الرئيسة \  تقارير  \  ذي إنترسبت: أمريكا تتوعد مجرمي الحرب الروس.. فماذا عن مجرمي الحرب الأمريكيين؟!

ذي إنترسبت: أمريكا تتوعد مجرمي الحرب الروس.. فماذا عن مجرمي الحرب الأمريكيين؟!

05.07.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 4/7/2022
أعلن المدعي العام، ميريك جارلاند، التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا، لكن أمريكا لديها فائض من الفظائع التي لم يعاقَب عليها أحد.
نشر موقع “ذي إنترسبت” مقالًا لنيك تورس، صحافي استقصائي وباحث في معهد “نيشن إنستيتيوت” وكاتب مساهم في الموقع الأمريكي، حول إعلان المدعي العام الأمريكي مؤخرًا محاسبة المسؤولين الروس عن جرائم الحرب التي اقترفوها في أوكرانيا. ويرى الكاتب أن أمريكا تعج بمجرمي الحرب من الأمريكيين الذين ارتكبوا كثيرًا من الجرائم، بدءًا من حرب فيتنام إلى “الحرب على الإرهاب”، ولكن أمريكا تحمي مجرميها ولا تورد أسماؤهم علنًا وتبرر جرائمهم.
ويستهل الكاتب المقال بقوله: قال المدعي العام الأمريكي، ميريك جارلاند، خلال رحلة مفاجئة إلى أوكرانيا الأسبوع الماضي: “لا يوجد مكان للاختباء”، معلنًا أن مدعيًا عامًّا مخضرمًا معروفًا بمطاردة النازيين سيقود الجهود الأمريكية للتحقيق في جرائم الحرب الروسية. وأضاف: “سنتَّبع كل السُّبل المتاحة للتأكد من محاسبة أولئك المسؤولين عن هذه الفظائع”. ويوضح الكاتب أن جارلاند لم يكن بحاجة إلى السفر لمسافة 7400 كيلومتر لملاحقة مجرمي الحرب، وإذا أراد محاسبة المسؤولين عن الفظائع، لكان بإمكانه البقاء في بلاده.
يروي الكاتب وقائع إجرائه مقابلة ذات مرة مع أحد المحاربين القدامى في الجيش الأمريكي الذي اعترف بإطلاق النار في فيتنام، على رجل مسن أعزل في عام 1968. ولم يكتفِ الجندي السابق بإخبار الكاتب فقط بذلك، بل أخبر محققين جنائيين عسكريين في أوائل السبعينيات، لكن لم توجَّه إليه أي تهمة ولا مَثُل أمام محاكمة عسكرية. وتقاعد من الجيش عام 1988.
أمريكا تعج بمجرمي الحرب
ويلفت الكاتب إلى أن الولايات المتحدة تعج بمجرمي الحرب. وبعضهم أجانب فروا من المساءلة في أوطانهم، ولكن معظمهم من الأمريكيين. إنهم يعيشون في أماكن مثل مدينة ويلرسبورج بولاية أوهايو (جلاد معترف على نفسه)، ومدينة أوبرن بولاية كاليفورنيا (خريج أكاديمية وست بوينت العسكرية الذي أشرف على مذبحة). ومثل هؤلاء المحاربين القدامى، لم توجَّه تُهم إلى معظمهم، ناهيك عن محاكمتهم أو إدانتهم. وإذا أراد جارلاند أو إيلي روزنباوم، الذي عينه لقيادة فريق المساءلة عن جرائم الحرب الأوكرانية، العثور عليهم، يقول الكاتب إنه يمكنه تقديم العناوين لهما.
ويشير الكاتب إلى أنه حدَّد مكان وجود هؤلاء المحاربين القدامى من خلال سجلات فرقة العمل السرية الخاصة بجرائم الحرب التي شكلها البنتاجون خلال حرب فيتنام. واليوم، حتى هذا القدر القليل من المساءلة قد تلاشى. إنه محظور الآن على وزارة الدفاع أن تذكر الأفراد الأمريكيين و”جرائم الحرب” في الوقت نفسه.
وفي الشهر الماضي، خلُص تحقيق أجراه البنتاجون في هجوم وقع في عام 2019 في سوريا وأسفر عن مقتل عشرات الأشخاص، بمن فيهم نساء وأطفال، إلى وجود “عديد من أوجه القصور في الامتثال للسياسة” من خلال المراجعة الأولية التي أجراها الجيش للغارة الجوية، لكن التحقيق توصَّل في النهاية إلى أن أحدًا لم ينتهك قوانين الحرب، ولم يكن هناك ما يبرر اتخاذ أي إجراء تأديبي.
ويشير الكاتب إلى أن الأفراد الذين لم تُذكر أسماؤهم بصفتهم متورطين في الضربة السورية – بما في ذلك طيار المقاتلة إف-15 وطاقم الطائرة المسيَّرة والمحامين والمحللين وأعضاء فرقة العمليات الخاصة – هم نموذج للأمريكيين المتورطين في مقتل مدنيين خلال أكثر من 20 عامًا مما عُرِف بالحرب على الإرهاب، الذين نادرًا ما تُحدَّد هويتهم علنًا، أو يجري تحقيق جنائي معهم، أو يخضعون للتدقيق من قبل أي شيء مثل فريق المساءلة عن جرائم الحرب. وبوجه عام، لا نعرف أسماءهم ولكننا نعرف عملهم بفضل عمل الصحفيين والمنظمات غير الحكومية.
