الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا الحليف القديم الجديد للنظام السوري تنقلب عليه

روسيا الحليف القديم الجديد للنظام السوري تنقلب عليه

18.05.2020
حسام محمد



القدس العربي
الاثنين 17/5/2020
 أرسلت روسيا أقوى قواتها البرية والجوية إلى سوريا نهاية عام 2015 بهدف التصدي للثورة الشعبية التي ولدت في البلاد آذار/مارس عام 2011 لتدخل بحجة دعم شرعية النظام الحاكم في دمشق، متسلحة بالاتفاقيات المبرمة مع الدولة السورية، فأرسلت مرتزقة “فاغنر” لدعم جيش الأسد المتهالك آنذاك، ومنعت لمرات هزيمته في المحافل الدولية عبر استخدامها سلاح حق النقض الفيتو، فاستعاد جيشها محافظات ومدنا وبلدات من قبضة المعارضة السورية، وهجر وشرد مئات آلاف المدنيين، وتسبب بأزمة لجوء حادة حول العالم وخاصة في أوروبا والجوار السوري.
وكادت روسيا أن تنزلق إلى حرب مباشرة في فترات لاحقة مع تركيا الداعم الأول للمعارضة السورية المعتدلة، كل ذلك كان دعما للنظام السوري، فموسكو فعلت كل ذلك حفاظا على الحليف الحاكم في دمشق، وأعلنت في مناسبات عديدة بأنها الجهة التي منعت إسقاط نظام آل الأسد.
ولكن ما أن هدأت الجبهات العسكرية مع المعارضة السورية، بعد اتفاقيات أبرمتها وتركيا، وأخرى بمشاركة الإيرانيين، حتى انقلبت الآية، فباتت السهام الروسية تضرب حليف الأمس بشار الأسد ونظامه. انتقادات حادة ورسائل من كل حدب وصوب ضد كيانه، تارة عن الفساد المتغلغل في أروقة صنع القرار، وأخرى ترى أن الأسد تحول إلى عبء كبير على موسكو، وأنه يجرها إلى مستنقع أفغاني جديد، كما لم تخف ذلك الصحافة الروسية التي كانت المنصة الرئيسية للنيران المطلقة على النظام السوري وأزلامه.
التحول الروسي ضد النظام السوري، أصبح عنوان المرحلة الحالية، إلا أن بعض ساسة النظام السوري وضباط جيشه، سارعوا لصد الهجمات الروسية بتعليقات ووعيد وانتقادات للأسلحة الروسية، إلا أن الهجمات المضادة الصادرة عن دمشق، صبت في خانة الصدمة من الموقف الروسي وانقلابه وفق آراء ومحللين، في حين راح آخرون لاعتبار أن التهديدات التي أطلقها النظام، بحق روسيا وحكومة بوتين، لم تكن لتحصل لو لا وجود أصابع إيرانية في الخفاء، ليبقى السؤال الأهم اليوم، ما الذي فعله بشار الأسد حتى نال كل هذا الغضب الروسي؟
الانقلاب الروسي المفاجئ ضد النظام السوري، سبقته عدة عوامل ومواقف، لعل أبرزها، الزيارة غير المعلنة والخاطفة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق في 23 آذار/مارس الماضي، التقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد، في حين أن بعض التقارير المتداولة أشارت إلى رسائل قاسية أرسلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر وزير دفاعه للأسد، بضرورة الالتزام بالاتفاق المبرم بين روسيا وتركيا في 5 آذار/مارس، والابتعاد عن التحشيد المعادي لتركيا والمطالب بفتح حرب ضدها في شمال غرب البلاد.
وفي 27 من الشهر ذاته، أعلن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، عن إجراء اتصال هاتفي مع رئيس النظام السوري، تحت عنوان “التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار”.
بعد التطورات آنفة الذكر، بدأت سلسلة الانتقاد الروسي للنظام السوري، لتعنون وكالة “تاس” الروسية إحدى افتتاحياتها، “روسيا تعتقد أن الأسد لم يعد قادرا على قيادة البلاد بعد الآن، وأنه يجر موسكو نحو السيناريو الأفغاني” وبأنها تدرس خيارات أخرى بعيدا عن الأسد لحكم سوريا.
