رسائل طائرة 29/05/2020

أبو الهدى الصيادي وشيخه الرواس وأمور أخرى
تلقفت الإعجاب بأبي الهدى الصيادي من مصدرين
الأول من إعجاب السلطان عبد الحميد رحمه الله تعالى به ، وتقديمه له .
والثاني من تتابع ثلة كريمة من علماء حلب عل الإعجاب به والثناء عليه .
وربما قناق ابو الهدى الذي كنّا نمر به حول القلعة ، والذي أصبح فيما بعد مقرا لأمانة الفتوى ..كان له أثر في تكريس هذا الإعجاب ، فالناس تميل إلى الانبهار بمظاهر الأبهة مهما تكن خلفيتها .
ربما لم يسأل أحدنا نفسه يوما وهو يستظل بظلٍ : من أين لصاحب هذا الظل ظله .
وكنت أيام العيش في حلب قد حظيت بنسخة من ديوان شعر مطبوع حديثا لأبي الهدى ، واقتنيته على أمل ، وتصفحته فلم أَجِد فيه بيت شعر أحفظه ، على عشقي للشعر ، فاتهمت نفسي لعل الرجل أعلى طبقة مني ، وما زلت أقول ..
ربما مفيد أن أذكر أنني أقسم ساعات يومي التي أعمل فيها ثلاثة أثلاث ، ثلثان أقرأ وثلث أكتب . فكان مما ظفرت به لقراءته كتاب عن أبي الهدى الصيادي . دراسة أكاديمية علمية صعقتني !!
تضع الدراسة بين أيدينا بنص ودليل وأقوال شهود حقائق غير معروفة عن الصيادي . وتقول لنا: إن الصيادي الذي كان ، غير الصيادي الذي نتصوره ، ونتعاطى ذكراه .
وتشكك في نسبه الشريف المدعى وإن احتل مكانة في نقابة الأشراف
وفِي تصوفه ورفاعيته فهو مجرد..
وفِي علمه ..
وفِي كتبه " المستكتبة" كما الكثير من الطروحات العلمية في هذا العصر .
أبو الهدى الصيادي من خان شيخون مدينته الأصلية إلى قصر يلدز..عالم .. أو مرشد أو سياسي ؟!
حكاية طموح ونجاح فردية
لا أريد أن أصدق ما قرأت ولا أريد أن أرفضه .
من أهم القضايا التي طرحتها الدراسة :
- سر تبني الصيادي للشخصيات العربية عند السلطان ...
- من خرب علاقة السلطان بجمال الدين الأفغاني ، واتهمه بالتشيع ، ونفى عنه أنه سني حنفي ؟
السؤال : الأخطر من رأى أو سمع أو عرف شيئا حقيقيا عن الشيخ الرواس ؟!
أنا أفكر فأنا موجود ..
لا تريقوا الخمر فقط بل اكسروا دنانه..
زهير سالم
===========================
الصحفي والسلطة ..
حلب - 1965: ثانوية المأمون ..
صحيفة المسجد - صحيفة حائط ثقافية مسجدية ..
الصحيفة بإشراف ورعاية الأستاذ عبد الله ناصح علوان رحمه الله تعالى
رئيس التحرير أو المشرف المباشر زهير سالم ..
أسرة التحرير تقريبا خمسة أو ستة طلاب : يكتبون ، ويجمعون ، ويلخصون وينشرون ..
الصحيفة : أسبوعية ، تجدد كل سبت ..
الخط العام أو الوصية العامة : ألا نستفز أحدا لكي نستمر . وقوف الطلاب أمام لوحة المسجد في الفرص هو عنوان النجاح ..
وفي ضحى أحد الأيام ، دخل الآذن غرفة الصف ، واسـتأذن من المدرس ، ونادى على اسمي إلى المدير ..
كان المدير " عبد القادر مايو " مدرس لغة عربية بالأصل ، بعثي من الطراز القديم لي معه أكثر من جولة ، ولكنه هذه المرة يطلبني ..!!
تعودنا منذ المرحلة الإعدادية أن نتلقى تهديدات من الإدارة عنوانها مثل " نرسلكم إلى حيث لا يعلم أهلوكم أين أنتم .."
