الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رهائن نظام بشار والثمن الأوروبي المنتظر

رهائن نظام بشار والثمن الأوروبي المنتظر

12.12.2016
عمر قدور


الحياة
الاحد 11/12/2016
سربت وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي خطة منسوبة إلى فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تنص على دعم إصلاحات سياسية محدودة في نظام بشار، مقابل حصوله على تمويل مجزٍ لمعالجة آثار الصراع. في الوقت نفسه كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يصدر تقريراً عن المأساة السورية "في مستهل الشهر الجاري"، يحمل أرقاماً أو تقديرات أقل ما يُقال عنها أنها مرعبة.
على سبيل المثل، يشير التقرير إلى 2.8 مليون إعاقة جسدية بسبب الحرب، وإلى 4.3 مليون شخص يعيشون في العراء، و85 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. هذا طبعاً من دون احتساب أرقام الضحايا، وأرقام المهجّرين التي توازي نصف السكان.
ما تطرحه المسؤولة الأوروبية هو بقاء نظام بشار برموزه، مع دمج المعارضة فيه، وإيجاد نوع من اللامركزية الإدارية للتخفيف من قبضة السلطة المركزية. وحيث لا وجود لعصا أوروبية أصلاً، ولا وجود لمثيلتها الأميركية، لا يبقى أمام الأوروبيين سوى التلويح بجزرة مجزية من الأموال، الحافز الأساسي وراء عرضها هو التخلص من عبء النزوح السوري الحالي، والقادم من دول الجوار في حال بقاء النظام.
لا يخفى أن المساعدات الأوروبية المطروحة ستكون في حكم المدفوعة طالما استمرت موجات النزوح، الفارق عملياً هو في أسلوب ومكان دفعها. ولا يخفى أيضاً أن هذا الطرح الأوروبي يقرّ بانتصار حلفاء بشار، ويعدّ لتطويبه من منطلق عدم المراهنة إطلاقاً على حدوث أي تغيير جوهري في بنية النظام.
ليس معلوماً سبب الاستعجال لتسريب التوجه الأوروبي، فدول الاتحاد غير منخرطة في المفاوضات المتعلقة بمستقبل سورية، والتي يستفرد بها الطرفان الأميركي والروسي. الحوافز الأوروبية شبه المجانية قد تشجع النظام وحلفاءه على انتظار المزيد، والتخلص مبكراً من التفكير في عبء الانتصار. النظام تحديداً سيجد نفسه قد ربح عندما تعاطى مع السوريين كرهائن يبتز بهم المجتمع الدولي. وها هو الآن، بعدما قتل منهم ما قتل، يحظى بالمعونة كي لا يخرج الباقون من أسره!
لا يُقصد بالتأكيد ترك السوريين بلا دعم تحت رحمة من لا رحمة لديهم، التساؤل يتعلق بالمدى الذي قد تبلغه "التنازلات" الغربية تحت ابتزاز موسكو وطهران أولاً، إلا في حال كانت تلك التنازلات تتم طواعية وعن قناعة راسخة. هنا أيضاً سنكون إزاء مفاجأة مغايرة لكافة التحليلات التي تفيد بأن النظام سيدفع غالياً ثمن انتصاره، وهو الذي ساهم حثيثاً في ارتفاع الثمن بانتهاج سياسة الإبادة والتدمير الشاملين، فها هو بعد الإفلات من العقاب مدعو لقبض ثمن جرائمه.
ثم، لا يُعرف لماذا تقود أوروبا هذا التحرك، في حين غابت المفوضية الأوروبية عن التأثير خلال سنوات الصراع الماضية. على نطاق واسع، سوف يُفهم الجهد الأوروبي بوصفه دعماً لنظام بشار، باصة من جانب أطراف وتنظيمات في المنطقة نشأت على كراهية الغرب، ولا تعرف غيره سبباً للمصائب. ولن يكون مستبعداً رؤية التحرك على خلفية المستجدات في المزاج الغربي، بخاصة في فرنسا التي تبدو ذاهبة لانتخاب فيّون بخطابه اليميني المتطرف.
