الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ربيع سوريا: إن في التواريخ لعبرا

ربيع سوريا: إن في التواريخ لعبرا

14.03.2020
رياض معسعس



القدس العربي
الخميس 12/3/2020
يطل شهر آذار/ مارس بربيعه على دمشق الفيحاء فتعبق بعطر الياسمين وزهور الغوطة، إنه الربيع فصلا، والربيع ثورة على نظام جثا على الصدور فلم تعد دمشق تعبق بعطرها منذ زمن، ولا تتنسم صبا بردى الرقيق.
ويأتي آذار/مارس هذا العام كتسعة سبقوه بمآس وويلات جديدة للشعب السوري بتدمير مدن وقرى إدلب ونزوح مليون آخر إلى وجهات مختلفة تحت سماء لا ترحم مناخا، ولا رجما بصواريخ الطائرات الروسية السورية، ما دفع القوات التركية إلى مواجهة قوات النظام بعملية في بداية الشهر تحت مسمى درع الربيع ( فحصدت حصدا) الكثير من مقاتليه وميليشياته الطائفية حسب مصطلح صرح به أحد قتلى حزب الله قبل لفظ أنفاسه الأخيرة.
 
مذكرة تفاهم
 
ولمصادفات التاريخ ان روسيا وتركيا توصلتا لمذكرة تفاهم (كتبت بثلاث لغات فقط روسية وتركية وانكليزية أما العربية لغة البلد المعني فلاوجود لها) بوقف إطلاق النار في الخامس من هذا الشهر وفتح ممر آمن بدءا من الخامس عشر من آذار/مارس الذي يصادف يوم ميلاد الثورة السورية.
ولشهر آذار/مارس في أيامه تواريخ هزت سوريا كان آخرها انطلاق شرارة الثورة المجيدة في الخامس عشر في دمشق ثم تبعتها درعا في الثامن عشر منه حيث سقط أول الشهداء بعد أن خرج الجمع من مسجد العمري يرددون:" الشعب يريد إسقاط النظام".
الصرخة التي لم تخرج من حنجرة سوري خلال أربعة عقود ونيف فكل الصرخات ابتلعتها جدران أقبية نظام المخابرات الصماء التي زرعت الرعب في النفوس وكمت الأفواه وكتمت الأنفاس.
 
ملكية خاصة
 
وهذا يعيدنا إلى الثامن من آذار/مارس من العام 1963 عندما نجح حزب البعث بالسيطرة على السلطة بانقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة، وهذا التاريخ بدأت معه محنة سوريا الكبرى والسوريين، بعد أن استطاع بعض الضباط من الطائفة العلوية التسلل إلى المناصب العليا والسيطرة على مقاليد الحكم، تحت مسمى " ثورة آذار" لكن " الرفاق" من بعثيين وعسكر دبت بينهم عصا الشقاق، والمنافسات، والخيانات، والاغتيالات. فبعد تصفية زملائه وخاصة أكبر منافسيه ( صلاح جديد، ومحمد عمران اللذين شاركاه التواطؤ في اللجنة العسكرية وهما من طائفته)، تمكن حافظ الأسد بعد انقلاب بمسمى جديد ( حركة تصحيحية ) من استلام الحكم في العام 1970 ليحول سوريا إلى جمهورية وراثية تسيطر عليها العائلة تحت شعار " سوريا الأسد " فباتت سوريا ملكية خاصة لعائلة تتصرف بشؤونها كما تريد دون حسيب أو رقيب حتى اندلاع الثورة. لكن الفرحة بالثورة المجيدة التي قام بها الشعب السوري في آذار/مارس 2011 ضد حكم العائلة الأسدية ونظامها المخابراتي الطائفي لم تكتمل فتحولت إلى دماء، ودمار، وتطهير طائفي وعرقي، ولجوء في المنافي، وشرع نظام الابن بشار أبواب سوريا لكل من يتوق ليدوس ترابها من قوات أجنبية وميليشيات طائفية مرتزقة، ليقتلوا شعبها، ويحتلوا مناطق منها لحماية نظام كان على قاب قوسين من السقوط.
بعد أن تخلى الأب عن الجولان (والذي ما يزال بلاغ رقم 66 بأمر الجيش السوري من قبله بالانسحاب من جبهات القتال لغزا محيرا)، وعن لواء اسكندرون بعد أن هدده الأتراك بشن حرب على سوريا إذا لم يتخل عن دعم حزب العمال الكردستاني وطرد زعيمهم عبد الله اوجلان من سوريا، ودخل الرئيس المصري حسني مبارك حينها بوساطة لإنقاذ الأسد من غضب الأتراك الذين كانت لديهم شروط أملتها عليه منها التخلي عن لواء اسكندرون وعدم المطالبة به نهائيا (بحسب اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا في العام 1998 وبقيت سرية لمدة عقدين حتى كشف عنها الروس مؤخرا، والذي ضمته تركيا إلى أراضيها في الثامن من آذار/مارس ( في يوم انقلاب البعث نفسه) من العام 1938 باتفاق مع فرنسا كي تثني تركيا عن الالتحاق بقوى المحور قبيل الحرب العالمية الثانية).
 
