الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رؤية استشرافية.. كيف ستتغير السياسة الأمريكية في سوريا في عهد جو بايدن؟

رؤية استشرافية.. كيف ستتغير السياسة الأمريكية في سوريا في عهد جو بايدن؟

17.11.2020
محمد عبد الرازق

 
 
المرصد المصري 
الاثنين 16/11/2020 
يتضح التباين المبدئي في منهج السياسة الخارجية بين كل من الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب والرئيس المنتخب جو بايدن من الشعارات التي رفعها كل منهم. فبينما أعلن ترامب شعار “أمريكا أولًا” وانتهج خلال فترة رئاسته سياسة خارجية اتسمت بتقليص الحضور الأمريكي في المسرح العالمي والتقليل من أهمية الأحلاف والمنظمات الدولية، كان مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية يرفع شعار “على أمريكا أن تقود من جديد” بما يشير إلى سعي بايدن خلال رئاسته للولايات المتحدة إلى انتهاج سياسة خارجية مغايرة لتلك التي اتبعها ترامب، وتعزيز الحضور الأمريكي في مختلف القضايا الدولية والإقليمية. وهو ما يستدعي وقفة لمعرفة أثر هذه السياسة الجديدة على الصراع في سوريا الممتد منذ نحو 10 سنوات. 
بين الاستراتيجيات والممارسات 
يظل هامش التغير في السياسة الخارجية الأمريكية بتغير قاطني البيت الأبيض ضئيلًا بعض الشيء؛ إذ لم يحدث تاريخيًا تغير جذري في مواقف وأهداف واشنطن تجاه القضايا المختلفة بتغير الرؤساء، وإنما تتغير أساليب التعاطي وتنفيذ هذه الاستراتيجيات. 
في الملف السوري، يظل عنوان “هزيمة داعش” هو المحرك الرئيس للانخراط الأمريكي منذ إعلان الرئيس السابق باراك أوباما بدء الحرب ضد داعش وتشكيل التحالف الدولي (سبتمبر 2014). ثم أكد ترامب إبان حملته الانتخابية (2016) “أول شيء يتعين علينا القيام به في سوريا هو التخلص من داعش قبل التفكير في سوريا، الرئيس السوي بشار الأسد ثانوي بالنسبة لي وبالنسبة لداعش“. 
أما بايدن فقد نشر موقع حملته الانتخابية إطارًا لسياسته تجاه المنطقة تحت عنوان: “جو بايدن والمجتمع العربي الأمريكي: خطة شراكة”، جاء فيها حول سوريا “فشلت إدارة ترامب مرارًا وتكرارًا في السياسة الأمريكية في سوريا. سيعيد بايدن الالتزام بالوقوف مع المجتمع المدني والشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض. وسيضمن أن تقود الولايات المتحدة التحالف العالمي لهزيمة داعش واستخدام النفوذ الذي لدينا في المنطقة للمساعدة في تشكيل تسوية سياسية لمنح المزيد من السوريين صوتًا”. 
نجح ترامب نسبيًا في هدف هزيمة داعش بإعلان القضاء على آخر معاقل التنظيم في قرية الباغوز (مارس 2019) ومقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في ريف إدلب (أكتوبر 2019). إلا أن سياساته في سوريا بدت متقلبة، بالإعلان عن سحب القوات الأمريكية من المناطق الكردية وهو ما سمح لتركيا بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الأكراد في الشمال السوري، ثم إعلان الإبقاء على عدد من القوات لحماية حقول النفط. 
الأمر الذي عُدّ في الأوساط الأمريكية “خيانة للحلفاء الأكراد”. فضلًا عن عدم الثبات على نهج في التعامل مع روسيا، بين الإعلان إبان الحملة الانتخابية عن التعاون معها للوصول إلى تسوية، وصولًا إلى فرض عقوبات تستهدفها كونها أهم داعمي النظام السوري، والتنازع على النفوذ العسكري بين البلدين في الشمال الشرقي. 
