الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا وأميركا... طلاقٌ قبل اللقاء 

روسيا وأميركا... طلاقٌ قبل اللقاء 

07.06.2021
هادي جان بو شعيا


النهار العربي 
الاحد 6/6/2021  
من البديهي القول إن ملفات خلافية كثيرة تحكم شكل العلاقة بين موسكو وواشنطن لتتعدّى اليوم ميادين السياسة إلى أروقة الاقتصاد. 
وفي خطوة استثنائية كشفت روسيا النقاب عن نيّتها تصفية استثمارات الدولار ضمن صندوقها السيادي والعمل على استبدالها باليورو والذهب واليوان، ما شكل خطوة تضاف الى أخرى مماثلة اتخذها البنك المركزي الروسي وتأتي قبيل أسبوعين فقط من قمة "بايدن - بوتين" المرتقبة في جنيف. 
 يقودنا ذلك لطرح جملة تساؤلات: إلى أي مدى سيؤثر القرار الروسي على قيمة الدولار الأميركي وتداولاته في الأسواق العالمية؟ وهل تسعى روسيا إلى تحقيق استقلالية مالية واقتصادية بعيداً من الدولار الأميركي؟ أم أن المساعي تدور فقط في فلك الضغوط على واشنطن لتحسين شروطها التفاوضية في بعض الملفات الخلافية قبيل القمة المزمع عقدها في 16 من الشهر الجاري؟ 
ليس جديداً القول إن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لا تلتقيان وتسيران على طريق الخلاف العلني والمباشر، فيما تختار الأخيرة التصعيد الاقتصادي المتمثل بقرار صندوق الثروة السيادية. ذلك أن القرار يأتي بعد تهديد أميركي سابق بفصل موسكو عن نظام التحويلات المصرفية الدولية SWIFT. 
بعدما ضاقت ذرعاً بإمعان الولايات المتحدة الأميركية في فرض العقوبات عليها، الواحدة تلو الأخرى، قرّرت روسيا قلب الطاولة عبر اتخاذ قرار جديد يقضي بالتخلص من نحو 40 مليار دولار أميركي. 
 يذكر أن 35 في المئة من إجمالي الصندوق السيادي البالغ حجمه 186 مليار دولار ستعمد روسيا إلى إعادة توزيعها في أصول أخرى على غرار الذهب واليورو واليوان الصيني. 
كان لافتاً ما قاله وزير المالية الروسي انطون سيلوانوف، على هامش منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، "إن تلك التغييرات يمكن توقعها في غضون شهر من الآن"، فيما تأتي الخطوة مدفوعة بقرارات فرض عقوبات على مؤسسات وأفراد روس. لكن القرار ليس وليد اللحظة، ذلك أن روسيا أعلنت في أكثر من مناسبة، خلال الأعوام الأخيرة، نيتها التخلّي عن اعتماد الدولار في اقتصادها تجنّباً للعقوبات. 
 على الرغم من كل ذلك، فإن الإعلان عن القرار قد يشي بحدوث أزمة حقيقية، خصوصاً أن الدولتين على بعد 11 يوماً فقط من اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. إذ من المتوقع أن يضع الطرفان ملفات عديدة ومتشابكة، لكن النتيجة غير معروفة حتى الآن أو كما صرّح المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن القمة مهمة للغاية لكن المبالغة في التوقعات أمر خاطئ. 
الملفات عديدة والخلافات لا تقلّ عنها ما يظهر التباين في وجهات النظر بين واشنطن وموسكو، وهذا التباين يبدأ في ملفات مثل النووي الإيراني، فضلاً عن الصين وأزمة كورونا ويعرّج بثقله على الهجمات السيبرانية التي تتهم واشنطن موسكو بتنفيذها وقد لا تنتهي حول النفوذ في أوكرانيا وبيلاروسيا والشرق الأوسط والقطب الشمالي ومناطق أخرى من العالم، حيث يتناحر فيها كلا القطبين على توسيع ما وضعاه في موطئ قدميهما. 
