الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا تسوّي خلافاتها مع أنقرة بالتصعيد في إدلب

روسيا تسوّي خلافاتها مع أنقرة بالتصعيد في إدلب

06.05.2019
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 5/5/2019
بدأت قوات النظام السوري، مدعومة بغطاء جوي روسي، حملة عسكرية عنيفة في إدلب، وُصفت بالمحدودة، كونها تطال مناطق في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، أي المناطق المشمولة باتفاق المنطقة منزوعة السلاح، الذي عقد في سبتمبر الماضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي. وذلك وسط صمت تركي، ومخاوف أوروبية، وتحذيرات أميركية لروسيا من حصول كارثة إنسانية في إدلب، بعد تهجير قرابة 200 ألف مدني وقتل وجرح أكثر من 350، خلال ثلاثة أشهر من الحملة الأخيرة.
لا يزال حل ملف الجهادية معقّدا، خاصة على الطرف التركي المعني به؛ فطرد قرابة 15 ألفا من الأجانب المتشددين هو أكبر تلك التعقيدات، مع رفض دولهم استقبالهم، كما تفعل مع مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم المحتجزة لدى قوات سوريا الديمقراطية. وتطويع تنظيم هيئة تحرير الشام أيضا من الملفات الشائكة، كونها مسيطرة على 90 بالمئة من المنطقة، وتشترط الإشراف على الدوريات الروسية – التركية المشتركة، الأمر المرفوض كليّا من روسيا.
لكن تركيا بدورها لم تقم بخطوات عملية في حلّ ملف الفصائل، وتطبيق اتفاق سوتشي حول إخلاء المنطقة العازلة من السلاح الثقيل والجهاديين؛ فهو ليس من الملفات الملحّة بالنسبة إليها، كما حال روسيا. وبالعكس، بعد عقد الاتفاق في سبتمبر الماضي، سمحت أنقرة لهيئة تحرير الشام بالسيطرة شبه الكاملة، مما عقّد الوضع، في خطوة منها لتشكيل ورقة ضغط على روسيا تستخدمها في ملفات أكثر أهمية بالنسبة إليها من إدلب؛ وهو ما تفعله اليوم بخصوص تل رفعت، لدفع موسكو إلى القبول بتسيير دوريات مشتركة فيها.
بقاءُ الجهاديين في المنطقة العازلة شكّل حجة لروسيا لفرض بنود الاتفاق بالقوة. لكن موسكو مقيّدة في حملتها هذه: بحدود المنطقة العازلة، وبرفض أميركي وأوروبي مساند للموقف التركي، وبتأمين حشد بري يقتصر على الفيلق الخامس وقوات النمر، لمواجهة أكثر من 30 ألف مقاتل من المعارضة، من المتوقع توحدها (المعارضة) ضد أي هجوم بري، خاصة مع تململ الحاضنة الشعبية للنظام بسبب سوء الوضع المعيشي، وعدم استعدادها لتقديم المزيد من الضحايا، ومصلحة الاحتلال الروسي. وكذلك رفضت إيران الطلب الروسي بمشاركة ميليشياتها، حيث لم تعد لطهران مكاسب في إدلب، بعد أن أقصتها روسيا عن مناطق الغاب وريف حماة، وسيقتصر دورها على المراقبة.
وبذلك اقتصرت الحملة، التي تزامنت مع عقد جلسة جديدة من مؤتمر أستانة، على الضربات الجوية، واستهدفت بشكل مكثف المدارس والمنشآت الصحية والمناطق السكنية، لتشكيل ضغط من الحاضنة الشعبية على الفصائل الرافضة لمشاركة روسيا في الدوريات المشتركة مع تركيا، تنفيذا لاتفاق سوتشي، بإخلاء المنطقة العازلة، وبعمق 15-20 كم، من السلاح، ومن الفصائل، وتفضّل روسيا خلوّها من السكان أيضا.