ثم تبعتها حملة إعلامية روسية، وصفت بـ “القاسية” تتهم الأسد وأركان نظامه بالفساد، تضمنت مقالات واستبيان رأي من طرف مؤسسات تابعة لمجموعة “فاغنر” التي تملك مقاتلين واستثمارات في سوريا، ومعروفة بقربها من بوتين، ثم جرى دعم تلك الحملة بمقالات حادة في صحيفة “برافدا” الرسمية وتحليلات على مواقع فكرية رصينة.
كما كانت إيران، حاضرة في الانتقاد الروسي، حيث أشارت وكالة “تاس” الروسية، إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية “ليست لديها مصلحة في تحقيق الاستقرار بالمنطقة، لأنها تعتبرها ساحة معركة ضد واشنطن”.
جوهر الخلافات
يمكن تلخيص جوهر الخلافات بين دمشق وموسكو، من وجهة نظر الباحث السياسي السوري عبد الرحمن عبّارة بأربع نقاط رئيسية:
– تهميش دور القيادة السورية في إطار التفاهمات السياسية والعسكرية التي تجريها موسكو مع العديد من الفاعلين المحليين والإقليميين.
– تزايد تدخل روسيا في الشؤون الداخلية السورية وصولا إلى فرض تعيين قيادات أمنية وعسكرية مقربة منها في مواقع قيادية حساسة.
– رغبة دمشق باستكمال تقدمها العسكري في إدلب الأمر الذي ترفضه روسيا مؤقتا، نظرا لأن اتفاق سوتشي الخاص بإدلب مع تركيا ما زال ساري المفعول وتم تجديد العمل به في آذار/مارس الماضي.
– عدم قدرة دمشق على تمويل المزيد من الأنشطة الروسية في سوريا والاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين لم تعد تفي بالمتطلبات الروسية.
ويبدو أن بشار الأسد، من وجهة نظر عبّارة، قد أدرك أخيرا بأن شهر العسل بينه وبين القيادة الروسية والذي دام لسنوات قد انتهى إلى غير رجعة، لذلك حاول في الأشهر الأخيرة أن يعيد الاعتبار لموقع الرئاسة من خلال رفض المقترحات الروسية فيما يخص إدلب وشرق الفرات، كما حاول الأسد، وبدعم دولة خليجية، تحريك جبهة إدلب والتحرش عسكريا بالقوات التركية المتواجدة فيها لقطع الطريق على محاولات أنقرة فرض أمر واقع جديد في إدلب لصالح قوات المعارضة السورية.
أما النقطة الأهم فهي إفلاس خزينة الدولة والفساد المستشري الذي لا يسمح بتعويض النقص الحاصل فيها، في مقابل عدم موافقة الأسد على تمويل الأنشطة الروسية في سوريا من أرصدة آل الأسد في الخارج، الأمر الذي دفع بموسكو إلى تحريك الإعلام الروسي وتوجيه رامي مخلوف للتحريض ضد بشار الأسد.
هجوم معاكس
دمشق التي من عادة نظامها “الاحتفاظ بحق الرد” أو أن رده “سيكون في المكان والزمن المناسبين” لم تحتمل الهجمات العلنية للحليف الروسي بحقها، فيما يبدو أن الضربات التي وجهتها نحو رأس النظام بشار الأسد، أجبرتها على الرد، ولعل الوجود الإيراني، جعل الانفعال في وجه الحليف الروسي أكثر جرأة، حيث خرج جيش النظام في انتقاد هو الأول من نوعه لمنظومات صواريخ إس-300 الروسية المتطورة، ليصفها أحد ضباطه بأنها “غير فعالة” وفق ما نقله عنه موقع “أفيا برو” الروسي.
وكذلك وجه النظام السوري، انتقادات لأنظمة دفاع جوي روسية أخرى كـ “بانتيسر-س” ورادارات، معتبرا أن هذه الأسلحة عاجزة أمام الضربات الإسرائيلية الدورية، واصفا هذه المنظومات بـ “الأسلحة المتخلفة”.
