الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رهان إيران على البقاء في سوريا: الضغوط الإسرائيلية لا تكفي 

رهان إيران على البقاء في سوريا: الضغوط الإسرائيلية لا تكفي 

25.01.2021
العرب اللندنية


العرب اللندنية 
الاحد 24/1/2021 
طهران – لا يبدي معسكر المتشددين في إيران أيّ نية في التراجع عن سياسته الخارجية ومشروعه في المنطقة العربية، وعلى العكس من ذلك يعمل على الترويج وإقناع الشارع الذي يستعد للتوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد في يونيو 2021، بأهمية التواجد الإيراني في سوريا، وفوائد الاستثمار المالي والعسكري القوي في الرئيس السوري بشار الأسد. 
وفيما عارض طيف واسع من الإيرانيين سياسات بلادهم في المنطقة ومن بينها تدخلها في الملف السوري، حيث نزل العديد منهم إلى الشوارع في السنوات الأخيرة للاحتجاج على التكلفة الاقتصادية الباهظة لهذه المغامرات الإقليمية والتي قادت في النهاية إلى تدهور أوضاعهم المعيشية، إلا أنه بالنسبة إلى أولئك الإيرانيين الذين يدعمون استراتيجية النظام تجاه حلفائه في المنطقة والفصائل المسلحة التي تواليها، فإنه بوسع النظام أن يحقق مكاسب كبيرة وملموسة في سوريا كما يستطيع أن يثبّت أقدامه أكثر في هذا الملف. 
ويبقى الأسد أقرب زعيم عربي من إيران حسب ما أشار إليه مركز صوفان للأبحاث ومقره الولايات المتحدة، حيث كان لزعماء إيران دور كبير في إنقاذ نظامه من حافة الانهيار في أعقاب اندلاع شرارة ثورة شعبية في مارس 2011 تطالب بتنحّيه من السلطة، بالإضافة إلى إقناع روسيا بالتدخل لصالح الرئيس السوري بطريقة يمكن القول إنها كانت الأكثر حسما في بقائه. 
ومع احتواء قوى المعارضة في سوريا، تسعى إيران إلى تعزيز مكاسبها والحصول على بعض العائدات الاقتصادية من استثماراتها المالية. 
وتدخلت إيران في سوريا لإبقاء حليفها العربي الوحيد في السلطة ولحماية حليفها الإقليمي الرئيسي ووكيلها، حزب الله اللبناني. وبعد أن حققت كلا الهدفين، سعت إلى استغلال الأراضي السورية لفتح ممر بري آمن لإعادة إمداد حزب الله بالصواريخ والصواريخ الباليستية قصيرة المدى والطائرات دون طيار وغيرها من الأسلحة. 
إيران لم تحقق نجاحا في أهدافها الأخرى التي سعت لتحقيقها عبر تدخلها في سوريا، مثل التحايل على العقوبات الدولية وانتزاع الفوائد الاقتصادية من دمشق 
من جهته، أعرب الأسد عن امتنانه لمساعدة إيران في مواجهة المعارضة، بالسماح لها بإنشاء بنية تحتية عسكرية وسلسلة إمداد لحزب الله في سوريا. 
وقد شنت إسرائيل هجوما في يناير الجاري في شرق سوريا، بالقرب من الحدود مع العراق، لتدمير مستودعات قيل إنها تحوي الأسلحة الموجهة إلى حزب الله، وذلك خوفا من استخدام إيران للأراضي السورية لهذه الأغراض. ونُفّذت جلّ الضربات الإسرائيلية في البلاد في السابق في غرب سوريا. 
كما تعاون الأسد مع خطة إيران لتغيير التوازن الديموغرافي في غرب سوريا، المجاور للأراضي التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، لتكون للسوريين المؤيدين لنظام الأسد وإيران وحزب الله. وأعاد النظام توطين الشيعة في هذه المناطق التي فرت منها العائلات المسلمة السنية خلال الحرب الأهلية من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على التغيير الديموغرافي واعتماد التهجير القسري. 