روسيا تريد منطقة ريف حماة الشمالي والشرقي والغربي وريف إدلب الجنوبي خالية من الفصائل غير المنضبطة، وغير الخاضعة لإمرة تركيا، لتأمين محيط قاعدة حميميم من استهدافات المعارضة المتكررة؛ وذلك استكمالا لما قامت به في ريف حماة الشرقي ومنطقة الغاب، في مناطق سيطرة النظام، بجعلها مناطق نفوذ خالصة لها، وخالية من التواجد الإيراني، حيث تقيم فيها معسكراتها، وقد طردت سكان قريتي بريديج والجرنية، لإقامة قاعدة عسكرية لها تدعم الخطوط الأمامية.
وإضافة إلى هيئة تحرير الشام، هناك جيش العزة، العامل في إدلب، والمدعوم أميركيا، يعلن رفضَه تسيير دوريات روسية- تركية في المنطقة العازلة، في موقف يبدو أنه إرباك أميركي إضافي لروسيا في تحقيق مكاسب ميدانية، وتعزيز مواقعها العسكرية.هذا عدا الإرباك الأكبر بتراجع الولايات المتحدة عن الانسحاب الكلي من شرق الفرات، وتريد روسيا أن يستعيده النظام، للاستفادة من ثرواته، ومن الاستثمارات وعملية إعادة الإعمار.
وفوق ذلك أوشك الطرفان التركي والأميركي على التوصل إلى اتفاق بشأن المنطقة الأمنية شمالي شرقي سوريا، بعد لقاء خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي مع جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، والذي من المتوقع الإعلان عنه فصوله بعد شهر، حيث يجري التوافق على العمق الذي ترغب تركيا في التوغل به. الأمر الذي يزعج روسيا ويحفّزها على الضغط على تركيا لتحصيل مكاسب روسية شرقي الفرات.
الولايات المتحدة دعمت، من الخلف، اتفاق المنطقة منزوعة السلاح، ودعمت المشاركة الأوروبية في قمة إسطنبول الرباعية بين تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، لتثبيت الاتفاق. وبالتالي بات الاتفاق دوليا، ما يعني التزام الطرفين الروسي والتركي به.
أما الفصائل الرافضة لتسيير دوريات روسية في المنطقة، أي هيئة تحرير الشام وجيش العزة، عدا حراس الدين والحزب التركستاني، وحتى الفصائل الموافقة والتابعة لتركيا، من الجيش الوطني والجبهة الوطنية، فكلها لا تأمَن الجانب الروسي، ولا تريد حصرها في منطقة ضيقة شمالا، لأن ذلك سيهدد تحصيناتها التي بنتها خلال أشهر.
كما أن المضي في تنفيذ البند المتعلق بتسيير دوريات روسية- تركية في المنطقة منزوعة السلاح، سيعني الانتقال إلى الخطوة اللاحقة، وهي فتح الطرق الدولية. فتح طريق دمشق- حلب لا يشكل خطرا كبيرا على الفصائل، بعد سيطرة الروس على شرقي السكة في 2016، بعد اتفاق أستانة 4؛ لكن الخطورة تكمن في فتح طريق اللاذقية حلب، فهو سيعني سيطرة روسيا على منطقة جسر الشغور، وبالتالي محاصرة مناطق المعارضة في جيب صغير يسهل اقتحامه.
يظلّ ملف إدلب الأكثر تعقيدا في سوريا؛ ورغم أنها (إدلب) لا تشكّل مطمعا كبيرا للأطراف الفاعلة، كونها لا تحوي ثروات نفطية، وليست ثقلا في ملف إعادة الإعمار، لكن تجميع مقاتلي المعارضة على اختلاف أجنداتهم، ووجود متشددين أجانب، واحتوائها على قرابة 4 مليون مدني بينهم نازحون من مختلف المناطق السورية التي سلمت للروس والنظام، كلها عوامل تجعلها منطقة لتسوية الصراعات وتشكيل ضغوط متبادلة بين الأطراف الفاعلة في الساحة السورية، لتحصيل مكاسب في ملفات أخرى، بحيث يبدو أن حسم مصير إدلب النهائي مرتبط بالوصول إلى تسوية سياسية نهائية، تحدّ من الصراعات الدولية والإقليمية على الأراضي السورية.
وحتى الوصول إلى تلك التسوية سيظل السوريون في إدلب يدفعون باهظا، ثمن رغبة الفصائل الجهادية وغيرها في فرض أجنداتها بالقوة، وثمن الطريق الوعر للوصول إلى تسويات دولية بشأن سوريا.