الرئيسة \  تقارير  \  فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني (4): مع “إلنت”، اكتشفوا إسرائيل، ومستوطناتها، وتقنياتها للمراقبة

فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني (4): مع “إلنت”، اكتشفوا إسرائيل، ومستوطناتها، وتقنياتها للمراقبة

03.01.2022
جان ستارن


جان ستارن* – (أوريان 21) 2021/12/26
الغد الاردنية
الاحد 2/1/2022
هل تكون إسرائيل بصدد ربح معركة التأثير في فرنسا؟ قد يظن المرء ذلك، ولهذا خصصنا هذا التحقيق المطول لفحص هذه المسألة. قبل الأزمة الصحية، كان النواب الفرنسيون يهرولون إلى القدس للثناء على “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” قبل التعريج على المستوطنات. أما أصحاب الشركات، فيمتلئون بالحماس أمام الوعود التكنولوجية التي تكون في أغلب الأحيان ذات مصدر عسكري. وهناك فنانون، مفكرون، وصحفيون… كلهم يتوافدون للقيام برحلات استكشافية، والمشاركة في المهرجانات واللقاءات والمسلسلات في إسرائيل. وجميعهم يبدون متأكدين من أن الدفاع عن إسرائيل أصبح أساسيا في عالم مهدِّد.
لا يوجد جيش مجند من ناشطي اللوبي في باريس مثل ذلك الذي نجده في واشنطن. إن أنصار إسرائيل في فرنسا هم شخصيات متنوعة، من اليمين أو اليسار أو الوسط، ووجوه إعلامية تجيد استعمال مغالطات الجدل القائم الذي يتحدث عن مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية، من أجل إقصاء أولئك الذين يواصلون -على الرغم من قلة الآذان الصاغية- النأي بأنفسهم عن سياسة اليمين الحاكم في إسرائيل.
هذا الجزء يتحدث عن “إلنت” (Elnet – European Leadership Network)، وهي شبكة أوروبية لها مقرات في باريس وبروكسل ولندن وبرلين ومدريد ووارسو، مهمتها تعزيز الروابط بين فرنسا وإسرائيل من خلال استهداف القيادات وأصحاب الشركات والمنتخبين. وهي مؤسسة لا تثير ضجة كبيرة وتتمتع بموارد مالية مهمة، ويتمثل نشاطها الأساسي في بيع إسرائيل كمنتوج على الساحة الفرنسية، سواء كان من خلال تسويق شركاتها الناشئة أو مستوطناتها، عن طريق خلق شبكة من أصحاب القرار الموالين لإسرائيل والحفاظ عليهم.
* * *
يتجسد اللوبي الموالي لإسرائيل في فرنسا من خلال منظمة تحمل اسما محايدا وهو “إلنت” Elnet، أي “شبكة القيادة الأوروبية” European Leadership Network. وتقدم المنظمة عملها وطموحها كالآتي: “العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين إسرائيل وفرنسا”. ويتجنب رئيسها، بيار داراس، الأضواء ويعيش في سويسرا، وهي في محور عمل مجموعة من المؤسسات -منها إلنت- التي تهتم بـ”القياديين الشبان”، و”الحوار الاستراتيجي؛ وأهمها هي مؤسسة The House of the rising stars (بيت النجوم الصاعدة) التي تقع في جنيف ولها بدورها روابط عديدة، خاصة مع معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني في فرنسا. وجميعنا يعرف الميل الذي لدى الجيش الفرنسي إلى إسرائيل.
تسعى “إلنت” إلى أن تقدم نفسها كمؤسسة أوروبية من خلال مكاتبها المنتشرة في باريس، وبروكسل، ولندن، وبرلين، ومدريد ووارسو. لكن لها أيضاً جمعية تابعة تدعى “أصدقاء إلنت” مقرها في نيويورك ولوس أنجيلوس، ومهمتها هي جمع الأموال لفائدة المؤسسة الأم في الولايات المتحدة الأميركية. وقد نظمت هذه الجمعية في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 حفلا افتراضيا لـ”تعزيز الروابط الأوروبية-الإسرائيلية” وجمع الأموال لهذا الغرض، بحضور متبرعين ومُحسنين موالين لإسرائيل، والرئيس رؤوفين ريفلين، ووزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، ويائير لابيد، وهو وزير سابق من “وسط اليسار” يقدم نفسه كقائد للمعارضة، كما أنه أيضا السياسي الإسرائيلي الوحيد الذي يحب الرئيس إيمانويل ماكرون صحبته. ولابيد صحفي سابق وكاتب للروايات البوليسية، وقد استقبل بحفاوة في قصر الإليزيه في نيسان (أبريل) 2019، قبيل إحدى الدورات الانتخابية الإسرائيلية.