ثارت في رأسي الهواجس وأنا أصعد الدرج إلى غرفة المدير ، ثم تماسكت واستعذت بالله ، طرقت الباب ودخلت ..
- أنت فلان ؟
- نعم ..
أنت المسئول عن صحيفة المسجد ؟
نعم ..
من يعمل معك ..؟ وكان يمسك قلما بيده ، وعلمت أنه يريد تسجيل أسماء
- هذه موضوعات أكتبها أو أنقلها وألخصها ..
- من كتب هذا الموضوع وسأل عن موضوع ديني في التوحيد ؟
- قلت أنا ..
قال : هات مفتاح اللوحة ..
قلت : استلمت المفتاح من الأستاذ عبد الله علوان ..
قال : هل الأستاذ عبد الله يطلع على كل الموضوعات قلت له ، لا ..
قال : هات المفتاح ..
تلكأت ..قال هات المفتاح وإلا ..
قلت سأحذف الموضوع ولكن ماذا فيه ..؟
قال بلهجة حازمة : هات المفتاح ..
مددت يدي إلى جيبي وهي ترتعش ، وسلمته المفتاح ..
كانت من أكبر لحظات الانكسار التي عشتها في حياتي ..
ضغط الجرس ، ونادى على الآذن ، وقال له على مسمع مني : اذهب ومزق كل هذه الأوراق ..
والتفت إلي : اذهب إلى صفك ..
كنت في الثاني الثانوي وشعرت بالغيظ والغضب والعجز ..
لم أعد إلى الصف ..
رحت أبحث في لوحة البرنامج اليومي عن مكان درس الأستاذ عبد الله علوان ..
لم يكن عنده حصة في ذلك الوقت ، ولن يأتي إلى المرسة إلا بعد حصتين ..
عندما اقترب موعد حضوره كنت أنتظره على الباب الخارجي للمدرسة ..
وحكيت له كل شيء في الممر الذي يفصل الباب الخارجي والداخلي ، ولم تكن ثورة أبي سعد أقل من ثورتي ..
وتوجه مباشرة إلى غرفة الإدارة وهو يردد عبارات ..جعلتني ألوم نفسي لعلي بالغت في التوصيف ..
وظللت مرابطا قرب باب المدير نصف ساعة ، ولا أدري ماذا يدور في الداخل ..
بعد نصف ساعة ، خرج الشيخ عبد الله وهو يبتسم وقال صحيح هي صحيفة مسجد ، ولكن لا تناقشوا عليها عقيدة التثليث ..
تعلمت يومها أنه في عالم الصحافة يجب أن تراعي أمزجة كل الهوائيات التي تلتقط حديثك وإلا فأنت مدان.
ولعلي أتساءل اليوم : هل كان المدير على حق ، أو أن الوشاة زادوها حبتين ؟!
زهير سالم
============================
سوريون ...وأتراك ، عدنان مندريس وعصمت إينينو، وشيء ما
شيء من الذاكرة ونثرة من الأرشيف
من الذاكرة ...
كنت في الثالثة عشرة عندما أعدم عدنان مندريس رحمه الله تعالى . كان اهتمام السوريين بما يجري في تركية محدودا . كانت صورة الحكومة التركية في أذهان السوريين شديدة القتامة على خلفيات متعددة منها موقفها من الإسلام ، واعترافها بإسرائيل ، ومنها التبشير الثقافي الطائفي الأسود ضد الدولة العثمانية . كان للطائفية النابذة للدولة العثمانية في تاريخ سورية الحديث أكثر من خلفية ..وكان على أبناء جيلنا في فترة الستينات أن يحاربوا ، ويتحملوا لإسقاط مصطلح " الاستعمار العثماني" المنبثة في كتب التاريخ والأدب وعلوم الاجتماع .
ربما لا يسر الأخوة الأتراك أن يعرفوا كثيرا عن صورة أتاتورك في المخيال الشعبي السوري . ومع أن عددا غير محدود من أبناء جيلي وجيل يكبرني كانت أسماؤهم "مصطفى كمال " إلا أن الصورة التي كانت شائعة لم تكن كما يحب بعضهم ...
تعليقات الكبارمن حولي على الاختلاف بين عصمت إينينو وعدنان مندريس مثل تعليقاتكم اليوم على الاختلاف بين بشار ورامي . أنا أتكلم عن سواد عام وليس عن أصحاب اختصاص . تناقل الأخبار لم يكن يتم كما هو اليوم ..