سياسيا، لم تكن انتقادات النظام السوري أقل حدة من العسكرية، حيث شن النائب في البرلمان المقاد من قبل حكومة الأسد خالد العبود، هجوما غير مسبوق ضد روسيا ورئيسها بوتين، وقال عبر حسابه في فيسبوك: “لو أنّ الرئيس الأسد أراد أن يقف في وجه بوتين، سرّاً أو علانيةً في سوريّا، ولو أنّ استخباراته أدت دورها لجهة ترحيل بوتين من سوريّا، ودفعها إياه إلى معركة لا تُبقي ولا تذر من انجازه، وانجاز روسيا، على ضفاف المتوسط، لما انتهى بوتين في سوريّا فقط، وإنّما لتمّ انحسار المدّ الروسيّ خلال العقد الأخير من عمر العالم والمنطقة، ولتمّ شطب اسم بوتين من التاريخ الروسيّ إلى أبد الآبدين”.
الأسد يعيش الألم
وذهب الباحث عبّارة، للاعتقاد أن خالد العبود في مقالته، لم يكتب حرفا واحدا ضد روسيا والرئيس بوتين، بدون توجيه وإملاء من الرئاسة السورية ومن بشار الأسد تحديدا؛ مقالة تعكس حال الألم والخوف لدى بشار الأسد جراء ما يتعرض له من تهميش، وإذلال من المسؤولين الروس وصولا إلى التحريض عليه في الإعلام، فالأسد يدرك جيدا أن طريقة تعاطي الكرملين معه سوف تأخذ منحى مختلفا في الأيام المقبلة، خصوصا بعد ظهور ابن خاله رامي مخلوف بمقطعين مصورين وما يتضمنانه من دلالات عديدة.
وقال عبّارة لـ “القدس العربي”: “مقالة خالد عبود، والبيان الذي وجهته نحو (300) شخصية مقربة من الأسد إلى القيادة الروسية، رفضا لحملة التحريض على بشار الأسد في الإعلام الروسي، يعتبران دليلا آخر على إفلاس النظام السوري في حل مشاكله مع موسكو وفق الأطر الدبلوماسية، ودليلا على أن خطوط التواصل بين الجانبين قد أصبحت في حدودها الدنيا، والأهم أن النظام السوري بات على مفترق طرق إما التبعية الكاملة لموسكو أو المواجهة، وفي الحالتين سيخرج خاسرا”.
روسيا وتبرئة الذات
المعارض السياسي السوري كمال اللبواني، يرى أن الغضب الروسي ناجم عن الصداع وحال التعب التي عادت عليهم بسبب دعمهم لبشار الأسد الذي يجيد “الكذب والتلاعب” حتى وصلت موسكو إلى مرحلة الاختناق من هذا الوضع المزري.
وقال اللبواني لـ “القدس العربي”: “بشار الأسد، شخصية جبانة وهزيلة، ونظامه لا يريد السير في طريق يؤدي إلى التغيير، وهنا تلعب الضغوط الغربية على الجانب الروسي، دورها في زيادة غضبه على الأسد غير المستعد لتقديم أي تنازل يخفف الضغوط عن موسكو.
وذلك أيضا بسبب الداعم الإيراني الذي يشد من أزر الأسد ليقاوم أي تغيير، وهنا لا نقول بسبب الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، لأن الروسي يعلم بها، بل كان شريكا فيها، لكن فقط الاتجاه نحو محاسبة النظام عليها يجعله ميالا للمبالغة في إظهار كراهيته للأسد كنوع من تبرئة الذات”.
روسيا والبلطجة
 العلاقة بين روسيا والنظام السوري، لا تقوم وفق قراءة المحلل السياسي السوري أحمد الهواس، على مبدأ التوازن في العلاقات الدولية بين غازٍ لا شرعي جاء بطلب نظام لا شرعي، كان في واقعه تكليف من قبل أمريكا بعد أن عجزت إيران وحلفاؤها عن هزيمة الثورة السورية.
فكان تعطيل مجلس الأمن بالفيتو الروسي، وهو أمريكي في حقيقته، فلو أرادت أمريكا التخلص منه لنقلت الملف للجمعية العمومية للأمم المتحدة، تحت بند الاجتماع من أجل السلم، ولكنها أرادت بقاء الاعتراف القانوني والسياسي للنظام اللاشرعي في سوريا، رغم تأسيس الإئتلاف واعتراف 125 دولة به لكنه اعتراف منقوص لا قيمة له، ليأتي الاحتلال الروسي، بطلب من نظام سقط بالشرعية الثورية كون الشعب هو مصدر السلطات.
