الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فرصة لا تفوت

فرصة لا تفوت

16.02.2020
ميشيل كيلو



العربي الجديد
السبت 15/2/2020
أغلق الغزو الروسي باب السلام في سورية، وفتح الباب لاجتثاث الشعب السوري، بقتل الآلاف منه، وطرد الناجين من القتل إلى خارج وطنهم، وهم بالملايين.
هذا هو جذر المعضلة التي تعيشها سورية منذ سبتمبر/ أيلول عام 2015، ونقلت معادلة التنافي بين الأسدية والشعب إلى طور نوعي لم يسبق لها أن بلغته في أي دولةٍ وتاريخٍ قرأنا عنه أو سمعنا به. إنها معادلة "نحن أو هم" التي تترجم إلى حتمية انتفاء الشعب، ما دمنا نحن في الكرسي، وما دامت عودته إلى الحقل السياسي تعني نهايتنا. لذلك، وقع الغزو لإيقاف المعادلة من جديد على رأسها، حيث يعني إنقاذ الأسدية هلاك الشعب، كما حدث بالفعل منذ انطلقت أول طائرة روسية لقصف الآمنين في مناطق تخلو من غيرهم، لتبقى الأسدية، ويزول السوريون ووطنهم.
لا يتوهم أحد أن شراكته مع الروس في أستانة أو سوتشي ستغير هذه المعادلة. ومن أراد براهين فلينظر إلى ما حلّ بالشعب السوري على يد جيش روسيا الذي كنسه كنسا بقنابله وصواريخه إلى خارج وطنه، وأغرقه في البحر أو تركه في العراء، بينما أرسلت مخابرات وشبيحة الأسدية من بقي منه في منازلهم إلى التجويع والاغتيال والموت تحت التعذيب.
مارست روسيا في الأشهر الأخيرة سياسة تقول لمن لم يفهم بعد: شراكتنا معكم تعني استسلامكم للمعادلة الأسدية ولشروطنا، فإن حدتم عنهما كلفنا "ذيل الكلب" بتلقينكم درسا مذلا، تحت إشراف وحماية من لن يهدر وقته ليلقنكم إياه: سيدكم في الكرملين.
هل يذهب الرد التركي نحو تفكيك معادلة "نحن أو هم"، بقرار يعلم روسيا بصورة حاسمة ونهائية أننا لن نكون بعد معكم، لأن ذلك يعني أننا لسنا ضدهم حقا بل معهم، وضد الشعب الذي كنستم ملايينه بالقوة إلى داخل تركيا، أو إلى مقربة من حدودها، وتعتدون على كرامتها الوطنية بقولكم إن ضحاياكم لا يُقصفون، ويذهبون طوعيا إلى المناطق الأسدية؟
مهما يكن من أمر، ما وصلت إليه العلاقات التركية الروسية هو فرصةٌ لا تعوّض لتصحيح المعادلة الروسية في سورية، بل ولانتزاع سورية من موسكو، بقرارٍ ينهي التأرجح بينها وبين حلف شمال الأطلسي، ليضع الرئيس الروسي، بوتين، أمام العودة إلى نقطة الصفر، وخسارة كل ما كسبه في الأعوام الأربعة الماضية، بتعاون تركيا معه في سورية، وباختراق حلف الأطلسي بواسطتها، وإجباره على التراجع عن حماقاته، قبل أن يتلقى ضربة تقصم ظهره استراتيجيا ، بإفشال خططه للانفراد بسورية، ولإضعاف وشق دول "الأطلسي"، من دون أن يقدم أي مقابل استراتيجي للرئيس التركي أردوغان الذي يجد نفسه أمام اعتداء أسدي يطاول كرامة جيشه، بأمر من بوتين، ودعم من طيرانه.
هل تكون الخطوة التركية التالية إعلان العودة من دون شروط إلى حلف الأطلسي، والتفاهم معه على حل في سورية يزيح الأسدية، حبيبة بوتين وأداته، التزاما بتطبيق القرارات الدولية، وبخطة تنفيذية تستخدم ما لدى الحلف من وسائل لإكراه روسيا على قبولها، حاملها الميداني تحالف سياسي/ عسكري مع المعارضة السورية، يخرج تركيا وسورية من معادلات موسكو، ويدخلها في معادلاتهما، ويغلق باب الحل العسكري الروسي الذي سيلزم بوتين برد الأسد إلى حجمه، ويعيد تركيا إلى مكانها خارج سوتشي وأستانة، الساحة التي أسّستها روسيا وإيران كي تتلاعبا بها وتنقذا الأسدية، ويلزمها الكرملين بسياساته وأهدافه، كما حدث في أكثر من مكان ومناسبة، في مناطق خفض التوتر وحلب.
تقف تركيا اليوم أمام خياراتٍ مغايرة لخيارات السنوات الأربع الماضية، وقد حشدت قوة رادعة تكفي لتطبيقها ميدانيا، وتجعلها في غنىً عن حربٍ ليس خوضها ضروريا للانفكاك عن روسيا، فهل ما تقوم به اليوم هو خطوتها الأولى على هذه الطريق التي يأمل السوريون أن تغير وضعها ووضعهم؟!