الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل روسية نارية للضغط على تركيا شمالاً… وأنقرة ترد شرقاً 

رسائل روسية نارية للضغط على تركيا شمالاً… وأنقرة ترد شرقاً 

24.03.2021
هبة محمد



القدس العربي 
الثلاثاء 23/3/2021 
دمشق – "القدس العربي" : تتسع هوة الخلافات بين روسيا وتركيا تجاه الملفات المتشابكة بين الطرفين، الأمر الذي حدا بالأخيرة إلى استهداف مناطق تقع ضمن نطاق نفوذ وإدارة الجانب التركي، حيث شمل الاستهداف منشآت مدنية وطبية واقتصادية عبر الاستخدام الكثيف للطيران الحربي والقذائف المدفعية والصاروخية، كرسائل أرادتها للضغط على تركيا لتتوقف عن تحريك ملف شرق الفرات من جهة، ولتنفذ مطالب روسيا في فتح طريق أم 4 من جهة أخرى. 
لجوء موسكو إلى استهداف المناطق الواقعة تحت نفوذ أنقرة، حدا بصانع القرار التركي إلى الإشارة لأول مرة من خلال وزارة الدفاع التركية عبر سلسلة تغريدات إلى أن الصواريخ أُطلقت من مطار يسيطر عليه النظام السوري، وشددت الوزارة في بيان لها على استمرارية العمل على حماية السوريين تأكيداً على عدم سماحها بأي عمل عسكري من شأنه قضم مساحات جديدة من المناطق التي تعتبر تحت نفوذها. والتصعيد رغم كثافته، سيبقى وفق مراقبين ومحللين لـ"القدس العربي" منضبطاً في إطار توجيه الرسائل والردود ومحاولة تثبيت النفوذ والمطالب على النحو الذي يذعن له الطرف الآخر. وللحديث عن دلالات الحدث وأسباب التصعيد ومآلاته، يقول الخبير السياسي مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني إن التصعيد جاء بعد يوم واحد من توفير تركيا تغطية نارية أرضية وجوية (التغطية الجوية غير مسبوقة) لفصائل المعارضة السورية خلال هجوم وقائي نفّذته على قريتي صيدا والمعلق قرب عين عيسى شمال الرقة، بعدما قامت روسيا في 19 آذار/ مارس، بمحاولة إدخال المدنيين إلى كل من القريتين. 
مجزرة الأتارب: تصعيد روسي متواصل شمال غربي سوريا 
وفي رأي سرميني لـ"القدس العربي" فإنّ محاولة روسيا إدخال المدنيين إلى منطقة التماس شمال عين عيسى تمّت دون تنسيق مع تركيا، والتي ترفض بشكل مطلق هذه الخطوة، لما تُشكّله من خطر على إحدى القواعد التابعة لها بالقرب من قرية صيدا. 
وأبدى المتحدث اعتقاده أنّ الهجوم الوقائي الذي نفّذته فصائل المعارضة تمَّ دون تنسيق بين تركيا وروسيا (على خلاف جميع عمليات السطع الناري السابقة) والذي يبدو كمحاولة من تركيا للتعبير عن الاستياء نتيجة عدم اتخاذ روسيا إجراءات مناسبة بعد القصف الذي تعرّضت له مدينة كيليس في 18 آذار/ مارس من منطقة تل رفعت، والذي تم توجيه الاتهام فيه لقوات النظام السوري، فيما يُظهر وجود تنسيق عملياتي مع قوات سوريا الديمقراطية لتنفيذ الهجوم. 
وأضاف: قد تكون روسيا غير راضية عن الآلية التي يتم فيها تطبيق مذكّرات التفاهم في سوريا مع تركيا، حيث تركيا تُولي اهتماماً أكبر لتسوية ملف عين عيسى على ملف إدلب، والذي من شأنه أن يُتيح الفرصة أمام مناطق المعارضة السورية لتحسين ظروف الاستقرار على المستوى الاقتصادي والخدمي، في الوقت الذي يزداد فيه عجز النظام السوري على المستوى الحكومي بما يُهدّد الاستقرار. 