ومن بين الشخصيات الذين تسهر “إلنت” على التواصل معهم، برونو ترتي، وهو ممثل مهم للبحث العلمي الخاص في فرنسا. وترتي هو مدير مساعد في مؤسسة البحث الاستراتيجي وملحق رفيع في معهد مونتاني، كما أنه متخصص في شؤون الدفاع بعد عمله مع حلف شمال الأطلسي ومؤسسة “راند”. وقد انضم ترتي في فترة ما إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي وإلى مؤسسة “تيرا نوفا” Terra Nova قبل أن يصبح مستشاراً لإيمانويل ماكرون في المسائل “الاستراتيجية” خلال الحملة الانتخابية. إنه، بعبارة أخرى، رجل محنك وذو خبرة.
خلال ندوة افتراضية عُقدت في حزيران (يونيو) 2020، قدم ترتي “تحية لـ”إلنت” التي سمحت لي بمعرفة جميع أوجه وجميع حقائق المجتمع الإسرائيلي”. غريب أن يحتاج ترتي -الذي يتمتع بحضور منتظم في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية- إلى “لوبي” حتى تتكون له فكرة على المجتمع الإسرائيلي.
تغيير مواقف فرنسا       
في الحقيقة، يجهل الرأي العام وجود “إلنت” التي لا تهتم حقاً بعرض حقائق مجتمع منقسم كالمجتمع الإسرائيلي، حيث يتظاهر آلاف الأشخاص أسبوعيا -على الرغم من الأزمة الصحية- ضد سياسة نتنياهو الفاسد. إن ما يهم المنظمة هو “العلاقات الاستراتيجية” والسياسة المناهضة لإيران ومكافحة حملة المقاطعة ضد المنتوجات الإسرائيلية، ناهيك عن دعمها للمستوطنات. وكل هذه المواضيع جوهرية بطبيعة الحال في سياسة الوزير الأول الإسرائيلي.
وفق مدير “إلنت” في فرنسا، آري بن سنحوم، لا يوجد أي لُبس حول الدور الذي تقوم به جمعيته: “حتى وإن لم تكن “إلنت” عمليا جماعة ضغط، فإننا لا نبيع شيئا”. لا شيء… ما عدا سياسة الحكومة الإسرائيلية. وقد شرح لي أن “إلنت” فرنسا تسعى إلى “قلب الطاولة على مواقف فرنسا حول ما يسمى بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لم نعد في العام 1967، وحتى أوسلو أصبحت ذكرى بعيدة اليوم. يجب أخذ ميزان القوى على الأرض بعين الاعتبار، وكذلك التطورات في العالم العربي، ومخطط ترامب، لا من أجل قبوله جملة وتفصيلا، بل لأنه عنصر جديد ونقطة انطلاق”.
يريد آري بن سنحوم من فرنسا أن “تغير خطابها”، ويطالب بموقف جديد “واضح وصريح، يشمل الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل”. فعلا. إن بن سنحوم واضح وصريح، لا شك في ذلك. إنه على الأقل أكثر وضوحا وصراحة من عشرات المختصين والمفكرين والمنتخبين الذين يقوم بدعوتهم على حساب المنظمة إلى إسرائيل، والذين يقدمون بعد ذلك لقرائهم وطلبتهم وناخبيهم خطابا مصطنعا، على غرار النائبة عن الحزب الحاكم، أورور برجي، وزملائها في البرلمان الفرنسي سيلفان مايار (نفس الحزب) وماير حبيب (وسط اليمين)، وبرونو ترتي، وعالم الاجتماع جيرار رابينوفيتش، وغيرهم. ويؤكد بن سنحوم: “لا وجود للصداقة في السياسة الخارجية، إنها فقط للعلاقات. صحيح أن العلاقة بين فرنسا وإسرائيل ليست من نوع “في الهوى سوا”، لكنها علاقة متوازنة وإيجابية وبناءة، وتتسم بالكثير من التعاون في مجال البحث العلمي، والتجديد، وريادة الأعمال، وتبادل المعلومات حول المسائل الاستراتيجية والعسكرية وفي مجال مكافحة الإرهاب”.