انقلاب البعث
 
في غرة هذا الشهر دخلت القوات التركية سوريا لتكون طرفا مناوئا لقوات النظام وأعوانه في المعركة السورية الطاحنة، ولسخرية التاريخ أن في الثامن من آذار/مارس، أيضا، من العام 1920 أي قبل ثلاث وأربعين سنة يوما بيوم من انقلاب البعث الذي باع البلاد والعباد. ومنذ قرن كامل يوما بيوم، عقد المؤتمر السوري الأول بعد جلاء القوات التركية، حيث نودي بالملك فيصل ملكا على سوريا، وأصدر بيانه الذي يعلن استقلال سورية بحدودها الطبيعية، بما فيها فلسطين، والأردن، ولبنان تحت اسم المملكة العربية السورية. ورفض ادعاء الصهيونية في إنشاء وطن قومي لليهود (حسب تصريح رئيس وزراء بريطانيا أرثر بلفور الذي سمي بوعد بلفور)، واتفاقية سايكس ـ بيكو ( بين روسيا القيصرية، وفرنسا وبريطانيا لتقسيم الشرق الأوسط، وتمت تسميتها على اسمي مهندسيها جورج بيكو (وهو القنصل الفرنسي العام في بيروت، والعم الأكبر للرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان)، والمندوب السامي البريطاني مارك سايكس. وتم وضع الدستور برئاسة هاشم الأتاسي.
وتم تشكيل حكومة بعد أن عين الملك فيصل رضا الركابي رئيسا للوزراء، ونالت ثقة البرلمان في السابع والعشرين منه. وفي الواحد والثلاثين. لكن الفرحة بالاستقلال لم تكتمل، فالغرب كعاداته المخادعة رسم خطا في رمال سوريا يقسمها بموجبه إلى قسمين: شمالي ويشمل سوريا الحالية ولبنان وهو من حصة فرنسا، وجنوبي يشمل فلسطين والأردن والعراق وهو من نصيب بريطانيا.
وهكذا باتت سوريا الكبرى أربع دول. لكن فرنسا لم تكتف بذلك فقامت في الرابع من آذار/مارس من العام 1922 بتقسيم المقسم فصارت سوريا بحدودها الحالية ( يضاف إليها الجولان ولواء اسكندرون) ست دول ( دولة لبنان، دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين، لواء اسكندرون، ودولة الدروز). لكن السوريين أبوا التقسيم، فاشتعل فتيل الثورة في السويداء بقيادة سلطان الأطرش في العام 1925 ومنها انتشرت عموم سوريا، فدكت دمشق بالمدافع وهدم جزء كبير من بيوتها الشامية وقلعة صلاح الدين، ولم يستكن الشعب السوري بمقارعة الاستعمار حتى نيل الاستقلال في ربيع العام 1946 ( 17 نيسان/أبريل ). بعد أربع وسبعين سنة من الاستقلال، وخمسين سنة من عهد " سوريا الأسد" عادت سوريا إلى احتلال متعدد الجنسيات.