حديث الزائرين عن الانحلال في تركية كان هو موضوعهم الغرائبي . ثم علمت أن حكماء الترك لديهم أمثال في التحذير من بنات اسطنبول ، مع كل الاحترام لبنات اسطنبول . وأعلم الآن أن ذلك التراث هو جزء من التدافع بين المحيط والمركز ..مثلا بعض أهل الأرياف كانوا يختصرون حلب ببؤرة معينة فيها .
أتذكر من سنة 1957 وهذه ذاكرة ابن عشر سنوات أنه كانت حشود تركية على الحدود السورية . كنا في عهد مندريس - القوتلي . لا أعلم الكثير عن الخلفيات والأسباب . حفرنا الخنادق من جهتنا للدفاع ، وأعلن جمال عبد الناصر أنه مع سورية في معركتها !!
فكرة الحياد الإيجابي الزاهية وكما سوقها جمال عبد الناصر وحليفاه نهرو وسكارنو عبر مؤتمر بانونغ ، كانت مهمة جدا في جعل الجماهير العربية تنبذ كل ما يتعلق بالأحلاف ؛ ولاسيما مع الولايات المتحدة بشكل خاص ، وقد ساهم انخراط تركية في حلف شمال الأطلسي إلى حد كبير في تعتيم صورتها في أذهان السوريين . وانضاف إلى تلك اعتراف تركية بالكيان الصهيوني
في ذلك الزمان دار الجدل طويلا حول ما سمي " الحلف الإسلامي " الملك فيصل بن عبد العزيز ، وشاه إيران وآخرين ضد وارسو وتيار القومية العربية ..معركة أتذكرها جيدا ، وكتب البعض على الجدارن يسقط " الحلف الإسلامي .." أتذكر أن الحكومة السورية لم تقارب فكرة الأحلاف تلك وأعي تماما أنني حتى اليوم أرفض فكرة الانحياز إلى الأحلاف والمحاور ، ولا أقارب الصراع بين السعودية وقطر بمنشور .
من الأرشيف ...
كان عندي فضول كبير بالأمس وأنا أتابع أخبار تكريم عدنان مندريس رحمه الله تعالى أن أعرف أكثر عنه وعن ء وزيريه اللذين أعدما معه . لم يشبع أحد ممن قرأت له فضولي وذهبت للبحث وعدت لكم بهذه الأثارة من العلم ، قد لا تكون كافية ولكن فيها ما هو مهم ، أردتها معرفة من غير توظيف ..
عدنان مندريس مولود 1899 ..
من أسرة من كبار الملاك والأثرياء ..
التحق بالمعهد الأمريكي في أزمير ..
انشق عن حزب الشعب الجمهوري بزعامة عصمت إينينو عام 1945
وشكل مع عدد من زملائه الحزب الديمقراطي ..
كان من الوعود التي رفعت أسهمه في الشارع التركي ليكسب الانتخابات : إعادة الآذان بالعربية ، والسماح بالتعليم الديني ..ووفى بوعوده الانتخابية بعد النجاح .
نجح في حكم تركية بين عامي 1950 و1960 حتى الانقلاب عليه .
كانت سياساته العامة في الفضاء الأمريكي ضد الروس .
في عهده التحقت تركية بحلف شمال الأطلسي
حقق إصلاحات اقتصادية مهمة ..
وقع الانقلاب عليه 1960 بعد مظاهرات احتجاج طلابية وعمالية
بعد الانقلاب على حكومته اعتقل ..
رئيس الجمهورية جلال بايار وحكم بالمؤبد
رئيس الحكومة عدنان مندريس وحكم بالإعدام وتم تنفيذ الحكم سريعا ..
وزير الخارجية : فطين رشد ، وحكم بالإعدام ونفذ الحكم بعد أيام
وزير المالية : حسن بلاتقان وحكم بالإعدام ونفذ الحكم بعد أيام ..وكانت التهمة التي وجهت إايهم، تذكروا هذا ولا تنسوه ، لأنه سيظل يتكرر معكم : اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية !!
لعلي أفدت ..
زهير سالم
===================================