الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا المصدرة للنفط والقمح.. تشارك في الجريمة فقط 

روسيا المصدرة للنفط والقمح.. تشارك في الجريمة فقط 

17.07.2021
فاطمة ياسين


سوريا تي في 
الخميس  15/7/2021 
رغم ما يثيره مصطلح القطاع العام من امتعاض وما يستحضره من فساد وسوء إدارة وهدر، فإن هذا القطاع هو في الواقع مصدر دخل نصف السوريين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها جيش بشار الأسد وحلفائه، حيث يعيش السكان جميعا علاقة الرعية بالحاكم الذي يؤمِّن تعطفه وتلطفه مستلزمات مهمة لتسهيل حياتهم، ولكن هذا الحاكم خاض مغامرات على مدى عشر سنوات جرّت ويلات وكوارث على هذا القطاع العام، هوت به إلى مستويات مالية متدنية وسببت للسكان حالة فقر تصل إلى مرحلة التضور، وحين وصل الجوع مستويات عصية على القياس، قرر رأس النظام أن يلعب دور الحاكم الصالح، فرفع بما يمتلكه من سلطة معدلات أجور الشعب الذي يربض على صدره بقوة، ولكن وبشكل آلي وبتناغم سوقي ارتفعت أسعار الأساسيات مرة أخرى. تبدو الزيادة التي قدمها الحاكم في منتهى السخف والضآلة، بما يعني وبلغة اقتصادية فصيحة أن الزيادة كانت مجرد فخ، تجبر الحكومة فيها الشعب على دفع كل الفواتير المطلوبة، وفي حالة العجز فعليه بكل بساطة أن يجوع ويصبر على الجوع. 
قرر رأس النظام أن يلعب دور الحاكم الصالح، فرفع بما يمتلكه من سلطة معدلات أجور الشعب الذي يربض على صدره بقوة 
المشكلة الاقتصادية التي وضِع السوري فيها ذات وجهين، الأول هو المقدرة الشرائية المنخفضة، فواقعيا هناك كثير من السلع التي يحتاجها السوري في حياته اليومية موجودة ومعروضة بأناقة وزخرفة على واجهات المحال، ولكن ما يملكه الشخص غير كاف لشرائها، فالأسعار حلقت عاليا وأصبح اللحاق بها حلما عسيرا، أما الوجه الثاني فهو مشكلة عدم توفر سلع أخرى، وهناك منها ما لا يمكن الاستغناء عنه، وهو غير موجود في الأسواق، بل في أماكن محددة، وتسيطر الحكومة على توزيعه وتسعيره، ولتظهر هذه الحكومة عدلا في توزيع البؤس اخترعت لهذا النوع من السلع حلا يسمى البطاقة الذكية، وتقوم هي باختيار المواطن المحظوظ الذي سيحصل على سلعته العزيزة وبسعر قد يمكن توفيره، ولكن هنا تلعب آليات القطاع العام الحصرية المتعلقة بالفساد وسوء الإدارة دورها، وبالنتيجة يبقى القسم الأكبر من الشعب إما غير قادر على الشراء، أو هو عاجز عن الوصول إلى سلعته الضرورية. 
السلعتان الأساسيتان اللتان تحركان السوق السورية هما الوقود والخبز، فالوقود يشكل عنصر التحرك والتدفئة الأساسي، أما الخبز فهو العادة الغذائية المفضلة لكل الشعب السوري، ولا يمكن الاستغناء عنها بأي شكل، وهاتان السلعتان بالذات هما مشكلة السوري، ونشاهد طوابير الخبز تقاس بمئات الأمتار وطوابير محطات المحروقات تنافسها في الطول، يعني لا توجد سلع لكن توجد طوابير! وجاء اختراع البطاقة الذكية في سياق مراوغة أزمة هذه الطوابير الضخمة، فأصبح المواطن تحت كابوس انتظار الرسالة السحرية التي تضمن بقاءه وأسرته أحياءً أسبوعا آخر. بعد أن أصبحت يد النظام مغلولة ولا تملك طولا كافيا يصل إلى حقول النفط والأراضي الصالحة لزراعة القمح في الشمال، حرمت السلطة الحاكمة من أهم مادتين لازمتين لتمتين بقائها، وحاولت إيران إمداد سوق حليفها بالوقود ولكنها هي الأخرى صارت واقعة بمشكلة مماثلة لذلك توقفت عن الدعم، وأصبح النظام يتسول المادة أو يسرقها بعيدا عن الأعين التي تراقب العقوبات المشددة. 
حرمت السلطة الحاكمة من أهم مادتين لازمتين لتمتين بقائها، وحاولت إيران إمداد سوق حليفها بالوقود ولكنها هي الأخرى صارت واقعة بمشكلة مماثلة لذلك توقفت عن الدعم 
الحليف الروسي الذي يعتبر من مصدري النفط ويتحكم بنسبة مهمة من قطاع الطاقة العالمي، فروسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بمجموع عشرة ملايين برميل في اليوم، تصدِّر نصفها، لتكون ثاني أكبر مصدر للنفط، إلى جانب ذلك فهي تحقق فائضا هائلا في محصول القمح، وتنتج سنويا نحو 85 مليون طن، من المتوقع أن تصدر هذا الشهر وحده نحو مليوني طن، وهذه الكمية تكفي سوريا "النظام" مدة عام كامل.. تشكل هذه الأرقام مفارقة وتثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين النظام السوري وروسيا التي تبدو شديدة السخاء في مجلس الأمن في الدعم السياسي، وفي الدعم الجوي الذي يهشم العائلات في قرى إدلب، ولكن عند التحدث عن الغذاء والوقود لا نجد أي تحرك روسي لمساعدة هذا الحليف الذي وصل إلى مرحلة المجاعة. 
الزيادة التي قررها النظام في الأجور تعبير آخر عن أزمته المالية، وهي الطريقة التي يظهر فيها عجزه عن مواجهة استحقاقه الاقتصادي والمالي، فيلجأ إلى سرقة شعبه بالرفع الشكلي لأجور أكثر من نصف القوى العاملة التي يستوعبها ضمن نظامه المسمى قطاعا عاما، فينزل بها درجة أخرى من درجات الفقر، أما النصف الآخر والذي لا يعمل لديه فنصفه عاطل عن كل شيء، ونصفه الآخر يراقب ما يحدث بصمت، هذه مرحلة أخرى من مراحل تدهور حال النظام وسوريا، وزيادة الرواتب كذبة لا تصل إلى مرتبة الرشوة، أما الداعم الروسي فشأنه شأن الضباع التي تنتظر أن تموت الفريسة لينقض عليها.