الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روبرت فورد والبحث عن إكمال المهمة 

روبرت فورد والبحث عن إكمال المهمة 

22.12.2020
يحيى العريضي



سوريا تي في 
الاثنين 21/12/2020 
لم ألتق روبرت فورد، لكنني أعتقد أنه مِن بين أكثر الأشخاص الذين ألحقوا الأذى بالثورة السورية؛ وخاصة تلك الزيارة التي قام بها باكراً إلى مظاهرة حماة الشهيرة متعمداً وبخبث، وربما بتيسير وقصدية من منظومة الاستبداد، كي يتم وصم انتفاضة سوريا بالارتباط بأميركا العدو التقليدي لسوريا؛ حيث كان نظام الاستبداد يترك له الحبل على الغارب، ليشرّق ويغرب ويغرد في سوريا، ليثبت مقولة "المؤامرة الكونية"، وعلى رأسها أميركا. ولا بد أن تقاريره من سوريا ساهمت بتشكيل سياسة إدارة "أوباما" تجاه القضية السورية. 
صعب على السوريين أن ينسوا عبارة أطلقها روبرت فورد بعد شهرين من انطلاقة الانتفاضة السورية زارعاً بذور إعطاء الصراع صفة الطائفية أو "الحرب الأهلية"، وهي: "لن نسمح بإبادة العلويين" في سوريا. ولم يعر اهتماماً بتوصيف بلده بالمخادع، إمعاناً بزرع الإحباط والهزيمة في نفوس السوريين المنتفضين على الاستبداد والفساد، عندما كتب يوماً: "أميركا والغرب أوهموا المعارضة بإسقاط النظام خلال أيام". وحقنا أن نسأل هاهنا: إذا كان فورد يعلم ذلك، لماذا شارك بهذا الإيهام؟ 
إذا كانت ادارة "ترامب" قد فشلت؛ فبالتأكيد مَن أسس لهذا الفشل هو إدارة رئيسه "أوباما"، ومساهمة نصائحه واقتراحاته 
بعد خروجه من وظيفته تحول "فورد" إلى بوق من السموم الإحباطية والتشويهية لقضية السوريين. فكل أسبوع يطالعنا بمقال له في صحيفة "الشرق الأوسط"، يمزج فيه السم بالدسم. آخر مساهماته كان مقالاً بعنوان: "هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟" حيث يفنّد بمرافعة عصماء إحاطةً حول سوريا قدمها "جويل ريبيرن" أمام لجنة في الكونغرس الأميركي، تركّزت حول دحر داعش، واقتلاع إيران من سوريا، وتأثير "قانون قصر"؛ والتي أضحى جناها وتأثيرها، كما قال "ريبيرن"، في "متناول الأيدي". وفي كل هذه القضايا، يرى فورد في مقاله أن إدارة ترامب فشلت. 
إذا كانت ادارة "ترامب" قد فشلت؛ فبالتأكيد مَن أسس لهذا الفشل هو إدارة رئيسه "أوباما"، ومساهمة نصائحه واقتراحاته. ليس هذا هو المهم في فشل أو نجاح أميركا بمقاربتها للقضية السورية؛ بل الرؤية التي يقدمها فورد تجاه هذه المسائل الثلاث، والتفسيرات للإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب بخصوصها، ومقترحاته حول مرتكزات هذه السياسة. 
بالنسبة لداعش يرى "فورد" بأنها ضعيفة شرق الفرات بحكم الوجود الأميركي؛ وأقوى غرب الفرات؛ ولكن الوجود الأميركي شرقاً ليس بسببها، بل لحماية آبار النفط. وتصل به الأمور للقول إنه بإمكان أميركا أن تدعم نظام الأسد عسكريا حيث يحارب داعش غرب الفرات. عملياً الذريعة التي دخل تحتها التحالف الدولي، وعلى رأسه أميركا، كان لمحاربة داعش؛ وكذلك كان التدخل الروسي. وبطرحه هذا؛ وكأننا نسمع بوقاً روسياً أو أسدياً. 