هذا هو مجال عمل “إلنت” في فرنسا، أو ما يعبر عنه جان-دفيد بنيشو، وهو صناعي في مجال التكنولوجيا العالية وعضو في مجلس إدارة المؤسسة عندما يقول إنه يجب “القضاء على التوجس المتبادل للتأسيس للثقة المتبادلة، ومرافقة المنتخبين لخلق بيئة للحوار”. ويضيف آري بن سنحوم من جهته: “إن “إلنت” جمعية فرنسية، وهي غير حكومية وغير طائفية، وهي موجودة في سجل الجمعيات. نحن مؤسسة فكرية ومؤسسة فعلية، ننظم بعثات ووفوداً وندوات. تمويلنا خاص يأتي من مؤسسات وشركات وخواص، وليس لدينا أي تمويل عمومي”.
صحيح أن أولوية اللوبي الصهيوني هي الولايات المتحدة الأميركية، فهي أول من يمده إسرائيل بالسلاح، بينما يوجد الاتحاد الأوروبي في الدرجة الثانية. وإسرائيل عضو في عدد من المؤسسات الأوروبية، بعضها مشهور، مثل المؤسسة المنظمة لمسابقة الأغنية الأوروبية Eurovision أو كأس أوروبا لكرة القدم. كما أنها تسهم في عدد من البرامج الأوروبية التي تعود بالفائدة على شركاتها، مثل المشروع الهائل لتأمين أنابيب الغاز الأوروبية والذي تشارك فيه “إلبت سيستمز” Elbit Systems، إحدى مجموعات الدفاع الإسرائيلية الثلاث الأولى. ويشكل الأمن مسألة حاسمة بالنسبة لإسرائيل، ولذلك فإن التعاون مع الأوروبيين ضروري بالنسبة لها، وهي الشريك الوحيد الذي يحظى في الحقيقة بمرتبة شبه عضو في الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن أن مكتب “إلنت” في بروكسل يشمل أيضا حلف شمال الأطلسي، وهو يقوم -وفق أحد المراقبين- بـ”عمليات ضغط تقليدية لصالح بلاده. حتى أنني ظننته في بادئ الأمر وكالة حكومية إسرائيلية”.
بيانات موجزة استراتيجية” في باريس
لكن فرنسا، كقوة عالمية وعضو في مجلس الأمن، وأخيرا وليس آخرا ثالث مصدّر عالمي للأسلحة، تبقى على الرغم من كل شيء هدفا مهما بالنسبة لـ”إلنت”. ووفق دبلوماسي إسرائيلي في باريس، فإن “صوت فرنسا له ثقل في العالم”. أما “إلنت”، فهي بالنسبة له “حركة تشتغل على طريقة نظر البعض إلى إسرائيل. لكن ما تقوم به بعض المنظمات لا يهمنا. لا يوجد سوى صوت واحد لإسرائيل في فرنسا وهو صوت السفارة، و”إلنت” ليست ذراعاً للسفارة”.
إنها حتماً ليست كذلك بنيويا. فمنظمة “إلنت” هي أولا وقبل كل شيء وسيلة لتلميع صورة إسرائيل في فرنسا وليست السفارة هي التي ستعاني في سبيل ذلك. عندما جاء العميد رونين مانليس -الناطق باسم قوات الدفاع الإسرائيلية- إلى باريس في تموز (يوليو) 2018، كانت “إلنت” هي التي نظمت له حصص “بيانات موجزة استراتيجية” من تقديم بعض المحاورين الذين تم اختيارهم. كما تم استقباله ببدلته العسكرية، وهو شيء وصفته “لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الفرنسي” في 3 تموز (يوليو) 2020 بأنه “تاريخي” و”استثنائي”. وقد صرّح العميد وهو ببدلته العسكرية، قائلا: “نحن نسعى إلى التأثير على الضمائر، وهذا جزء من الصراع ومن المعركة التي نخوضها مع العدو”.
أمام النواب الفرنسيين، أكد رونين مانليس أن مهمة جيشه هي “مكافحة الظلام بمعية بلدان العالم الحر”، وشن حرباً على ما أسماه المنظمات الإرهابية وحماس، التي تتميز بـ”قسوة لا يمكن تصورها”. وذكرت رئيسة اللجنة آنذاك، ماريال دو سارنيز (التي توفيت في 13 كانون الثاني (يناير) 2021) خلال تلك الجلسة أن “غزة سجن في الهواء الطلق، ولا يمكنكم ولا يجب عليكم أن تتملصوا من مسؤولية ما يحدث هناك”. أما ألان دافيد، النائب المنتخب على لائحة الحزب الاشتراكي في إقليم جيروند، فقد علق على رد فعل الجيش الإسرائيلي على مسيرات العودة الفلسطينية التي نظمت كل يوم جمعة في ربيع العام 2018، قائلا: “لقد تصرفتم مع وضع أمني كما لو أنكم في حرب، ونحن نندد بهذه المجرزة”. وقد سلك نواب آخرون الطريق نفسه ما عدا ماير حبيب، النائب عن الدائرة الثامنة للفرنسيين المقيمين بالخارج، والذي فضل الانطلاق كعادته في خطاباته حول “عنف العداء للسامية الذي يغذيه أولا وقبل كل شيء كره إسرائيل. إن السياسيين كما وسائل الإعلام مهووسون بإسرائيل”. أما العميد، فقد فرح بحصة الاستماع هذه وشكر البرلمان الفرنسي على “الشرف الكبير” الذي حظي به. وأن يقوم عميد إسرائيلي بمداخلة في برلمان الجمهورية الفرنسية -التي تندد رسميا بما يحدث في غزة- وهو يلبس بدلته العسكرية، فهذا أمر غير مألوف حقا، ولست متأكدا من كونه مشرفا لفرنسا.