“الضربة الصحيحة” والقتلى المدنيون في كل مكان
ألمح الباحث إلى الضربة التي وصفها الجيش الأمريكي بأنها “الضربة الصحيحة”، والتي شنها الجيش الأمريكي في أغسطس (آب) 2021 ضد هدف إرهابي في أفغانستان، بيد أنها تسببت في مقتل 10 مدنيين، سبعة منهم أطفال. وكانت هناك هجمات جوية ومدفعية في الرقة بسوريا، قال البنتاجون إنها قتلت 159 مدنيًّا، لكن منظمة العفو الدولية و”أيروارز” (Airwars)، وهي جماعة مراقبة للغارات الجوية مقرها المملكة المتحدة، وجدت أن تلك الهجمات خلفت أكثر من 1600 قتيل من المدنيين.
وكانت هناك غارة بطائرة من دون طيار أسفرت عن مقتل 30 عاملًا في مزرعة صنوبر في أفغانستان في عام 2019. وكان هناك هجوم في أبريل (نيسان) 2018 في الصومال أسفر عن مقتل امرأة تبلغ من العمر 22 عامًا وابنتها البالغة من العمر أربع سنوات. وكانت هناك غارة جوية في ليبيا، في وقت لاحق من ذلك العام، قتلت 11 مدنيًّا. وأسفر الهجوم الذي وقع في العام نفسه في اليمن عن مقتل أربعة مدنيين وإصابة خامس، وهو رجل يدعى عادل المنثاري، بجروح خطيرة.
وأسفرت الهجمات السبع المنفصلة التي شنتها الولايات المتحدة على اليمن – ست ضربات بطائرات مسيرة ومداهمة واحدة – بين عامي 2013 و2020 عن مقتل 36 فردًا من عائلات العامري والتيسي. وهناك تقييمات سرية للجيش لأكثر من 1300 تقرير عن سقوط ضحايا مدنيين من جرَّاء الغارات الجوية في العراق وسوريا من 2014 إلى 2018، والتي نُشرت باسم “ملفات الضحايا المدنيين” على صفحات صحيفة “نيويورك تايمز” أواخر العام الماضي، من بين كثير من الأدلة الأخرى.
وفي العام الماضي، ادَّعى جون كيربي المتحدث باسم البنتاجون (يعمل الآن متحدثًا باسم مجلس الأمن القومي) أنه “لا يجتهد جيش في العالم كما نفعل لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين”، وقال الخبراء بخلاف ذلك. وقال لاري لويس، الذي أمضى عقدًا من الزمان في تحليل العمليات العسكرية للحكومة الأمريكية، لموقع “ذي إنترسبت”: “حماية المدنيين ليست لها الأولوية. لسنا الأفضل لأننا نختار ألا نكون الأفضل”.
ويشير العدد اللامتناهي على ما يبدو لحوادث ضحايا المدنيين المعروفة التي تستحق التحقيق أو إعادة التحقيق أيضًا إلى أن كلام كيربي ليس صحيحًا. وواضح أيضًا أن البنتاجون، كما قال وزير الدفاع لويد أوستن في أبريل (نيسان)، ليس لديه نية “لإعادة التقاضي في القضايا”.
مشروع قانون لجنة الأضرار المدنية
وخلال هذا الأسبوع، دعَت مسودة مسربة لنسخة آدم سميث، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب لمشروع قانون الإنفاق الدفاعي لعام 2023، إلى تشكيل “لجنة الأضرار المدنية” لتكون معنية بالتحقيق في الخسائر البشرية الناجمة عن أكثر من 20 عامًا من الحرب. وقال برايان فينوكين، كبير المستشارين في مجموعة الأزمات الدولية، لموقع “ذي إنترسبت”: “على الأقل، تمتلك اللجنة القدرة على تقديم التقييم الأكثر شمولًا والمحاسبة على الأضرار التي لحقت بالمدنيين خلال الحرب على الإرهاب”. ويمكن لفريق المساءلة عن جرائم الحرب الذي شكَّله جارلاند أن يضفي القسوة على لين اللجنة الظاهر.
ومؤخرًا، أشارت بيث فان شاك، سفيرة وزارة الخارجية المتجولة للعدالة الجنائية العالمية، إلى أن جرائم الحرب الروسية لم تكن من أعمال “وحدة مارقة، بل هي نمط وممارسة في جميع المناطق التي تشتبك فيها القوات الروسية”. وأضافت أن المسؤولية تمتد إلى “الأفراد في أعلى التسلسل القيادي الذين يدركون أن مرؤوسيهم يرتكبون انتهاكات والذين لم يفعلوا ما يلزم لمنع هذه الانتهاكات أو لمعاقبة الجناة”.
وتحقيقًا لهذه الغاية، وقبل إجراء تحقيقات في الأضرار المدنية التي ارتكبها طيارو الطائرات المسيَّرة وأفراد قوات العمليات الخاصة عبر مناطق الحرب من سوريا إلى الصومال ومن ليبيا إلى اليمن، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة بالمهندسين الأصليين للـ”حرب على الإرهاب” وغزو أفغانستان والعراق، بما في ذلك الرئيس السابق جورج دبليو بوش، ونائب الرئيس ديك تشيني، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: إذا كان جارلاند غاضبًا حقًّا من “التقارير المؤلمة للوحشية والموت وملتزم بمتابعة كل سبيل لمحاسبة أولئك الذين يرتكبون جرائم حرب، فلن يحتاج إلى إرسال محققين إلى الخارج”. وهناك كثير من مجرمي الحرب، يختبئون على مرأى ومسمع من الجميع، هنا في الولايات المتحدة.