وعلى الجانب الآخر، لم يُر الجانب التطبيقي لرؤى بايدن في الملف السوري إلا وقت توليه منصب نائب الرئيس في إدارة الرئيس السابق أوباما الذي تبنى استراتيجية لدعم وتسليح فصائل المعارضة السورية من أجل إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهي السياسة التي فاقمت من الأزمة في سوريا وعُدّت خطأ كبيرًا لإدارته حتى من قبل المسؤولين الأمريكيين في هذا الوقت مثل سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ومستشارة الأمن القومي سابقًا سوزان رايس ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. 
هذه السياسة الأمريكية تحدث عددٌ من المصادر عن أن بايدن لم يكن مؤيدًا لها، وكان أحد المتشككين بشأن ما يمكن أن تنجزه على أرض الواقع، مؤكدًا أن هذه الخطوة من شأنها أن تخلق جيشًا من المتمردين يسيطر عليه “الجهاديون” ويزيد الأمور في سوريا تعقيدًا. 
وفي الوقت ذاته فإن عددًا من كبار مستشاري حملة بايدن والمرجح توليهم مناصب في إدارته كانوا ضمن إدارة أوباما، مثل وكيلة وزارة الدفاع سابقًا ميشيل فلورنوي المرشحة لوزارة الدفاع، وأنتوني بلينكن نائب مستشار الأمن القومي ونائب وزير الخارجية سابقًا وهو كبير مستشاري السياسة الخارجية في حملة بايدن للرئاسة. فضلًا عن نائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس التي طالبت في بيان (أبريل 2017) الرئيس ترامب بالتشاور مع الكونجرس “لمعالجة افتقار الإدارة إلى أهداف واضحة في سوريا وصياغة استراتيجية مفصلة ومسار للمضي قدمًا بالشراكة مع حلفائنا”. 
رؤية استشرافية 
تتحدد ملامح رؤية إدارة بايدن بشأن الملف السوري من خلال ما أنجزه ترامب بالفعل في الميدان، فضلًا عن مواقف الإدارة من الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، فبينما يعتزم بايدن إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران ومن ثم فتح باب التفاوض بين الجانبين، وهو ما قد يشمل بعض القضايا الإقليمية التي تنخرط فيها إيران مثل الملف السوري، نجد أنه يتخذ سياسة هجومية لتركيا وداعمة للأكراد باعتبارهم حلفاء واشنطن، وعلى جانب آخر تظل محددات التعامل الأمريكي مع الطرف الفاعل الأهم في سوريا وهو روسيا قائمة. 
الوجود العسكري 
تبنى دونالد ترامب سياسة لتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في الخارج، وبناء عليه خفض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان سعيًا إلى انسحاب كامل، وكذلك أخلى عددًا من القواعد العسكرية في العراق وخفض عدد القوات فيها، وأصدر قرارًا بسحب جميع القوات من سوريا ثم قرر الإبقاء على عدد محدود لحماية حقول النفط السورية. 
سياسة بايدن فيما يخص الإبقاء على القوات الأمريكية في سوريا لن تختلف عن ترامب، لا سيّما وأنه انتقد قرار ترامب بسحب القوات، واصفًا إياه (16 أكتوبر 2019) بأنه “دليل على الفشل الكامل لسياسة ترامب وخيانة لشركائنا الأكراد الشجعان”، ومن ثم فإن عددًا من القوات الأمريكية سيبقى في سوريا تحت أهداف مكافحة الإرهاب ودعم وحماية الأكراد، والحفاظ على النفوذ والمصالح الأمريكية في سوريا. 
الأكراد وتركيا 
يُعد الأكراد هم الرابح الأكبر من فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، فعلى النقيض تمامًا من ترامب، يؤمن بايدن بأهمية دعم الأكراد بوصفهم أهم الحلفاء في محاربة تنظيم داعش والضامن دون عودة فلول التنظيم لتشكيل تهديد من جديد. ومن ثم ستتجه الولايات المتحدة إلى المزيد من دعم قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي، والبناء على الاتفاقات التي وقعت في عهد ترامب فيما يخص حقول النفط، ومنها اتفاق شركة “دلتا كريسنت إنرجي” مع “قسد” لتحديث حقول النفط في الجزء الذي يقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. 
