الرئيسة \  تقارير  \  "ذا غارديان": هل تدخل أوروبا عصرًا جديدًا خطيرًا من عدم الاستقرار؟

"ذا غارديان": هل تدخل أوروبا عصرًا جديدًا خطيرًا من عدم الاستقرار؟

25.11.2021
لبنان 24


ترجمة رنا قرعة
لبنان 24
الاربعاء 24/11/2021
منذ أوج الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، لم تبد اوروبا معرضة بشدة للقوى المعادية كما هي الآن، فتراكم التهديدات الخارجية والانقسامات الداخلية، إلى جانب ضعف التحالف الأمني الاوروبي- الأميركي، و"التخريب الروسي" الذي لا هوادة فيه، وحرب الصين "المتعطشة للسلطة" على القيم الغربية، تكشف نقاط الضعف
في الاستراتيجية الأساسية، بحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
واقول الصحيفة" تشبه أوروبا بشكل متزايد جزيرة ديمقراطية محاصرة في عالم فوضوي، حيث يهدد المد المتصاعد من الاستبداد والإفلات من العقاب وانتهاك القواعد الدولية، بإغراقها. يتفهم بعض القادة الأوروبيين هذا الأمر، ولا سيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أن علاجات السياسة طويلة الأمد لا تزال بعيدة عنهم. على سبيل المثال، من الواضح أن استخدام ديكتاتور بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو للمهاجرين للضغط على الاتحاد الأوروبي أمر شائن. ومع ذلك، نجح الأمر، بعد أن اتصلت به المستشارة الألمانية المؤقتة، أنجيلا ميركل، لإجراء محادثة، منهيةً عزلته بعد الانقلاب. وأثار سلوكها الأحادي الجانب غضب دول البلطيق".
وتابعت الصحيفة، "يهدد التخويف المستمر الذي يمارسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا باتساع نطاق الحرب. قد يكون التعزيز الأخير للحدود بنشر 90 ألف جندي روسي بمثابة تهديد عسكري، على غرار الاستفزازات في دونباس والبحر الأسود الربيع الماضي. وإن لم يكن الأمر كذلك، فلن يكون على أوروبا سوى إلقاء اللوم على نفسها. ويمتد عدم الاستقرار على أطراف أوروبا إلى دول البلقان، وسط مخاوف مبررة من انزلاق البوسنة والهرسك مرة أخرى إلى الصراع، بعد 26 عامًا من اتفاقات دايتون للسلام. إن عودة القومية العرقية، التي يجسدها زعيم صرب البوسنة الانفصالي، ميلوراد دوديك، تغذيها بلغراد وموسكو. وتتمثل المشكلة الإستراتيجية الأكبر في عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على الوفاء بوعوده بتكامل أوثق مع المنطقة".
وأضافت الصحيفة، "كما أن علاقة أوروبا بتركيا، التي تعتبر حارسًا رئيسيًا، غير فعالة أيضًا، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. عندما هدد الأخير عضوي الاتحاد الأوروبي، اليونان وقبرص، العام الماضي، أرسل ماكرون قوات بحرية إلى شرق البحر المتوسط. وبقيت دول أوروبا الأخرى مكتوفة الأيدي اتجاه ما حدث. كما ويتدخل أردوغان أيضًا في أوكرانيا والصراع الأذربيجاني الأرميني، الذي اندلع مرة أخرى الأسبوع الماضي. ومع ذلك، فإن بروكسل تدفع له مقابل إبعاد اللاجئين من الشرق الأوسط عن أراضيها، لذلك فإنها بالكاد تجرؤ على مواجهته. إن دائرة عدم الاستقرار التي تضغط على أوروبا أكثر من مجرد نزاع مسلح حقيقي أو محتمل، وتمثل الهجرة واحدة من أكبر معضلاتها. على الرغم من أزمة اللاجئين السوريين الحادة لعام 2015، لا يزال الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى سياسة إنسانية متفق عليها".