أجمل الرحلات
إن كل هم “إلنت” هو جلب إسرائيليين ذوي تأثير إلى باريس وإرسال فرنسيين إلى إسرائيل. ويمثل ذلك مصدر فرح لآري بن سنحوم: “كثيرون يسافرون إلى إسرائيل و”إلنت” تشارك في ذلك، بإرسال عدد من المنتخبين ورجال الأعمال والوفود الجهوية والمحلية. عندما يذهب الناس إلى هناك ويفهمون مدى تعقد الوضع، فذلك يغير من نظرتهم إلى الموضوع. وبما أن فرنسا تواجه هي الأخرى صعود التطرف الإسلامي والإرهاب، فذلك يجعل الفرنسيين أقل تعالياً وتكبراً”. وفي المقابل، يأسف آخرون للأهمية التي أصبحت أسفار “الاستكشاف” هذه تأخذها في السنوات الأخيرة، ومن بينهم هذا السفير الفرنسي السابق الذي يقول: “يحاول الإسرائيليون دائما أخذ الزائرين إلى الجولان وإلى المستوطنات. لم لا، غير أن جميع النصوص الدولية التي وقعناها تقول عكس ذلك. هل تغيرت السياسة الفرنسية؟ إلى حد الآن على الأقل، لم تقل الحكومة:” “نحن نحب المستوطنات””.
وهكذا، قام 37 نائبا من انتماءات سياسية مختلفة بما هي “وفق رأي الجميع رحلة جميلة إلى إسرائيل في العام 2018، بحسب التعليق الساخر للنائب برونو جونكور. وبطبيعة الحال، كانت هذه الرحلات من تنظيم “إلنت”، وشارك فيها أهم وفد برلماني فرنسي منذ إنشاء إسرائيل في العام 1948. وقد زار هؤلاء مدينة داوود في سيوان المثيرة للجدل، وهي حي فلسطيني في القدس تعتبره السلطات الفرنسية “محتلا”. كما التقوا ببنيامين نتنياهو، وحضروا عشاء مع وزير العدالة، أمير أوحانا، وهو عضو سابق في جهاز الأمن الداخلي (شين بت) وحاليا في حزب الليكود اليميني، ويشغل منصب وزير الأمن العام منذ أيار (مايو) 2020. ويواصل برونو جونكور تعليقه، فيقول: “لقد بذلوا جهودا كبيرة، وهذا جزء من استراتيجية الحكومة الإسرائيلية في سعيها إلى تلميع صورتها على الرغم من السياسة التي تقودها”. ويضيف النائب غويندال رويار: “لطالما سعت سفارة إسرائيل في فرنسا وراء النواب الفرنسيين، ولكن منذ عقدين، بات ضغط المنظمات الموالية لإسرائيل أشد بكثير. لهذه الرحلات إلى إسرائيل تداعياتها، خاصة وأنها موجهة سياسيا. وقد تنبهت لهذا الضغط خلال رئاسة فرانسوا هولاند وخلال العهدة الحالية. ولكن إذا دعتني “إلنت” فلن أستجيب، فأنا أعرف جيداً دور هذا اللوبي ولا أريد أن أشارك فيه”.
كما نظمت “إلنت” ومولت أيضاً رحلة الإمام حسن شلغومي إلى إسرائيل مع أربعة شبان فرنسيين مسلمين، في حزيران (يونيو) 2019. وكان شلغومي قد التقى العميد مانليس قبل هذه الرحلة بسنة، عند زيارة الأخير إلى باريس. وتتمتع “إلنت” بالموارد اللازمة للمتابعة وبتسلسل الأفكار.
