيبتها السكانية، وحساسية فضائها الجيوسياسي.
"العقدة" الأوكرانية
وشكلت الأزمة الأوكرانية وقضية توسع حلف الناتو -تحت غطاء هذه الأزمة- أهم التناقضات بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العام الحالي، بكل ما تحمله من عواقب سياسية واقتصادية محتملة، مما يطرح تساؤلات حول احتمالات المواجهة بينهما، أو -على العكس- إمكانية التغلب على الخلافات، ورسم آفاق جديدة للعلاقات الروسية الغربية.
وهذا هو السؤال الذي تحاول الجزيرة نت الإجابة عنه، من خلال آراء خبراء ومحللين سياسيين روس:
هل سيكون 2022 عام "حلحلة" الأزمات بين روسيا والغرب، أم سيشهد مزيدا من التصعيد؟
يعتقد الباحث في المجلس الروسي للعلاقات الدولية ديمتري سوسلوف أن العام المقبل سيشهد تراجعا "ملموسا" في التصعيد الأميركي الروسي، ووقف تدحرج عجلة التهديد بـ"المواجهة"، رغم الحرب الإعلامية "الشرسة" التي تواصل شنها وسائل الإعلام الغربية ضد موسكو، بفعل الأزمة الأوكرانية.
عين على الصين
ويرى سوسلوف أن ثمة سببا موضوعياً مهماً يقف وراء ذلك، يتعلق بحاجة الإدارة الأميركية لتركيز أقصى قدر من الموارد والاهتمام على "الحرب" ضد الصين، بأبعادها الاقتصادية والجيوسياسة، ولإضعاف الاتجاه نحو مزيد من التقارب المتعدد المجالات بين موسكو وبكين.
وبرأيه، هذا هو السبب الرئيس وراء شروع إدارة الرئيس جو بايدن في بدء مسار لتحقيق الاستقرار في المواجهة مع روسيا، والذي يمكن أن تبدأ أولى نتائجه في الظهور خلال اللقاء المقرر بين الجانبين في 10 يناير/كانون الثاني الجاري في جنيف، وسيركز على ملفي الأسلحة النووية والأزمة الأوكرانية، و"تنتظره واشنطن بفارغ الصبر"، بحسب وصف سوسلوف.
ومع ذلك، يوضح الباحث أن واشنطن ستقوم بالحفاظ على "أدوات الردع" الحالية (العقوبات، وحرب المعلومات، ودعم الحكومتين الحاليتين في أوكرانيا وجورجيا وتوجههما الأوروبي الأطلسي، وغيرها)، لكنها لن تذهب إلى زيادة نوعية في دعم كييف وتبليسي، وستسعى لمنع ما يمكن أن يؤدي إلى تصعيد جديد للنزاع العسكري في دونباس أو في القوقاز.
قنبلة موقوتة
لكن الخبير العسكري قسطنطين سوسلوف يبدو أقل تفاؤلا، ويرى أن النزاع العسكري يمكن أن يندلع بين روسيا والغرب في أي لحظة.
ويوضح أن الأوضاع الناشئة حاليا يمكن فيها بالفعل إطلاق العنان لنزاع عسكري في المستقبل القريب، ولا سيما في ضوء المعلومات التي تفيد بوجود قوات خاصة بريطانية وألمانية بالقرب من بردنستروفيا، مما قد يكون تمهيدا لمحاولة اجتياحها.
وبناء عليه، يقع على عاتق القيادة الروسية مهمة منع نشوب صراع عسكري هناك، لأن الوضع الآن يتجه نحو ذلك.
وبحسب قوله، فإن تأكيد بوتين أن روسيا تمتلك "قوات مسلحة حديثة قادرة على مقاومة المعتدي"، وفي نفس الوقت مناشدة الدول "التي يوجّه إليها هذا النداء للاستجابة للمقترحات الروسية للمصالحة"، يشهدان على وجود مخاوف جدية لدى موسكو من احتمال شنّ أعمال عسكرية في المستقبل في أماكن قريبة منها، أو من محاولات جرّها للقيام بعمل عسكري.
في حال تراجع خيار المواجهة، كيف سيكون مستقبل العقوبات؟
يرى المحلل السياسي نيكولاي غرايفسكي أن الولايات المتحدة ليست لها مصالح مهمة في أوكرانيا، وليست للغرب عموما أية مصلحة في الحرب بسببها، لكنه (الغرب) ينطلق من قناعة بأن التفاوض مع روسيا يجب أن يكون من موقع القوة، والتهديد بالعقوبات.
لغة القوة
وبالحديث عن صياغة موسكو لمطالبها بخصوص الضمانات الأمنية، يشير إلى أن عضوية جورجيا وأوكرانيا في حلف الناتو لم تترك مجالا كبيرا للمناقشات البناءة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، متوقعا أن تقترن الجهود الدبلوماسية -من خلال منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو صيغة نورماندي- بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية ومالية جديدة على الكرملين.
لكن رئيسة مركز دراسات العقوبات يكاترينا أرابابوفا، تؤكد أنه لن يكون هناك تصعيد في "تواتر" العقوبات ضد روسيا في عام 2022، فالدول -بحسب رأيها- مهتمة بالتعافي من الأزمة الاقتصادية التي أثارها وباء كورونا.
لكن ذلك، بحسب ما توضح أرابابوفا "لا يعني تخلي واشنطن عن هذه الآلية، كونها تدرك فعاليتها، وعدم وجود أدوات حقيقية لمواجهتها، بسب النظام النقدي الأحادي القطب وهيمنة الدولار".
 ما الدور الذي يلعبه الصراع الروسي الأطلسي واحتمال تفاقمه في العام القادم في إحداث مزيد من التقارب بين موسكو وبكين؟
يؤكد أستاذ التاريخ والسياسة بجامعة موسكو فلاديمير شابوفالوف، أن "السياسة العدوانية" للغرب لعبت دورا مهما في التقارب الروسي الصيني، وفي أكثر من مجال بما فيها العسكري.
ويشير إلى أن روسيا كانت من أوائل الدول التي تحدثت عن "أوراسيا" كمساحة توحدها أهداف مشتركة، وهو ما انعكس في إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وأوراسيا الكبرى، وهي المنطقة الحيوية بالنسبة للصين، وتضم أهم شركائها السياسيين والاقتصاديين.
في خندق واحد
بناء عليه، ونظرا لمصلحة الجانبين الروس والصيني في استقرار هذه المنطقة، سيجدان أنفسهما في "خندق واحد" أمام خصم مشترك.
ويتابع في هذه السياق، أن "المزاعم" المتعلقة بالتهديد الصيني والروسي تجدها في كل وثيقة تقريبا خاصة بالقضايا الإستراتيجية للسياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، وموضوعا للنقاش على المستوى الدولي.
في المقابل، ستؤثر العلاقة بين موسكو وبكين بشكل متزايد على المصالح الأوروبية وعبر الأطلسي في قضايا الأمن والاقتصاد، ولهذا السبب سيصبح العام 2022 -برأيه- عام محاولة الساسة الأوروبيين وقف انجراف روسيا إلى أحضان الصين.
المصدر : الجزيرة