الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل عسكرية إيرانية – روسية إلى أنقرة والمعارضة السورية

رسائل عسكرية إيرانية – روسية إلى أنقرة والمعارضة السورية

13.11.2018
هبة محمد


القدس العربي
الاثنين 12/11/2018
دمشق- "القدس العربي" : يُثير التصعيد الذي تشهده جبهات الشمال السوري تساؤلات عن مواقف الفاعلين من استمرار سير اتفاق خفض التصعيد والمنطقة منزوعة السلاح، اذ جاء بعد انقضاء مدة ليست طويلة من الهدوء النسبي الذي ساد في المدن والبلدات المشمولة بإتفاق "سوتشي" المنبثق عن قمة بوتيناروغان حول إدلب، ثم تعاظمت وتيرة الخروقات العسكرية خلال الأسبوعين الأخيرين بشكل ملحوظ، وكانت الحدث الملفت في آخر الهجمات التي استهدفت مواقع "جيش العزة" في ريف حماة قبل أيام، بمشاركة الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له، والمراقبة الجوية الروسية، وفق ما أكدته مصادر المعارضة.
موقف روسيا حسب مراقبين يكمن وراء مصالحها في السير قدماً بالاتفاق للحفاظ على مكاسبها ونفوذها، وبعدم التخلي المطلق عن الاتفاق لأنه قد يفقدها ثقة الشراكة والعلاقة مع تركيا التي تم بناؤها، إلّا أن روسيا لا تريد غالباً الإبقاء على الاتفاق بشكلّه الحالي، لأنه لم يلبِّ أصلاً جميع مصالحها الاستراتيجية، وبالتالي فإنها قد تذهب للضغط على تركيا ودفعها لتقديم تنازلات مقابل تجديد الاتفاق بعد صياغته بشكل آخر.
 
حذر روسي
 
وطالما أن العلاقة والشراكة بين تركيا وروسيا ما تزال قائمة على عامل بناء الثقة المتبادلة، يرجح مركز جسور للدراسات أن موسكو تنظر بعين الحذر إلى عودة العلاقات الأمريكيةالتركية لسياقها الطبيعي وما يترتب عليها من توجّه مشترك بين البلدين في شرقي الفرات، خصوصاً إذا كان ذلك لا يأخذ بالحسبان المصالح والمكاسب الروسية في غرب الفرات. ومن المفيد القول إن موسكو لا تنظر إلى الاتفاق في الشمال السوري بمعزل عن بقية الملفات في سوريا، وهي غالباً ما تريد جعله وسيلة للتفاوض مع الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى تسوية نهائية تشمل حلّاً لقضايا عدّة منها توزع القوات الأجنبية والقواعد العسكرية والمسار السياسي وتواجد إيران ودورها في سوريا.
ما سبق يعطي فهماً أولياً لسياق التصعيد والخروقات التي تشهدها جبهات الشمال السوري، حيث أن روسيا تريد الضغط على تركيا من أجل تقديم مزيد من التنازلات إلى جانب تنفيذ التزاماتها بأسرع وقت، وأن إيران تريد معرفة مسافة المناورة التي يُمكن أن تتحرك ضمنها، خصوصاً وأنها اضطرت للقبول بالاتفاق.
ميدانياً، تبنت تحرير الشام هجوماً ضد مواقع للنظام السوري يوم السبت، في منطقة حلفايا في ريف حماة الشمالي الغربي عند الأطراف الخارجية للمنطقة المنزوعة السلاح" التي حددها الاتفاق الروسيالتركي في محافظة إدلب ومحيطها، وأعلنت الهيئة مقتل 18 عنصراً من قوات النظام بينهم أربعة ضباط، بالإضافة إلى سبعة جنود من القوات الروسية قتلوا في الهجوم ذاته.
ونقلت وكالة "إباء" عن القيادي العسكري في الهيئة "عمر المحمود" قوله: العملية نفذتها "العصائب الحمراء" التابعة لتحرير الشام، وأن العملية جاءت رداً على "المجزرة الإيرانية" التي قُتل فيها 20 عنصراً من مقاتلي "جيش العزة" التابع للمعارضة السورية المسلحة.
كما نوه القيادي إلى أن العملية "رد مبدئي" على هجمات النظام السوري في منطقة "الزلاقيات"، وبأنها استهدفت غرفة عمليات ذات تحصين عالي، مشيراً إلى أن هذه الغرفة العسكرية الوحيدة في المنطقة، وبأنهم يرصدون العديد من الأهداف التي سيتم استهدافها في الوقت والطريقة المناسبتين، وفق قوله.
وحمل الأسبوعان الأخيران توتراً متصاعداً في منطقة خفض التصعيد، كانت أولى حلقاته، آخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، إذ اتهمت وزارة الدفاع الروسية فصائل المعارضة السورية بنقل 20 حاوية بحجم 10 ليترات تحتوي على مادة الكلور بزعم القيام باستفزازات في الشمال السوري وإلصاق التهمة بالنظام.
 