 صحيح أن القمة قد تكون قريبة، لكن التقارب بعيد نظراً لحذر الطرفين في توقعاتهما، فيما يقول البيت الأبيض إن كل الملفات مطروحة للنقاش ويقابله وصف الكرملين للتحركات الأميركية على أنها تدخّل في شؤونه السيادية. 
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو حظ السياسة من الاقتصاد وأيهما الأغلب في هذه الخطوة التي سمّيَت بالطلاق الروسي للدولار؟ 
في علم الاقتصاد السياسي، هناك قاعدة معروفة تفيد بأنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، خصوصاً أن ما تعتزم روسيا القيام به يعكس جدلية استراتيجية تمثّل ردّاً استراتيجياً من قبل الكرملين، ضمن ما تعيشه العلاقات الثنائية من مدّ وجزر، منذ شهر نيسان (أبريل) الماضي، عندما قررت الولايات المتحدة ومجموعة من الدول الأوروبية فرض عقوبات اقتصادية على روسيا. ما يبرز سعي الكرملين لليّ ذراع أميركا وتوجيه رسالة قوية باتخاذ إجراء غير مسبوق ينطوي على مفهوم جديد في الاقتصاد العالمي وهو اجتثاث الدولار الأميركي من المنظومة الاقتصادية الروسية Dedollarisation. 
وتجب الإشارة هنا إلى أن أهمية المسألة لا تنحصر بالتخلص من الدولار، بل ذلك يخفي في ثناياه توجّهاً دفيناً لدى كل من روسيا والصين وإيران لمحاولة الخروج من دائرة الدولار برمته. ما يؤسس لمنظومة شرقية تحاول أن تتجاوز قيمة الدولار وأهميته على الصعيد العالمي. 
الجدير ذكره في هذا الإطار، أن مساعي كهذه سبق وأن بدأت مع الصين منذ عام 2014 والتحقت بها موسكو في ما بعد. كما أنه سبق ولوّح فلاديمير بوتين بهذه الخطوة على الأقل مع الاتحاد الأوروبي حين تأزمت العلاقات بسبب جزيرة القرم واستحواذ روسيا عليها، إلا أنه عاد اليوم ليمارس الضغط مستخدماً الورقة ذاتها إزاء واشنطن. 
لا شك في أن الخطوة الروسية هذه تنطوي على مجموعة من التحديات التي يرفعها بوتين بوجه بايدن بهدف دفع واشنطن للتراجع عن منطق العقوبات. لكن، في الوقت نفسه ينبغي التأكيد على مسألة في غاية الأهمية ألا وهي تلويح الكرملين باجتثاث الدولار من صندوق الثروة السيادي لن يجد طريقه إلى التنفيذ عملانياً على الصعيد الدولي وذلك مردّه لسببين إثنين: 
أولاً، الجميع يعلم أنه عند إنشاء الاتحاد الأوروبي بدأ التبشير بعملة اليورو كونها ستكون البديل للدولار الأميركي وهذا ما لم يحدث. 
ثانياً، إن غالبية الشركات التي تخوض غمار مجالات النفط والتكنولوجيا بمعنى أن الاقتصاد التقليدي والمعاصر (الرقمي) يرتبطان في شكل وثيق وعضوي بنظام SWIFT ومن خلفه نظام الدولار والبنوك الأميركية على اختلاف ارتباطاتها في شتى العواصم الآسيوية والأفريقية والأوروبية وسواها. 
 في المحصلة، قد نسمع الكثير الآن عن القطيعة أو ما يشبهها بين روسيا وأميركا تحديداً في ما يتعلق بالدولار الأميركي، لكن ربما بعد القمة المرتقبة قد تتراجع هذه الموجة ويسود نوع من التوافق، بمعنى أن القرار الروسي قد يؤدي إلى اضطرابات لأيام معدودة وذلك مردّه ليس لقيمة الأموال والأصول الأميركية التي تحاول روسيا التخلص منها وإنما لأن عالم المال والأعمال لا يحبّذ مثل هذه المناورات. ولكن على المديين المتوسط والبعيد ستعاود الأسواق حركتها مع عودة ارتفاع المؤشرات العالمية الكبيرة وعلى رأسها داو جونز وغيرها لينعكس انتعاشاً أيضاً في قيمة الدولار الأميركي في الأسواق العالمية. باختصار يمكن القول إن العاصفة الروسية الرامية لإرباك سوق الدولار ستكون عبارة عن زوبعة في فنجان.