هذا الدعم الأمريكي سيعمق من خلاف الإدارة الأمريكية الجديدة مع تركيا والذي عبّر عنه بايدن في الكثير من التصريحات سواء التي تناولت الشأن الداخلي التركي أو الانخراط التركي الخارجي في عدد من الملفات ومنها الملف السوري، إذ قال (أكتوبر 2019) إن “تركيا هي المشكلة الحقيقية هنا وسأجري محادثات حقيقية مع أردوغان لإخباره أنه سيدفع ثمنا باهظًا لما فعله”. وسيجعل هذا الدعم بايدن في مواجهة مع تركيا التي شنّت أربع عمليات عسكرية في سوريا ضد الأكراد (درع الفرات 2016) (غصن الزيتون 2018) (نبع السلام 2019) (درع الربيع 2020).  وسيستفيد من هذه الورقة في زيادة الضغوط على تركيا لتنفيذ تعهداتها فيما يخص سحب الفصائل الإرهابية وفتح الطرق الدولية. وهو هدف تتفق عليه كل من واشنطن وموسكو. 
المسار السياسي 
سيركز بايدن قطعًا في المرحلة الأولى من رئاسته على حل المشكلات الداخلية في الولايات المتحدة وفي مقدمتها فيروس كوفيد-19 وتداعيات حالة الاستقطاب الكبيرة التي برزت خلال الانتخابات. وبعدها قد تنتقل رؤية الإدارة الأمريكية إزاء الأزمة السورية من الاحتواء مثلما كانت خلال الإدارات السابقة إلى الحل. وذلك وفق الثوابت التي لا يمكن تجاوزها في الأزمة وهي أنه لا حل عسكري للأزمة بفعل وجود القوات الأمريكية والتركية، واستحالة انهيار النظام الذي بات يسيطر على نحو 70% من الأراضي. 
وتتمثل أدوات إدارة بايدن لتحقيق هذه التسوية السياسية في: 
1 – الاستمرار في عقوبات قانون قيصر التي فرضتها إدارة ترامب ودخلت حيز التنفيذ (17 يونيو). 
2 – القوات الأمريكية الموجودة بجوار حقول النفط، وهي نقطة قد تستغلها الإدارة في المساومة مع النظام السوري، عن طريق الموافقة على تسوية سياسية مقابل تسليم حقول النفط مثلما ألمح لذلك كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن ونائب وزير الخارجية السابق أنطوني بلينكن. 
3 – الرغبة في تعزيز قنوات الاتصال مع روسيا والتي تضررت خلال إدارة أوباما ونتج عنها مناوشات بين القوات (25 أغسطس) وعُدّت انتهاكًا لبروتوكولات منع وقوع الاشتباكات التي أُقرت (ديسمبر 2019). 
ويبدأ هذا التواصل للانخراط في مسار تسوية سياسية بناء على مسار جنيف وقرار مجلس الأمن 2254. والبناء على ما أنجزته موسكو (31 أغسطس) خلال اجتماع وزير الخارجية سيرجي لافروف مع رموز المعارضة السورية وتوقيع مذكرة تفاهم بين مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الإرادة الشعبية. للوصول إلى تمثيل مجلس سوريا الديمقراطية في المسار السياسي واللجنة الدستورية وتعزيز وجود إدارة ذاتية كردية في المستقبل السوري. 
4 – مفاوضات الاتفاق مع إيران؛ إذ إن سعي بايدن لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران يشمل برنامجيها النووي والصاروخي يمثل فرصة لكي تقدم في مقابله طهران تنازلات محدودة في سوريا تتمثل في سحب بعض وحداتها من الجنوب السوري عند حدود الجولان، وتفكيك الميلشيات التابعة لها. مع الإبقاء على نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي القائم بفعل الاتفاقات المبرمة مع الحكومة السورية. 
إجمالًا، لن تختلف محددات سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن فيما يخص سوريا عن سياسة سلفه دونالد ترامب، وهي هزيمة داعش والإبقاء على وجود عسكري محدود وفرض العقوبات وتعزيز المصالح الأمريكية، بيد أنها ستتسم بصبغة أكثر منهجية واستراتيجية من تلك التي بدت عليها الخطوات التي اتخذها ترامب طوال فترة رئاسته، وسيكون دعم الأكراد أحد أدواتها الرئيسة.