رسائل للضامن التركي
 
وعقب ذلك بيومين، ارتكتب قوات النظام السوري مجزرة ذهب ضحيتها عشرة مدنيين في بلدة "جرجناز" جنوب شرق إدلب، اوجب ذلك رد قوات المعارضة حيث قتلت أربعة عناصر للنظام، وفي 9 تشرين الثاني- نوفمبر الحالي، تسللت مجموعة تابعة للحرس الثوري الإيراني إلى جانب عناصر من النظام السوري إلى حاجز الزلاقيات شمال حماة ونفذت عملية أدّت لمقتل أكثر من 20 مقاتلاً من جيش العزة، وفي العاشر من الشهر ذاته أعلنت هيئة تحرير الشام تنفيذ عملية أمنية خلف خطوط التماس التابعة لقوات النظام، وقتلت فيها 7 جنود روس و18 عنصراً لقوات النظام بينهم أربعة ضباط.
واعتبر القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد فاتح حسون تكرار الهجمات التي يقوم بها النظام وداعموه في الآونة الأخيرة في المنطقة منزوعة السلاح ومناطق التماس شمال البلاد، بأنها رسائل ترسلها الدول المعنية للضامن التركي، لا للمعارضة السورية فقط، فالعمليات المحدودة المنفذة أخيراً من قبل قوات النظام والحرس الثوري الإيراني براً، بمشاركة طيران الاستطلاع الروسي جواً هي عمليات منسقة من قبل مقر قيادة التحالف الثلاثي المشترك للروس والإيرانيين والنظام، وقد كان لكل منهم رسالته الخاصة التي يود إرسالها.
رسالة إيران العسكرية جاءت وفق القيادي، لشعورها بالإقصاء، بعد "القمة الرباعية" في اسطنبول التي ضمتإلى تركيا وروسيافرنسا وألمانيا، وتجاهل انها احد اضلاع مثلث "أستانة"، أما الروس فقد سبب التقارب "التركي الأمريكي" الذي يمضي بخطوات سريعة تبدو ثابتة، لهم الارباك، وإن كانت تصريحاتهم العلنية لا توحي بذلك، فهم أرادوا أن يلفتوا انتباه انقرة لإمكانية تخريب ما تم الاتفاق عليه، في حال جنحت أنقرة باتجاه واشنطن، وعلى صعيد قوات النظام فلا حول ولا قوة لها لا بالقرار، ولا بالعمل، ولكنها تحتاج لإرضاء داعميها وأن تثبت وجودها على الأرض بعد ظهور ضعفها وعجزها وبالتالي فإن رسالتها لا تتخطى حاضنة النظام.
ولم يستبعد في تصريحه لـ "القدس العربي" تكرار الهجمات ضمن أطر "الفعل ورد الفعل"، إلا أن إنجاح اتفاق "سوتشي" يكمن في السيطرة على القوى المنفذة لهذه العمليات من الطرفينوهنا بيت القصيدفمن يسعى لهذا النوع من التكتيك يسعى لنسف الاتفاق بمجمله، ويراهن على قدرة الضامن التركي على التحكم "بردة الفعل"، لا سيما أنه لا يتحكم "بالفعل"، مما قد يجعله مضطراً لاتخاذ خطوات تصعيدية سياسياً وميدانياً، وهذا ما فشل الروس والإيرانيون به، حيث كان تصريح وزير الدفاع التركي سياسياً بيّن فيه أنه سيتم المضي بالاتفاق وتجاوز المعوقات.
ويحتاج الضامن التركي بكل الأحوال لأن يلتزم الروس والإيرانيون والنظام بالاتفاق، وليس هؤلاء فحسب، بل كذلك التزام قوى الثورة السورية المتناغمة مع الرؤية التركية بالاتفاق، إلى جانب القوى المصنفة ذات التيارات المتعددة وهذا بحد ذاته تحدٍ كبير يحتاج لحنكة في معالجته، وحتى إنجاح الاتفاق يحتاج إلى تطمين وتهدئة الحاضن الشعبي للثورة وملايين من المدنيين في إدلب.
السياسي السوري درويش خليفة، أكد أن تركيا لا تتوجه بخطاباتها السياسية وتحذيراتها الإعلامية إلى النظام السوري، فهي لديها شريك في صياغة الاتفاق، وهو المعني بإيقاف ما يحصل لتبقى المنطقة في حالة استقرار عسكري، وللانتقال للمرحلة التالية وهي اللجنة الدستورية.
ونوه إلى وجود تيارين داخل قوات النظام السوري أحدهم موالٍ لروسيا والآخر مؤيد لإيران، والجميع يعلم بأن إيران ليست راضية عن نتائج لقاء سوتشي الأخير بين الرئيسين اردوغان وبوتين. ومن هنا يمكننا أن نستخلص وجود خلطة لا تطبب الجرح إنما تسكنه لفترة وجيزة، فالخروقات التي حصلت في الاتفاق مؤخراً، لم تأخذ زخماً اعلامياً يؤدي بالمتفقين للعودة إلى الطاولة لردع القوى العسكرية في المنطقة، وفق ما قاله خليفة.
وتوصلت روسيا وتركيا قبل نحو شهرين إلى اتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها بعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، بعدما لوحت دمشق على مدى أسابيع بشنّ عملية عسكرية واسعة في المنطقة، التي تُعد آخر معقل للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا.
وتقع المنطقة المنزوعة السلاح على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل المعارضة والجهادية، وتشمل جزءاً من محافظة إدلب مع مناطق في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي، ورغم الاتّفاق، تشهد المنطقة بين الحين والآخر مناوشات وقصفاً متبادلاً بين قوات النظام والفصائل المعارضة والجهادية.