ما يحصل حاليًا، وفق ما قاله الهواس لـ “القدس العربي”: “ثمة أسباب تدفع بالروس إلى تكرار الإهانات التي أعتادت أن تكيلها لهذا النظام، ومنها أن روسيا دولة تمارس بلطجة خارج القانون الدولي، وقد جاءت بدعم عربي ولاسيما الإمارات، وتراجع أسعار النفط أدّى لأزمة مالية إماراتية ما قلل الدعم أو ربما توقف.
وفي مجال الطاقة، أيضًا فإن انهيار أسعار النفط أدّى لمشكلات كبيرة في الاقتصاد الروسي بسبب أن سعر برميل النفط أقل من تكلفة استخراجه في روسيا، ما أدّى لضغوط على رأس النظام من أجل تسديد فواتير الحرب المكلفة، وهذا ما أدّى لوضع اليد من قبل النظام على أموال مخلوف”.
ويرى الهواس، أن الأسد أدّى المهمة على أكمل وجه بتدمير سوريا وتهجير الملايين وجعل سوريا دولة فاشلة مهددة بالتشظي بعد التقسيم المجتمعي الذي نالها، ولم تعد تشكل أي خطر في المستقبل على إسرائيل وهي المعادلة التي دفع الشعب الثائر ثمنها، في البديل عن نظام يحمي إسرائيل، بجعل سوريا مقسمة اجتماعيا، وأن تنتهي لتحالف الأقليات، ولذا لابدّ من إعادة إنتاج النظام بخداع استراتيجي، ويكون ذلك بتحالف الأقليات – الكانتونات المجتمعية على غرار قسد – ونصف نظام ونصف معارضة، والبحث عن رأس جديد، وتبقى روسيا أداة هدم، فالبناء القادم لشركات عابرة للقومية بإشراف أمريكي للسيطرة على الثروات السورية.
ماذا تفضل روسيا؟
يبدو أنّ روسيا، وفق دراسة أعدها مركز “جسور” تُفضّل تماسك النظام السوري وشبكاته الاجتماعية والسياسية، لكن في حال عدم قدرتها على فرض سياسات موحدة فإنّها غالباً ما تستفيد من هذا التنافس الداخلي عبر إدارة الأزمة وفرض مزيد من التحكّم على رأس السلطة عبر زعزعة ثقته بطبيعة العلاقة معها.
في حين أن روسيا لديها خشية ومخاوف من عدم قدرة بشار الأسد على الحفاظ على شبكة الأمان الاجتماعي والسياسي التي أسّسها النظام على مدار العقود الخمسة الماضية؛ بسبب تنامي التنافس واستمراره بشكل حاد مع الطبقة السياسية والاقتصادية الجديدة في الطائفة العلوية، وبسبب سلوكه في التعامل مع شبكة المحسوبية، ما قد ينعكس على استقرار النظام السياسي ويدفع نحو توسيع الفجوة الأمنية في مناطق سيطرته.
كما توجد شكوك روسية إزاء التزام النظام السوري بمذكرة موسكو 2020 وفق المسار الذي تريده، وبالتالي فإن أي انزلاق للخروقات نحو استئناف العمليات القتالية قد يعرّض جهودها للخطر، وقد يكون النظام في هذا الصدد يستند إلى هامش التنافس بين روسيا وإيران غير الراضية أو المشكّكة من اتفاق وقف إطلاق النار والجدوى منه.
الباحث عبد الرحمن عبّارة، قال في مضمون تصريحاته لـ “القدس العربي”: “إيران، تريد بالدرجة الأولى الحفاظ على مكاسبها في سوريا، وإبعاد شبح التهديدات الأمريكية الإسرائيلية، والنظام السوري بات اليوم في أضعف حالاته، ولم يعد يستطيع حماية نفسه فضلا عن حماية مكتسبات شركائه الإيرانيين.
بالتالي فلن يكون بمقدور طهران الوقوف أمام روسيا فيما لو قررت الأخيرة إزاحة الأسد عن كامل المشهد السوري، لكنها ستحاول جاهدة تأخير هذه اللحظة ما أمكن، مع عدم تجاهل أن إزاحة الأسد ليس قرارا روسيا فحسب، بل هو توافق روسي أمريكي إسرائيلي، وروسيا لن تفرط بورقة الأسد بأبخس الأثمان، وحتى ذلك الوقت لن تسمح له بالمشاركة بعد الآن كرئيس للدولة السورية”.