لو كان فورد صادقاً فعلاً، لقال إن حجة النظام والروس وأميركا بداعش لم تعد قابلة للبيع. يعزز فورد تأثير داعش في الصراع في سوريا، ويكاد يحصر خطرها على نظام الأسد تحديداً؛ وأن من يقاومها فقط هو نظام الأسد؛ ومن هنا يقترح دعماً في مقاومتها غرب الفرات. المهم أن يقول إنها لاتزال خطراً، وعلى النظام حصراً. وأميركا لا تقول الحقيقة بهذا الشأن. وكأننا أمام ناطق باسم منظومة الأسد. 
بخصوص إيران، يريد فورد أن يزيد من إحباط السوريين تجاه بقاء إيران متغلغلة ببلادهم، لأن كل محاولات إخراجها المتناقضة مع دفع سوريا "فرق عملة" في الاتفاق النووي الأوبامي-الإيراني (والذي ساهم بإخراجه) تبوء بالفشل. ففصل نظام الأسد عن نظام الملالي كفصل توءم سيامي. وما التبجح الأميركي بالضغط لإخراج إيران إلا حالة عبثية تلعبها وتدّعيها أميركا. بالمختصر، يريد أن يقول إن سياسة إدارة ترامب بهذا الصدد كانت فاشلة. ولا يضيره بهذا الصدد رشق بعض الأوصاف للنظامين الأسدي والإيراني بأنهما متشابهان بدكتاتوراتهما وقمعيتهما لذر الرماد في العيون. الشيء الوحيد الذي لم يقله فورد بصراحة فجّة، ولكن أراد إيصاله مواربة لإدارة "بايدن" القادمة- التي يتطلع أن يكون له مكان فيها- هو ضرورة خروج أميركا من الشمال الشرقي السوري، وتمكين الثلاثي الإيراني الأسدي من غزو غرب الفرات وإدلب تحت يافطة إغراقهم أكثر بالمستنقع السوري؛ الأمر الذي يفيد أميركا في المحصلة النهائية حسب التفكير السائد. 
العجب العجاب نقرأه بمرافعة فورد حول "العقوبات الأميركية"، واعتراضه عليها؛ والتي تشبه تماماً اعتراضات موسكو. فهي برأيه لا تجدي. يقول بسخرية إن إدارة ترامب تعتبر الطوابير في سوريا إنجازًا سياسيا لها، معتقدة بأن ذلك الضغط سيجبر الأسد على الانخراط بالعملية السياسية؛ وهذا برأيه وهم. نعم قد يكون وهماً، فالطوابير والحاجة قبل القانون. الأمر الذي لم يقله، هو أن روسيا هي التي لا تسمح بفتح معابر لوصول المساعدات الإنسانية. حتى منظومة الكذب الاستبدادية ترفّعت عن ذكر تأثير عقوبات قانون قيصر على الوضع الاقتصادي لسوريا من باب التحدي والمكابرة، إلا أن روبرت فورد كان أكثر صراحة بهذه المسألة، وهدفه تبرير تنويم قانون قيصر في أدراج الإدارة التي خدم فيها؛ وكأننا بروسي أو إيراني يرافع عن النظام ومنظومات الاحتلال. فبرأيه، تلك العقوبات تعرقل الاستثمار في سوريا وتمنع ورود الأموال؛ ثم يسعى لذر الرماد في العيون ثانية بوصف النظام الأسدي بأوصاف قبيحة كي يظهر "حياديته"، ويثبّت أن النظام لا يستجيب بالقوة بل من خلال السماح بتدفق المساعدات، متغافلاً عن أن منظومة الأسد تضع يدها على المساعدات وتحرم مستحقيها منها، وتحولها إلى أداة لقتلهم أو إذلالهم. 
كم هي كبيرة ومجزية تلك الخدمات الاستخبارية التي قدمتها منظومة الاستبداد لكثير من الدول وعلى رأسها أميركا، كي يتجنّد ممثل لدولة عظمى في خدمة هذه المنظومة الاستبدادية 
أخيراً، كم هي كبيرة ومجزية تلك الخدمات الاستخبارية التي قدمتها منظومة الاستبداد لكثير من الدول وعلى رأسها أميركا، كي يتجنّد ممثل لدولة عظمى في خدمة هذه المنظومة الاستبدادية، التي تصافق على بلدها وشعبها، وتستمر بادعاء السيادة والمقاومة والممانعة! وكم هو رخيص ذاك الذي يبحث عن موقع له في الإدارة الأميركية القادمة، لإكمال مهمته في حماية المستبد؛ حتى ولو استلزم ذلك سحق حقوق الإنسان التي يتشدق بها.