الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا الاتحادية والمسألة السورية

روسيا الاتحادية والمسألة السورية

25.04.2018
د. مصطفى الفقي


الخليج
الثلاثاء 24/4/2018
منذ عدة سنوات ومع بدايات الأزمة السورية وعندما بدأ يلوح في الأفق أنها تتجه إلى أن تكون أكثر تعقيداً وتشابكاً قرر الأمين العام للأمم المتحدة مع جامعة الدول العربية إيفاد مبعوث أممي يمثل المنظمتين للالتقاء بكافة الأطراف ورفع تقرير دوري لعله يسهم في الخروج من الأزمة وإيقاف المأساة، خصوصاً وأن نزيف الدم كان قد بدأ يتدفق على الأراضي السورية. وكان هذا المبعوث الأممي هو الأخضر الإبراهيمي وزير خارجية الجزائر الأسبق وهو دبلوماسي مخضرم كان ذات يوم مديراً لمكتب جبهة التحرير الجزائرية بالقاهرة، وله تجارب في العمل الدولي والإقليمي تبدو متميزة للغاية. وقد بدأ ذلك الدبلوماسي السياسي مهمته بالدعوة إلى جلسة حوار بمنزله في القاهرة دعا إليها عدداً من المثقفين والمفكرين المصريين وكان من بينهم وزراء سابقون للخارجية وبعض كبار العاملين في جامعة الدول العربية وبعض رجال الإعلام من المعنيين بالقضية السورية، وأتذكر جيداً أنه عندما جاء دوري في الحديث قلت للجميع: إن الدور الروسي في الأزمة السورية سوف يتزايد، وقد يكون من الفاعلية بقدر أكبر مما نتصور الآن، واندهش معظم الحاضرين لهذه المداخلة ورأى بعضهم أن في ذلك قفز على الواقع إذ لم تكن روسيا الاتحادية قد تورطت في الأزمة السورية، ولم يكن بشار الأسد قد زارها على النحو الذي أدى إلى حسم المعارك لصالحه بعد أن كاد نظامه أن يسقط.
وشرحت وجهة نظري وهي أنني مؤمن بالأهمية القصوى لسوريا بالنسبة لروسيا في مراحلها المختلفة من (روسيا السوفييتية) حتى (روسيا بوتين) وعرضت "دفوعي" بوضوح وفي مقدمتها لهاث الدب الروسي في اتجاه المياه الدافئة على شاطئ المتوسط فضلاً عن وجود قاعدة بحرية في (اللاذقية) يعتبرها الروس آخر قواعدهم في المنطقة، كما أن سوريا بلد يقع في موقع استراتيجي حساس للغاية، فهي تجاور تركيا وإيران والعراق والأردن ولبنان و"إسرائيل"، فضلاً عن دورها المحوري في العمل العربي وتاريخها في الحركة القومية، بل وأضفت إلى ذلك قائلًا: إن الغرب والولايات المتحدة يسلمون في أعماقهم بهامش من اهتمام (موسكو) بالموقع الجغرافي السوري والعلاقات المتنامية مع (دمشق) حتى قبل الوحدة المصرية -السورية، وكيف أن اليسار العربي الرافض للتسويات مع "إسرائيل" كان دائماً يتمركز في دمشق ويجد في روسيا حضناً لا يبرحه في معظم الأوقات، وما هي إلا أسابيع قليلة إلا وأثبتت الظروف سلامة مقولتي وصدق التحليل الذي طرحته من قبل.
فقد ألقى بوتين بثقل بلاده داعماً بشدة نظام الأسد وبدأت بعدها ظاهرة تدخل الروس إلى جانب الحرس الثوري الإيراني لدعم الرئيس بشار الذي ظل صامداً في موقعه حتى الآن رغم الضربات المتتالية ومحاولات التأديب بدعوى استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد أبناء الشعب السوري أو الجماعات المتطرفة أو حتى فلول الإرهاب الذي يعشش في أركان المنطقة كلها، وهنا يهمني أن أضع القارئ أمام الملاحظات التالية:
- أولاً: إن رد الفعل الروسي الأخير تجاه الضربة الثلاثية لبعض المواقع السورية هو تصرف مؤقت بل ومحسوب، كما أنني أزعم أن من وجهوا الضربة كانوا يدركون ذلك قبلها ولم يتحسبوا كثيراً لموقف موسكو المنتظر لأنهم يدركون أن التسوية قادمة بعد تصعيد متبادل من كافة الأطراف صراعاً على (الكعكة السورية) وهي الأهم والأشهى في المشهد العربي! كما أنهم يدركون أن للروس اهتماماً تاريخياً بهذه الدولة سيئة الحظ، والغرب يعترف أحياناً بخصوصية العلاقة بين موسكو ودمشق في كافة المراحل.
- ثانياً: أظن بخلاف كثير من الخبراء والمحللين أن الأزمة السورية تتجه إلى نهايتها والتي سوف تكون بالضرورة على حساب الشعب السوري وأرضه وسيادته ولكل طرف أهدافه فتركيا لها مطامع أرضية ومحاولات تعقب للأكراد على الحدود المشتركة، وإيران تتطلع إلى استمرار الحكم بسوريا حتى لو اختفى بشار الأسد. أما سوريا فهي الدولة العربية الأهم سياسياً واستراتيجياً بالنسبة لطهران، أما الروس فالساحل السوري على البحر الأبيض يداعب خيالهم صباح مساء وتبقى الولايات المتحدة هي منفذة لاستراتيجية تتفق فيها مع "إسرائيل" التي تسعى لإضعاف الكيان السوري وتمزيقه إذا لزم الأمر حتى لا تظل دمشق نتوءاً في ساحة المشرق العربي.
- ثالثاً: يظل الموقف المصري أكثر المواقف العربية والدولية شرفاً والتزاماً، فمصر لم تأخذ موقفاً مؤيداً أو معارضاًَ لطرف بعينه بل دافعت عن الأرض السورية وطالبت برفع المعاناة عن شعبها الشقيق الذي تربطه بالشعب المصري وشائج إنسانية وتاريخية بغير حدود. فقد كانت الدولتان داخل كيان سياسي واحد مرتين الأولى تحت سيطرة إبراهيم باشا بن محمد علي (1831-1840) والثانية في دولة الوحدة (1958- 1961). وسوف يذكر السوريون أن الدبلوماسية المصرية قد صوتت بالإيجاب على قرارين في يوم واحد في الأمم المتحدة، أحدهما روسي والثاني فرنسي وكان السبب في ذلك أن مصر تسعى إلى رفع المعاناة عن الشعب السوري مهما كان الثمن، ولم تكترث القاهرة للانتقادات التي وجهت إليها بل ودفعت ثمناً مرحلياً لذلك في علاقاتها ببعض أشقائها الأقربين.
هذه رؤية نطرحها بإيمان كامل بوحدة الشعب السوري وسلامة أراضيه، معلنين أن المساس بذلك هو بداية انهيار كامل للمشرق العربي كله لأن سوريا دولة مهمة ومحورية، وقد قال شوقي أمير الشعراء (وعز الشرق أوله دمشق)!