الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل إلى الأسد

رسائل إلى الأسد

28.03.2019
بهاء العوام


العرب اللندنية
الاربعاء 27/3/2019
لن ينسى النظام السوري شهر مارس 2019 لكثرة الرسائل التي حملها له. رسائل من دول وأخرى من السوريين في الداخل والخارج، جميعها ستُحفظ في تاريخ البلاد وتضاف في محتواها ومدلولاتها، إلى قائمة وصمات العار الطويلة التي لحقت بالرئيس بشار الأسد منذ العام 2011.
في مطلع شهر مارس قدمت مجموعة محامين أول دعوى قضائية ضد بشار الأسد في محكمة الجنايات الدولية، الدعوة كانت نيابة عن ثمانية وعشرين لاجئا انتقلوا من سوريا إلى الأردن، وقالوا إنهم تركوا بيوتهم ومناطقهم هربا من القصف والاعتقال والتعذيب والاغتصاب والموت.
ربما لن يقف الأسد يوما أمام القضاء الدولي ليحاسب على جرائمه، ولكن هذه الدعوى فتحت الباب أمام الآلاف من اللاجئين ليعبروا عن سخطهم ويحولونه إلى ملاحقات قانونية تقض مضاجع الأسد وتحاك منها خطب ومرافعات وقصص تتوارثها الأجيال وتتبادلها الشعوب.
في الذكرى الثامنة للثورة السورية، منتصف شهر مارس، شهدت مناطق استعادها النظام في درعا تظاهرات توعدت بهدم تماثيل الأسد الأب التي نصبت حديثا في بعض الساحات. لم يقمع النظام التظاهرات بالقتل كما فعل سابقا، واكتفى بالتحذير من “المتآمرين” على سلامة البلاد.
المتآمرون” يقصد بهم طبعا المعارضون للنظام، وهم في حقيقة الأمر كثر بين السوريين، وما يجهله الأسد هو أن عدد المستعدين للتظاهر والثورة و”التآمر على البلاد” اليوم يفوق عددهم بكثير ذلك العدد الذي أرعبه عام 2011، فقد شفي السوريون من عصاب الخوف إلى الأبد.
رسالة أخرى وصلت إلى دمشق في شهر مارس حملها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. الرسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلى الرغم من أن مضمونها لا يزال مجهولا، إلا أن شكلها وتوقيتها يوحيان بسياق واحد فحواه باختصار “لا تجبرنا على الاختيار بينك وبين غيرك”.
يدرك الروس أن الإيرانيين أعدوا مثلهم بديلا للأسد عندما تقتضي الضرورة، ويدركون أيضا أن إزاحة الأسد لن تكون مهمة مستحيلة على طهران حتى ولو حكم البلاد من قاعدة حميميم في اللاذقية، فبعض قادة الجيش السوري باتوا يدينون بالولاء لخامنئي أكثر من بشار الأسد.
من رسائل مارس لدمشق أيضا تحرير الباغوز وفناء دولة داعش، إنجاز صنع أكراد الشمال منه درعا وسيفا، ثم دعوا دمشق إلى مبارزة حوارية تنتهي إما بنصرهم والاعتراف باستقلال إقليمهم، وإما بخسارتهم وبقائهم كقاعدة عسكرية أميركية يمنع الاقتراب منها أو المساس بأمنها.
في تحرير الباغوز أيضا رسالة أميركية مفادها أن واشنطن لم تعد بحاجة لمبرر من أجل البقاء في سوريا، فذريعة محاربة الإرهاب التي احتلت بها الولايات المتحدة الجزيرة السورية، وتسلح بها الأتراك والإيرانيون والروس لاحتلال أجزاء أخرى من البلاد، لم تعد لها أي قيمة.
ثمة رسالة أميركية أخرى تلقاها الأسد في شهر الرسائل هذا، فقد منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجولان السورية لإسرائيل، وطالب الأمم المتحدة بتبني قراره لأن فيه اعترافا بأمر واقع في الهضبة التي وهبها حافظ الأسد لإسرائيل قبل ترامب بخمسة عقود على الأقل.
جميع السوريين على يقين بأن واقع الجولان لن يتغير طالما بقي “الأسود” على رأس السلطة في دمشق، ولو أن القرار الأميركي يحمل للأسد الابن اعترافا بعودة شرعيته مجددا لكان أبرق إلى بنيامين نتنياهو مهنئا بالمكرمة الأميركية ومتمنيا لإسرائيل دوام الازدهار والتوسع والنفوذ.
كل من أرسل إلى بشار الأسد ينتظر ردا لن يأتي أبدا، ليس بسبب أكذوبة الاحتفاظ بحق الرد التي اعتاد النظام على ترديدها كلما انتهكت سيادته، ولكن لأن بشار الأسد لا يمتلك الإجابات وستعود الرسائل لأصحابها وقد كتب على ظهر مغلفاتها “العنوان لم يعد موجودا”.