القصف الروسي العنيف، رده المتحدث لـ"القدس العربي" إلى "تعبير موسكو عن الاستياء من عدم التزام تركيا بالقنوات الدبلوماسية لتسوية الخلافات" وأضاف، لكن في الوقت نفسه فإنّه من غير المرجح أن تتجه روسيا إلى تصعيد عمليات الاستهداف لمنطقة خفض التصعيد بما يُنهي مذكّرة موسكو حول إدلب، لأنَّ مثل هذا التصعيد لا يُحقق المصلحة الروسية الرامية لإنجاح المسارات الموازية، وآخرها إطلاق المنصة الثلاثية في الدوحة والتي تُركّز على الجانب الإنساني، بما يُمكن أن يُقلل من حجم المعاناة في مناطق سيطرة النظام السوري. وتعرضت يوم الأحد منطقة خفض التصعيد شمال غربي سوريا لقصف عنيف غير مسبوق منذ الحملة العسكرية على المنطقة مطلع عام 2020 قبل توقيع "مذكرة موسكو" عبر الاستخدام الكثيف للطيران الحربي والقذائف المدفعية والصاروخية. 
دلالات التصعيد 
الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي تحدث عن دلالات التصعيد، واعتبرها مؤشراً على تصاعد التوتر بين الروس والأتراك خاصة في موضوع تثبيت وقف إطلاق النار. 
وقال عرابي لـ"القدس العربي" إن التأكيد على أن التصعيد في إدلب يرتبط بشكل مباشر بتطورات شرق الفرات، والجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لخلق توازن في الملف السوري شبيه بالتوازن الذي جرى في ليبيا والذي أفضى للحل فيها 
وحول أسباب التصعيد قال عرابي إنه يهدف إلى التهرب من التفاهمات المبرمة حول مناطق قسد والمتعلقة بإخراج "قوات سوريا الديمقراطية" من منطقة عين عيسى والمناطق الحدودية مع تركيا، وهو الأمر الذي دفع الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا بالاشتباك مع قوات قسد خلال الأيام الأخيرة الماضية، كما أن العملية الأخيرة نفسها جاءت بعد استهداف قسد للأراضي التركية والرد التركي على ذلك الاستهداف كان بمثابة رسالة لروسيا بانها ستواجه ما تبقى من ملف قسد بنفسها في حال لم تنفذ روسيا تعهداتها وهذا يفسر الانزعاج الروسي من الغارات التي شنتها الطائرات التركية ضد قوات "قسد" رداً على استهداف أراضي ولاية كليس. 
وبرأي المتحدث، فإنه من المرجح أن تتصاعد الخلافات التركية – الروسية في ظل مراوغة الروس أمام مطالب تركيا وانسداد أفق الحل في إدلب مما يرجح احتمال ارتفاع العنف في الأيام المقبلة، مضيفاً "إلا أنه سيبقى منضبطاً بين الطرفين في إطار توجيه الرسائل والردود ومحاولة تثبيت النفوذ والمطالب على النحو الذي يذعن له الطرف الآخر". بمعنى أن القصف الأخير لا يستهدف اتفاق موسكو الأخير بعينه بقدر ما هو ضغط على تركيا لتتوقف عن تحريك ملف شرق الفرات من جهة، ولتنفذ مطالب روسيا في فتح طريق أم 4 من جهة أخرى. 
وبالرغم من خضوع الشمال السوري لاتفاق وقف إطلاق النار منذ عام، إلا أن النظامين السوري والروسي يواصلان القصف واستهداف المدنيين، حيث شن الطرفان منذ آذار الماضي أكثر من 1,250 هجوماً من بينها نحو 90 بالغارات الجوية، وأدت تلك الهجمات لمقتل أكثر من 160 بينهم 13 طفلاً و13 امرأة، وفقًا لإحصائيات الدفاع المدني السوري. 
الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني قرأ الحدث على أن موسكو تكابد مأزقاً عسكرياً في منطقة شمال غرب سوريا. 
وقال المتحدث لـ"القدس العربي": أدى فشل جولة لافروف وزير الخارجية الروسي السياسية في دول الخليج العربي، وعدم قدرته على إقناع الأطراف التي اجتمع بها بالحل السياسي وفق الرؤية الروسية، والتي تبلورت في الاجتماع الثلاثي (القطري – التركي – الروسي) بالإضافة إلى اختبار وجس قدرة الميليشيات على التقدم التي منيت بالفشل من خلال إفشال الفصائل المعارضة لكل محاولاتها في التسلل، والضغط الاقتصادي الذي يعانيه النظام وعدم قدرة روسيا على تقديم أي دعم له، وعدم رضا الجانب الإيراني على استبعاده عن اجتماع الدوحة، بالإضافة إلى محاولة صرف الأنظار عن عدم القدرة على تحقيق أي تقدم ضد داعش في البادية، لكل تلك الأسباب التقت مصالح (النظام وروسيا وإيران) على التصعيد كأسلوب للضغط على تركيا من جانب وخاصة فيما يتعلق باستهداف حراقات النفط التي يقع على عاتقها تعويض النقص، وما له من آثار اقتصادية تنعكس على كافة مجالات الحياة، وعلى المدنيين في تلك المناطق. 
