الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل صفقة الصواريخ الروسية

رسائل صفقة الصواريخ الروسية

23.10.2018
عاصم عبد الخالق


الخليج
الاثنين 22/10/2018
اعتبرت وسائل الإعلام أن تزويد سوريا بمنظومة الصواريخ الروسية المتطورة إس 300 يمثل قفزة نوعية كبيرة في قدراتها الدفاعية، ويصلح بعضاً من الخلل في موازين القوة مع "إسرائيل". غير أن للمعلّقة الروسية آنا بورشيفسكاي رأياً مخالفاً إذ تعتبر أنه ليس للصفقة تلك الأهمية العسكرية الكبيرة، وأن أهميتها الأساسية تكمن في ما توجهه من رسائل سياسية.
لكي نرصد الرسائل التي أرادت موسكو توجيهها إلى أكثر من طرف لابد من الأخذ في الاعتبار التوقيت الذي اختارته لقرارها بتزويد سوريا بالمنظومة الجديدة، وهي درة تاج الدفاعات الجوية الروسية.
جاء إعلان القرار الروسي بعد أيام من إسقاط الصواريخ السورية طائرة عسكرية روسية بطريق الخطأ. وقد اتهمت روسيا "إسرائيل" بالتسبب في الحادث. كما جاء قرار روسيا في وقت تتأزم فيه علاقاتها مع واشنطن التي تتمادى في فرض العقوبات عليها.
نعود إلى تعليق الكاتبة الروسية التي تعمل باحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. الشق الأول من رأيها يتعلق بالجانب العسكري حيث تقلل من أهمية حصول سوريا على هذه الصواريخ، وتتحفظ بالتالي على الآراء القائلة بأنها ستغير معادلات القوة لصالح النظام السوري.
ودون الدخول في الجوانب الفنية التي تطرقت إليها، نكتفي بالإشارة إلى حديثها عن أهمية الاستطلاع الجوي، وإدارة المعركة كعنصرين مكملين لعمل المنظومة الجديدة. فإذا كان الاستطلاع بطيئاً جداً في رصد الطائرات وهو ما تتوقعه، فإن فاعلية إس 300 ستكون محدودة. وليس من الواضح العدد الحقيقي لبطاريات الصواريخ التي ستتسلمها سوريا وأماكن نشرها. فإذا كان العدد قليلاً ستصبح الصفقة مجرد إجراء رمزي.
الأهم هو من سيتولى تشغيل الصواريخ الجديدة؟ تشكك الباحثة في قدرة الأطقم السورية على استيعاب هذه التكنولوجيا المتطورة في وقت قريب. وبالتالي ليس هناك مفر من تشغيلها بأطقم روسية على الأقل في المرحلة الأولى. فهل ستكون روسيا مستعدة لإسقاط الطائرات "الإسرائيلية" بنفسها؟ وهل ستتحمل عواقب ومخاطر ذلك؟
عند هذه النقطة يتقاطع ما هو سياسي بما هو عسكري لنبدأ في فهم طبيعة الرسائل التي أرادت موسكو تبليغها لأكثر من طرف أولها "إسرائيل". من المؤكد أن "الإسرائيليين" يتذكرون جيداً أنه قبل خمسة أعوام استجابت موسكو لرجائهم بعدم تسليم سوريا هذه المنظومة رغم أنه كان قد تم الإعلان عن القرار. معنى هذا أن علاقات اليوم لم تعد على مستوى القوة التي كانت عليها بالأمس، وأن الصديق الروسي غاضب هذه المرة ومصمم على التعبير عن غضبه. ولابد أن "إسرائيل" ستستوعب هذه الرسالة المهمة.
الغضب الروسي هنا ليس سببه حادث إسقاط الطائرة فقط، ولكن أيضاً السلوك "الإسرائيلي" المتغطرس عموماً، وإصرار تل أبيب على إحراج موسكو باستباحة الأجواء السورية وتدمير ما تشاء من أهداف دون اعتبار أو احترام لوجود القوات الروسية. بمعنى آخر عدم الاعتراف بأن سوريا أصبحت في عهدة روسيا حالياً ولا تجوز مهاجمتها على هذا النحو المهين.
أمريكا أيضاً طرف مهم ومستهدف للرسائل الروسية. فإذا كانت واشنطن تصر على فرض المزيد من العقوبات على روسيا فلن تعدم الأخيرة وسيلة لإزعاجها عبر البوابة السورية. تريد موسكو أن تذكّر واشنطن وغيرها أنها صاحبة اليد الطولى في سوريا، وأن القوات الأمريكية هناك عليها أن تحترس من الآن فصاعداً عند تحليق طائراتها. كما أن عليها أن تتوقف عن عرقلة عمليات القوات السورية والروسية لمطاردة المسلحين في مناطق انتشار القوات الأمريكية بالشرق. نفس الرسالة موجهة إلى تركيا عند تنفيذ غاراتها في الشمال.
رسائل أخرى عديدة أرادت روسيا توجيهها لكل الأطراف أهمها أنها صاحبة الأمر والنهي في سوريا، وأنها جاءت لتبقى، وأن النظام السوري سيبقى هو الآخر ما دامت تلك رغبة الكرملين. أخيراً لا بأس من رسالة ترويجية للمتسوقين الباحثين عن أسلحة حديثة تقول: "موسكو تلبي جميع احتياجاتكم، احضروا إلينا وستجدون ما يسركم".