هجوم على المدافعين
عن حقوق الفلسطينيين
تتصرف “إلنِت” خلافاً لفرنسا. فبعد أشهر من زيارة العميد مانليس الرسمية، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، قدمت فرنسا “جائزة حقوق الإنسان” التي أطلقتها سنة 1988، لمنظمتي دفاع عن حقوق الإنسان تنشطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هما المنظمة الإسرائيلية “بتسيلم” والفلسطينية “الحق”. وقد أُسندت مهمة تسلُّم الجائزة لهاغاي العاد وشوان جبارين اللذين ذهبا إلى باريس لمقابلة وزيرة العدل، نيكول بيلوبيه، في مكتب وزارتها. لكن سفارة إسرائيل في فرنسا والنائب ماير حبيب والمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا (كريف) قادوا حملة ضد تسليم هذه الجائزة، وتفوهوا بخطاب صادم على غرار ما قاله وزير إسرائيلي آنذاك، والذي استشاط غضبا لرؤية فرنسا وهي تكرّم منظمتين “تتهمان إسرائيل بالتمييز العنصري وتنتقدان شرعيتنا على المستوى الدولي وتدافعان عن الإرهاب وتدعمان حملة المقاطعة”، على حد قوله.
ومن جهته، نشر “كريف” كذلك على موقعه خطابا يهاجم المنظمتين غير الحكوميتين، وهو خطاب من تأليف “مراقب المنظمات غير الحكومية” NGO Monitor، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية مهمتها المتابعة والتنديد بنشاط منظمات حقوق الإنسان في فلسطين وإسرائيل الذي يسفر عن “تشوهات خطيرة” لإسرائيل، خاصة منظمتي “بتسيلم” و”الحق”.
كنا قرابة مائة ضيف في انتظار خطاب الوزيرة التي كانت ستكرم منظمتي “بتسيلم” و”الحق” باسم الجمهورية الفرنسية. ومر الوقت وبدأنا نفقد صبرنا. لكن الوزيرة تغيبت بذريعة اجتماع طارئ. وقد خجلنا من هذا الموقف. إذ تبين أنه يمكن لعميد إسرائيلي أن يدخل بزيه العسكري إلى البرلمان، بينما يُعامل رئيسا منظمتي دفاع عن حقوق الإنسان بهذا التجاهل. وكان هاغاي إلعاد -الذي يكن له بنيامين نتنياهو كراهية عميقة- مُحبَطا لكنه لم يتفاجأ. قبلها بأسابيع، كان قد تحدث إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتلقى معاملة سيئة جدا من اليمين الإسرائيلي بسبب خطابه الصريح الذي جاء فيه: “أقول للوزير الأول بنيامين نتنياهو: لن تنجحوا أبدا في إسكاتنا، لا نحن ولا مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين يعيشون حاضرا قائماً على السيادة والظلم، والذين يعملون من أجل مستقبل مبني على المساواة والحرية وحقوق الإنسان. لست خائنا ولا بطلا. فالأبطال الحقيقيون هم الفلسطينيون الذين يواجهون هذا الاحتلال بشجاعة وعزيمة. إنهم هم الذين يوقظهم الجنود في منتصف الليل عندما يدخلون بيوتهم. إنهم هم الذين يعلمون أنه إذا قتل أحد أقاربهم، فلن يعاقب المسؤولون عن قتله. إنهم هم الذين يظلون في أرضهم وهم يعرفون حق المعرفة أن المسألة مسألة وقت قبل أن تأتي الجرافات”.
في هذا الملف، كانت تصريحات النائب ماير حبيب وسفيرة إسرائيل في فرنسا، أليزا بن نون، ورئيس الـ”كريف” فرانسيس خليفة متناغمة. وهو الموقف نفسه الذي قدمته وزارة الشؤون الاستراتيجية في القدس والذي نشرته منظمة “مراقب المنظمات غير الحكومية”، والذي تروج له “إلنت” يومياً في باريس: لن نسمح لأي رسالة بأن تمر. يمكننا تكريم عميد إسرائيلي في باريس، وإنما ليس المدافعين عن حقوق الإنسان. إنه انتصار جميل، وليس بالهين.
 
*جان ستارن: صحفي سابق بجريدتي “ليبيراسيون” و”لا تريبون”، متعاون مع مجلة منظمة العفو الدولية. نشر سنة 2012 كتاب Les Patrons de la presse nationale, tous mauvais “رؤساء الصحافة الوطنية جميعهم سيئون” وصدر عن دار “لا فابريك”؛ وفي 2017، صدر عن دار “ليبرتاليا” Mirage gay à Tel Aviv كتابه “سراب مثلي في تل أبيب”.