وأعرب القادة الإيرانيون، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري، عن اهتمامهم بتحقيق وصول دائم إلى المنشآت البحرية السورية لتحقيق المزيد من المكاسب الاستراتيجية. ويكمن الهدف من ذلك في استعراض القوة في البحر المتوسط كتلك التي منحت لروسيا في مرفأ طرطوس السوري. 
ومع ذلك، سيجذب الوجود البحري الإيراني المتمركز في سوريا هجمات إسرائيل التي لن تصمت إزاء التحركات الإيرانية. 
وتكهّن بعض الخبراء بأن الأسد قد يوافق على استغلال إيران للأراضي السورية لتطوير منشآت ترتبط ببرنامج إيران النووي أو لتطوير أسلحتها الكيماوية والبيولوجية. إذ قد يمكّنها نقل هذه البرامج إلى خارج حدودها في سوريا من الالتفاف على رقابة المفتشين الدوليين. 
في المقابل، لم تحقق إيران نجاحا في أهدافها الأخرى التي سعت لتحقيقها عبر تدخلها في سوريا، مثل التحايل على العقوبات الدولية وانتزاع الفوائد الاقتصادية من دمشق. ولا تزال إيران لاعبا ثانويا في الاقتصاد السوري، على الرغم من تزويد نظام الأسد بقروض بقيمة 4.6 مليار دولار منذ سنة 2012 (وفقا لوزارة الخارجية الأميركية)، وشحنات النفط والاستثمارات في قطاع الزراعة والإسكان والتعدين وتوليد الطاقة والاتصالات. 
 إضافة إلى ذلك، تستورد سوريا بضائع من مورّدين آخرين ولا تعتمد فقط على الصادرات الإيرانية. كما لم تؤت العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة بين الحكومتين ثمارها حسب العديد من المتابعين. 
مع انحسار الاهتمام الدولي بالصراع السوري مع انشغال العالم بالأزمة الصحية وصراعات أخرى مفتوحة على أكثر من جبهة، ستتعالى أصوات من داخل نظام السوري ترفض التدخل الإيراني وتطالب بالسيادة 
ولم تتحقق آمال طهران في تحويل سوريا إلى قناة للمعاملات المصرفية والمالية التي تخضع للعقوبات الأميركية داخل إيران، ويرجع ذلك إلى تعرض سوريا نفسها لعقوبات دولية قاسية. كما فُرضت عقوبات مماثلة على المنفذ السوري، النظام المصرفي اللبناني، من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وعانى من التدهور الاقتصادي العام في لبنان على مدى السنوات القليلة الماضية. 
ويتوقع مركز صوفان للأبحاث أنه طالما بقيت المعارضة المسلحة تسيطر حتى على منطقة جغرافية محدودة، سيتعاون نظام الأسد بشكل كامل مع طهران. وعلى عكس روسيا، ستتمسك إيران برفضها لأيّ تسوية تفاوضية من شأنها إضعاف سلطة الأسد. 
ومع ذلك، ومع انحسار الاهتمام الدولي بالصراع السوري مع انشغال العالم بالأزمة الصحية وصراعات أخرى مفتوحة على أكثر من جبهة، ستتعالى أصوات من داخل نظام السوري ترفض التدخل الإيراني وتطالب بالسيادة والحد من نفوذ طهران داخل بلدهم. 
ولأن العلاقة بين النظام السوري وإيران أعمق بكثير ممّا يُعتقد حسب استنتاجات المتابعين، فإنه من غير المرجح أن تنهار العلاقة الوثيقة التي تشكّلت بين النظامين خلال الحرب الأهلية السورية في المستقبل المنظور. وستكون إدارة بايدن – هاريس الجديدة التي ستركز على خيارات التعامل مع إيران، مع إبقاء علاقتها مع سوريا في الاعتبار، وهي خطوة تفرضها عوامل عديدة أهمها خطر التنظيمات الإرهابية في المنطقة.