حتى إذا بقي النظام، مطلوب من المجتمع الدولي تقديم العون للسوريين والتخفيف من المأساة التي تظهرها أرقام منظمات الأمم المتحدة. هذا يختلف عن الدخول في صفقة سياسية لن تؤدي سوى إلى دعم النظام، ويُستبعد وصول ثمنها إلى مستحقيها من السوريين. لقد شاهدنا مثلاً كيف ذهبت مساعدات الأمم المتحدة إلى الشبيحة أو جيوبهم، عبر عمليات احتيال قاموا بها، أو في ظل سكوت المنظمة الدولية عنها. الحال لن تكون أفضل مع التسليم ببقاء النظام على ما هو عليه، فنسبة 15 في المئة من السوريين الناجين من الوقوع تحت خط الفقر تتجه بسرعة لتقتصر على طبقة النظام وشبيحته، وهؤلاء لن يتورعوا عن نهب التمويل الخارجي بعد اعتيادهم على نهب الممتلكات الخاصة طوال السنوات الأخيرة، واعتياد أزلام النظام على نهب الثروات العامة خلال عقود من وجوده.
ما تعنيه أرقام المنظمات الدولية هو حاجة سورية إلى عقود من أجل ترميم النزف البشري والمادي، في ظل حوكمة رشيدة لا تقوم تحت النظام الحالي. ومن الخطأ الظن بقبول الأخير مبدأ المقايضة لتحسين شروط من يعتبرهم رهائن، لأن كل ما أوقعه من خراب غايته عدم تقديم أي تنازل للداخل. قد يناور النظام بعدما أفرغ الخزينة العامة، لكنه أيضاً معلم وقح في فنون الابتزاز، وسيستخدمها تحديداً في الجانب الذي يتحسس منه الأوروبيون، أي موضوع السماح بعودة سوريي المخيمات من لبنان والأردن، بصفتهم الكتلة الأضخم المرشحة للتوجه إلى أوروبا.
التفاوض الذي ينبغي حدوثه أساساً هو مع الأوصياء على النظام، ولا قيمة لأية صفقة تتضمن بقاء رموزه على الأقل. لا قيمة إنسانية لها أولاً على فرض تخلينا عن كل الاعتبارات السياسية والأخلاقية، لأن المتضررين من الحرب لن يحصلوا على الفائدة منها، هذا ما ينبغي فهمه جيداً من جانب الأوروبيين، ومن جانب أية جهة أخرى تحاول إقامة الفصل بين ما هو سياسي وإنساني. الذين بدأوا حملتهم الأخيرة على حلب باستهداف المستشفيات ليسوا من الطراز الذي يعول على أدنى حساسية إنسانية لهم.
في الواقع لا ينتصر حلفاء بشار ميدانياً، ولو تعلق الأمر بالناحية العسكرية فقط لتوقفوا عن التفاوض منذ وقت طويل. منذ تفاهمات فيينا، نحن أمام فصائل معارضة مكشوفة إزاء الترسانة العسكرية الروسية، ومقاومتها مسألة وقت لا أكثر. التفاوض هو على ما بعد الحسم العسكري المنتظر، وعين حلفاء النظام بعد الحصول على تطمينات أميركية ببقائه هي تحديداً على جعل الآخرين يدفعون ثمن البقاء بعدما تكفلت آلتهم العسكرية وميليشياتهم بصموده.
الإدارة الأميركية التي سهلت ذلك الانتصار غير مستعدة لدفع أي ثمن لدعمه، وليست في وضع يمكّنها من الضغط على دول الخليج لفعل ذلك. تبقى أوروبا، وكأن عليها أيضاً دفع ثمن العقوبات المفروضة على موسكو في الملف الأوكراني، بعد دفع الثمن الأكبر في ملف اللاجئين وفي العمليات الإرهابية، وفوق ذلك تحطيم صورتها بدفعها لتدعم الاستبداد وتدفع ثمنه مستقبلاً.