الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ذهنيّة المحرقة ومحو الذاكرة

ذهنيّة المحرقة ومحو الذاكرة

16.03.2019
عمر الشيخ


حرية برس
الخميس 14/3/2019
تُراهن أنظمة الطغيان على حلفاء الخارج، ولا يعود للثقة مكانة مع أقرب المقربين من أهل ذات البلد الّذي يمارس عليه كلّ أنواع الترهيب والحرب للحفاظ على السلطة.
لا يأتي الرهان من كونه اكتشافاً متأخر للنوايا الباطنة في نفوس أزلام تلك الأنظمة، بل يقوم مفهوم الحلفاء على حجم المصالح مع دول كبيرة تصنّع الأسلحة وأخرى تصدّر التطرف والمليشيات ومنها من يبحث عن فرصة تاريخية للنفوذ على البحار والمحيطات وتمرير تجارة الثروات الباطنية والآثار، وعلى هذا النحو لا يبقى للشعوب أيّةُ كرامة وحريّة تستطيع دفعها للتفكير في تقدّم البلاد وعزّها بين الأمم، لأن القبضة الحديديّة مسنودة من الخارج وهي على أعناق كلّ من لا ينفّذ خطط تمكين هذه الأنظمة.
أمّا غنائم ما تحت الأرض يتمُّ تصدير أرباحها لمن يحمي الرؤوس الحاكمة، فتصبح لغة القتل والنّفي أكثر استخداماً مهما تساقطت كرامات الشعوب وهدرت حريّتها، هذا لا يهمّ أنظمة الطغيان، وقد تكون على استعداد “جيني” لإيجاد أفراد مجتمع يجمعهم “التجانس” الأيديولوجي في العبوديّة والقتل!
واليوم بينما تقترب الذكرى الثامنة لاندلاع الثورة السوريّة، يذكرنا النّظام السّوري (المدعوم روسيّاً وإيرانيّاً) بدروسه المعهودة، الانتقاميّة، من الشّعب، مستخدماً دفاتر المصالحات من أجل تنفيذ الملاحقات الأمنيّة والتصفيات، ومحوّلاً صورة إعلامه إلى إعادة تصدير “التصنيم”، تلك العلامة السّوداء في المأساة السوريّة، فوق ركام البيوت وعلى رائحة مئات آلاف العائلات الّتي هُجّرت من بيوتها ومُدنها بأسلحة كانت تظن -وهي تدفع ضريبتها منذ أربعين عاماً- أنّها سوف تحميها من الطاغية، لكنّها غدرت بالأبرياء وأنزلت جبروتها الناريّ على حياتهم، بينما تنهمك فرق حزب “البعث” لتدشّين مارثونات “الصمود والتصدي” في ظل تماثيل “القائد المؤسس”!
تلك هي ذهنيّة المحرقة القائمة على توجه أنظمة حكم لا تعتمد على أرضيّة شعبيّة حقّة سوى شكلياً، لكنّها تقوم على معابر أمنيّة لبلدان أجنبية وتحالفات مباشرة معها من أجل تثبيت مكانتها. بغض النظر عن التنازلات الجوهريّة لمكانة البلاد الحقيقيّة وتمسكها بأهل الأرض، هنا الأمر بمنتهى الوضوح، فالتجنيس للطوائف الموالية للنظام مثلاً في سورية، جاهزة ويمكن العودة إلى مسرحية دخول وخروج تنظيم داعش الإرهابي من وإلى مدينة تدمر عدّة مرات، وبرعاية روسيّة وإيرانيّة، من أجل تفريغ المدينة هناك لإعادة هيكلة ديموغرافيّة المناطق، بجلب أناس من عديمي الجنسيّة ومنحهم هويّات سورية بولاء أسديّ طائفيّ عوضاً عن المعارضين المُهجّرة أو التي قتلت.
سُرقت متاحف تدمر، وهُجّر أهلها. بداية من الصحراء يمتد الطموح باستمرار المحرقة إلى أفكار قتل الثقافة السوريّة بإدخال اللغة الفارسيّة والروسيّة ومعظم العادات والتقاليد الخاصة بتلك البلدان، لمحو أي فكرة عن التغيير والتنوير السوريّ الحقيقي.
الجميع تحت عين الحلفاء اليوم ومشنقة التخوين في جيوبهم، أليسوا أصدقاء النّظام السّوري، سلّحوه ونهشوا اقتصاده وأرضه وزرعوا التّفرقة في جيشه وصنعوا قواعدهم الاستخباراتيّة، لكنّهم رغم كلّ ذلك ساهموا بتوصيل تماثيل “حافظ الأسد” أيضاً إلى ساحات المدن المدمرة بضمانات مزعومة، وعلى نفقة “بترولهم” وحماية راداراتهم، وهذه الأخيرة عادةً ما تغط في سُباتٍ عميق حين يقصف العدو الإسرائيلي أرضنا بحجة وجود قواعد إيرانيّة.
ثمّة إرادة دمويّة لا تلين في عقول موالاة النظام، ضمن نظرتهم المستقبليّة للبلاد، هناك خط واحد للحديث عن بلاد يشتركون فيها مع المعارضة، هو خط القتل لكلّ من قال “لا للأسد”!
وإرادة حجرية تدفع بأصنام “حافظ الأسد” الجديدة واختراعات أشكالها “التأليهية” تبدأ من عمق مرض الولاء المطلق للطاغية، ولعلّ أطرف ما كتبته إحدى بنات هذا النظام تشبيهها لعودة تمثال والد زعيمها إلى درعا بعودة الفينيق! (…) فأي ثورات تلك الّتي سوف تعالج العقليّة المتجذرة بمحو ذاكرة سبعة آلاف عام من الحريّة والحضارة لسورية ومحو أصوات الآخرين؟