وبحسب الصحيفة، "ما يثير الإنزعاج أيضاً هو الطريقة التي يبدو أن الرأى الأوروبي قد تبناها وتظهر جلية من خلال عمليات الصد غير القانونية وسوء المعاملة الروتينية لطالبي اللجوء، سواء في المعسكرات في ليبيا أو على شواطئ اليونان، في انتهاك لقانون الاتحاد الأوروبي. إذا لم يدافع الأوروبيون عن القيم الديمقراطية الغربية في عالم سيطر عليه أشباه دونالد ترامب، فمن سيفعل؟ للأسف، لا يمكنهم الإتكال على بريطانيا. فلم تعد المملكة المتحدة صديقًا موثوقًا به، تحت قيادة بوريس جونسون، فقد أصبحت منطقة صراع هامشية أخرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فقد استغل وزير الدفاع، بن والاس، الأزمات المرتبطة ببيلاروسيا وأوكرانيا الأسبوع الماضي لدفع أجندة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإبرام صفقات أسلحة مع وارسو وكييف. بصراحة، أرسلت المملكة المتحدة قوات، وليس مساعدات إنسانية، إلى الحدود البولندية".
وتابعت الصحيفة، "توقع البعض، كما تعترف ميركل الآن، أن الصين ستظهر كمنافس عالمي مهيمن وعدواني اقتصاديًا ومناهض للديمقراطية. ويطمئن الرئيس الأميركي جو بايدن الأوروبيين إلى أن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لا يزال حيويا كما كان دائماً. لكن قمة الفيديو المثيرة التي عقدها مع الرئيس الصيني شي جين بينغ الأسبوع الماضي أظهرت أين يكمن تركيزه الحقيقي. يرى بوتين هذا، ويشم رائحة الدم. إن إمدادات الغاز في أوروبا هي إحدى نقاط الضغط، والهجمات الإلكترونية السرية هي شيء آخر. كان اختبار روسيا الصاروخي المتهور ضد الأقمار الصناعية، الذي أثار مخاوف أوروبا بشأن السلامة، أول عمل مسجّل من أعمال الشغب في الفضاء الخارجي. إن عدم قدرة أوروبا على جعل بوتين يدفع ثمناً باهظاً للعدوان في جورجيا وشبه جزيرة القرم، وتدميره للديمقراطية الروسية، وتدخله في الانتخابات الخارجية، وهجماته القاتلة على أليكسي نافالني ومعارضين آخرين على الأراضي الأوروبية، تزيد من الشعور بالتراجع".
وأردفت، "إن أوروبا، كما كانت دائمًا، هي منزل مقسم. يواصل الأوروبيون الشرقيون وضع ثقتهم في واشنطن بدلاً من بروكسل، على الرغم من المؤشرات الواضحة لحدوث تمزق آخر عبر المحيط الأطلسي إذا فقد الديمقراطيون البيت الأبيض في العام 2024. إن بيروقراطية الاتحاد الأوروبي ضعيفة، وبرلمانها ضعيف. تفتقر ألمانيا إلى قائد مثبت. في فرنسا، يواجه ماكرون معركة شرسة في انتخابات الربيع ضد اليمين المتطرف المدعوم من روسيا. ومع ذلك، فإن أفكار ماكرون حول "الاستقلال الاستراتيجي" السياسي والأمني والعسكري الأوروبي المعزز، والاتحاد الأوروبي الأقوى والأكثر تكاملاً مالياً واقتصادياً، هي التي تمهد الطريق نحو التفاؤل. ناقش وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي خطة "البوصلة الإستراتيجية" لتعزيز القدرات المشتركة. لكن الاتفاق على "قوات الانتشار السريع" المقترحة وما شابه يبدو بعيد المنال. فيما تستعد فرنسا لتولي رئاسة الاتحاد الأوروبي، هل يدرك القادة الآخرون هذه اللحظة الحاسمة ويدعمون ماكرون؟ في عالم من أسماك القرش والثعابين والوحوش المخيفة، أصبح استقلال أوروبا وتماسكها وقيمها على المحك كما لم يحدث من قبل".