الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل استفزازية وأهداف مذهبية وراء الاستعراض الإيراني شرق سوريا 

رسائل استفزازية وأهداف مذهبية وراء الاستعراض الإيراني شرق سوريا 

23.11.2020
أحمد جمال


أورينت 
الاحد 22/11/2020 
عادت الميليشيات الإيرانية للظهور بشكل استفزازي بتدريبات واحتفالات مصورة وعلنية في المنطقة الشرقية لسوريا، رغم الإصرار الإسرائيلي والأمريكي لإبعاد خطر إيران عن المنطقة، والذي تمثل بغارات جوية متكررة على مواقعها والتهديد بزيادة وتيرة القصف عليها، فضلا عن عرقلة المسار السياسي السوري بوجود ميليشيات إيران غير الشرعي والمعنون بشعارات مذهبية على حساب دماء السوريين. 
الاستفزاز اللافت كان بنشر مقاتلي "لواء أبو الفضل العباس" التابع لميليشيا "فاطميون" الإيرانية صورا لتدريبات في محافظة دير الزور شرق سوريا، الأسبوع الماضي، حيث ذكرت الميليشيا عبر معرفاتها الرسمية أن الفصيل أنهى معسكرا للتدريب في المنطقة ذات النفوذ الأكبر للميليشيات الإيرانية، إضافة لاحتفالات شعبية برعاية إيرانية حملت إسم قائد فيلق "القدس" الإيراني السابق، قاسم سليماني، في مدينة البوكمال خلال الأيام الماضية. 
وتحاول إيران إضفاء صبغتها على المحافظات السورية عبر مشروعها التوسعي الذي يشكل عائقا في طريق الحل السياسي في سوريا بخيوطه "الطائفية" وتوجهاته المذهبية، وما زالت تحاول التوسع والتمدد ومنافسة القوى الدولية والإقليمية الأخرى في المنطقة رغم التحذيرات والعقوبات الأمريكية التي تلاحق ذلك المشروع وتطالب بخروجه من العمق السوري. 
رسائل وراء الإعلان 
وأثارت الاستفزازت الأخيرة المتمثلة بتدريبات ميليشيا "فاطميون" الأخيرة في دير الزور والاحتفالات التي حملت اسم قاسم سليماني في البوكمال، تساؤلات حول الرسائل الموجهة إقليميا وداخليا خاصة مع وصول الملف السوري إلى تعقيدات بالغة أهمها الإصرار الإسرائيلي الأمريكي على إخراج الأذرع الإيرانية العسكرية من البقعة السورية وإبعاد خطرها عن حدود إسرائيل وعن طريق الحل السياسي في سوريا في ذات الوقت. 
الرسالة الأولى هو اعتبار الصور والتدريبات بمثابة دعاية تحريضية لدعوة السوريين للانضمام إليها بعد أن مهدت لذلك بتوغلها في النسيج الاجتماعي عبر بناء الحسينيات والجمعيات الخيرية التي تستغل حالة الفقر في المنطقة الشرقية الممتدة من البوكمال وحتى دير الزور بشكل خاص، بحسب المحلل العسكري العقيد زياد حاج عبيد. 
ويضيف حاج عبيد في حديث لأورينت نت أن نشر صور التدريبات لـ "فاطميون"، سيؤجج الصراع ويطيل أمده في سوريا ويبقيها ضمن المستنقع الإيراني الروسي بما سيعرض تلك المناطق لقصف إسرائيلي وأمريكي متزايد، وسيجعل الحل السياسي معقدا لإصرار طهران على بقائها في المنطقة. 
غير أن تلك تمدد القوة الإيرانية شرق سوريا يثير غضب الجانب الاسرائيلي بشكل كبير والذي لا يتوانى عن ضرب تلك الأهداف وملاحقتها خاصة في الجنوب السوري، وتعد تل أبيب قادرة عسكريا على استئصال وملاحقة جميع المعسكرات الإيرانية وحتى الوصول إلى العمق الإيراني والعراقي لملاحقتها، بحسب حاج عبيد. 
ولجأت ميليشيات إيران من "فاطميون" وغيرها إلى تجنيد أهالي المنطقة الشرقية في صفوفها عبر أساليب عدة أهمها نشر التشيع وبناء الحسينيات والمدارس الخاصة بها التي تنشر عقيدتها وتحض على الانتماء لمشروع "الخميني" بالتركيز على الأطفال وتنشئتهم بتلك الوسائل بغية ضمهم إلى صفوفها. 
أما الوسيلة الثانية فكانت عبر إغراءات المال واستغلال حالة الفقر لدى أهالي المنطقة وتقديم مساعدة "خيرية" لاستعطاف الناس وتجنيدهم أيضا في صفوفها، خاصة بعد أن استقدمت الإيرانيين والعراقيين لصفوفها لعجزها عن تجنيد أهالي المنطقة في وقت سابق، وفق المحلل العسكري. 
وميليشيا "فاطميون" أحد الميليشيات الإيرانية المقاتلة إلى جانب ميليشيا أسد في سوريا، وهم عبارة عن مقاتلين أفغان جندتهم إيران، كقوة "شبحية"  مؤلفة من آلاف المقاتلين المتدربين بشكل جيد، ليشكلوا تهديداً للبلدان التي تتواجد فيها إيران مثل العراق وسوريا وأفغانستان المجاورة لها على سبيل المثال. 
ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011، عملت إيران على تجنيد عشرات الميليشيات من مقاتلين محليين وأجانب للقتال إلى جانب حليفها أسد في سوريا، تحت مسميات "الجهاد الإسلامي" ومحاربة الإرهاب من جهة، وتحت شعارات حماية المراقد المقدسة من جهة أخرى، إلا أنها في الحقيقة عمدت إلى تلك السياسة لتقوية تدخلاتها في المنطقة العربية تحقيقا لمصالحها. 
أهداف استراتيجية إيرانية 
تسعى إيران من خلال وجودها العسكري في سوريا منذ عام 2012 لهدفين أساسيين، الهدف الأول هو وصل المنطقة الشرقية لسوريا بالمحافظات العراقية الغربية مثل الأبنار وصلاح الدين، وذلك بتعزيز تواجدها في المنطقة الشرقية الممتدة من البوكمال والميادين وحتى دير الزور ومرورا بالتنف بريف حمص وفقة رؤية المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد خالد المطلق. 
ويضيف المطلق في حديث لأورينت نت أن الهدف الثاني الذي تعمل عليه إيران في الوقت الراهن هو محاولة الوصول لآبار النفط في الجزيرة السورية ومنافسة الولايات المتحدة وروسيا على تلك الآبار من المنطقة الممتدة من البوكمال وحتى منطقة الباغوز شرق دير الزور وهي مناطق مليئة بالنفط ومتنوعة السيطرة المحلية والدولية. 
وتتوزع المليشيات الإيرانية في عموم مناطق سيطرة ميليشيا أسد، وأبزرها المنطقة الشرقية التي تعتبر بوابتها البرية إلى سوريا، إضافة لمحاولتها السيطرة على المنطقة الجنوبية الحدوية مع اسرائيل، فضلاً عن نقاط كثيرة تحمي طريقها من دمشق وحتى ريف حمص الواصل إلى البادية وحتى البوكمال وفق المحلل الاستراتيجي. 
ويرى المطلق أن إيران لا تخشى التهديدات الإيرانية الأمريكية بعد أن دمرت المنطقة الشرقية وضربت النسيج الاجتماعي فيها عبر إقحامها مشاريعها المذهبية والطائفية وبناء الحسينيات والمراكز الخاصة بها، إلى جانب انتهاكاتها المستمرة بحق المدنيين على خطى حليفها أسد. 
ويتحدث الخبير العسكري عن وجود 12 نقطة عسكرية إيرانية لحماية الطريق من دمشق الذي يمر عبر منطقة القلمون الشرقي إلى ريف حمص الشرقي وحتى البوكمال الحدودية مع العراق، ما يعني التموضع الإيراني في عمق المناطق المفصلية والاستراتيجية بين المحافظات والمناطق الحدودية جنوبا وشرقا وحتى ارتباطها بالعاصمة التي تشكل الهدف الأساسي لإيران. 
لكن اللافت أن بشار أسد يعتبر سيطرة إيران على سوريا انتصارا لحكومته وميليشياته، خاصة مع التحالف المثير للجدل بين أسد وإيران منذ بدء عام 2011، ومحاولتها السيطرة على مؤسسات الجيش القرار السياسي في سوريا لفرض نفوذها، الأمر الذي أفقد أسد ثقة حلفائه لا سيما روسيا الحليف الأكبر التي تعتبر ايران عائقا أمامها في سوريا. 
وتعتبر المنطقة الشرقية وخاصة البوكمال المعقل الإيراني في سوريا من حيث القواعد والانتشار وذلك لاعتبار تلك المنطقة البوابة السورية على العراق الذي تسيطر عليه إيران وتسعى لوصل الأراضي السورية بالإيرانية عبر الأراضي العراقية من تلك البوابة. 
وأما الجنوب السوري، فإن الوجود الإيراني المزايد على حدود اسرائيل بين القنيطرة ودرعا و وصولا للسويداء يشكل الرهان الأصعب لإيران وحليفها أسد بسبب إصرار تل أبيب وحليفتها واشنطن على ضرورة إبعاد خطر إيران عن حدودها وتحميل أسد تلك المسؤولية عبر القصف الجوي المستمر على مقرات الميليشيات والتي كان آخرها أول أمس بقصف ثمانية مواقع جنوب سوريا، إضافة للتهديد الاسرائيلي المتزايد لميليشيا أسد من أجل التخلي عن إيران مقابل وقف القصف في الأراضي السورية. 
ولإيران هيمنة سياسية على مركز القرار السياسي السوري كما لها هيمنة على مفاصل ميليشيا أسد التي تغلغلت بداخلها منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، بغطاء خبراء عسكريين تمكنوا من فرض الأجندات الإيرانية والعمل على المدى البعيد بأن يكون لطهران ذراعان سياسي وعسكري، عبر المقدسات "الوهمية" التي تشكل مسامير إيرانية للهيمنة على حكومة أسد والاستيلاء على معظم الأراضي السورية. 
وتعرضت مواقع الميليشيات الإيرانية في البوكمال على وجه التحديد لقصف من التحالف الدولي وإسرائيل مرات عديدة خلال الأشهر والأعوام الماضية، في مسعى من الثنائي لكبح انتشار تلك الميليشيات ومنع إيران من مواصلة مشروعها شرق سوريا، وما زالت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تصر على إخراجها من المنطقة باعتبارها تشكل خطرا واسعا عليها، بحسب التصريحات الرسمية المتكررة.