تركيا تتهم النظام السوري… والدفاع المدني: تصعيد روسي خطير 
حول الموقف التركي قال الباحث رشيد حوراني لـ"القدس العربي": إن القيادة التركية أشارت ربما لأول مرة من خلال وزارة الدفاع التركية إلى أن صواريخ أُطلقت من مطار كويرس الذي يسيطر عليه النظام في حلب، مستهدفة مناطق مأهولة بالمدنيين في مدينتي جرابلس والباب، ما أسفر عن إصابات، وشددت الوزارة في بيان لها على استمرارية العمل على حماية السوريين تأكيد على عدم سماحها بأي عمل عسكري من شأنه قضم مساحات جديدة من المناطق التي تعتبر تحت نفوذها، والرد التركي السريع هذه المرة قد يتطور بشكل أقوى مع الايام القادمة والانتهاء من مسألة دمج الفصائل. 
في غضون ذلك، اعتبر الدفاع المدني السوري أن استهدف مشفى ومرافق حيوية شمال غربي سوريا على أنه تحدٍ صارخ للإنسانية وللقانون الدولي الإنساني، ويطالب المجتمع الدولي بالوقوف بحزم أمام هذه الممارسات اللاإنسانية الممنهجة وبمحاسبة نظام الأسد ومن يدعمه. 
وقال فريق الخوذ البيضاء على موقعهم الرسمي "صعّدت قوات النظام وروسيا قصفها الجوي والصاروخي على الشمال السوري بشكل خطير، يوم الأحد 21 آذار، مستهدفة منشأة طبية، وعدد من المرافق الحيوية الأخرى، في ريفي حلب وإدلب، مخلفة قتلى وجرحى مدنيين وخسائر مادية كبيرة، ما ينذر بكارثة إنسانية قد تكون الأسوأ في حال استمراره، لاسيما أن القصف استهدف منطقة باب الهوى التي تدخل منها المساعدات الإنسانية الأممية، ويثبت أن النظام وروسيا مستمران بسياسة العقاب الجماعي للمدنيين في ظل الصمت الدولي وغياب المحاسبة". 
وتحت عنوان "العالم يحمي كوادره الطبية بينما نظام الأسد يقتلها" اكد فريق الدفاع المدني أن استهداف المشفى جاء في وقت يعاني فيه الشمال السوري نقصاً كبيراً في الكوادر والمنشآت الطبية، نتيجة للحملات العسكرية المتتالية، ووسط معاناة مستمرة بسبب جائحة كورونا، يعتبر هذا الاستهداف استمراراً لسياسة النظام وروسيا الممنهجة باستهداف المنشآت الطبية والمشافي، والتي تسببت بشكل مباشر حرمان المدنيين من خدماتها، دون أدنى اعتبار للقيم الإنسانية ولما يمر به العالم من كارثة حقيقية (تفشي جائحة كورونا) الأمر الذي يوجب حماية الكوادر الطبية والمشافي بدل قصفها. 
وبعد ساعات من مجزرة الأتارب، شنَّ الطيران الحربي الروسي غارات جوية على عدة مناطق في ريف إدلب، ما أدى لمقتل مدني وإصابة آخر، إذ استهدفت 4 غارات جوية معملاً للإسمنت، ومحطتي وقود، وكراجاً للسيارت الشاحنة في منطقة معبر باب الهوى الحدودي والذي يعتبر الشريان الوحيد لدخول المساعدات الإنسانية الأممية، والذي يضم عدداً من المنشآت الحيوية. 
وأدى هذا الاستهداف لحرائق ضخمة وأضرار مادية بمواد مستوردة كانت محملة في تلك الشاحنات، كما تم استهداف بقذائف مدفعية كازية ومركز توزيع وقود جنوب بلدة سرمدا دون تحقيق إصابات. وامتدت الغارات الجوية الروسية إلى ريف إدلب الجنوبي حيث شنت غارتين على حرش القياسات في محيط قرية بسنقول على الطريق الدولي حلب اللاذقية غرب مدينة أريحا، فيما استهدف قصف مدفعي أطراف مدينة أريحا وقرى الرامي وبينين وسرجة بجبل الزاوية. 
كما استهدفت قوات النظام وروسيا بصاروخ أرض ـ أرض أطراف المخيمات في منطقة صلوة شمالي إدلب عصر الأحد 21 آذار، ما أدى لإصابة مدني بجروح خطرة، ونفوق عدد من المواشي.