الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دي ميستورا يغادر محتفظا بأوهامه

دي ميستورا يغادر محتفظا بأوهامه

02.12.2018
سلام السعدي


العرب اللندنية
السبت 1/12/2018
فشل الاجتماع الأخير في أستانة عاصمة كازاخستان في تشكيل لجنة دستورية سورية. اللافت أن المفاوضات الحقيقية لم تكن بين النظام السوري والمعارضة، بل بين الدول الضامنة لمحادثات أستانة، روسيا وتركيا وإيران، بالإضافة إلى الأمم المتحدة.
تم خلال الاجتماع الأخير حصر الخلاف حول تسمية ثمانية أعضاء بعد الاتفاق على إدراج 142 شخصاً في قائمة اللجنة الدستورية المكونة من 150 شخصاً. وفيما يفضل المبعوث الدولي وتركيا اختيار شخصيات من المجتمع المدني غير المحسوبة لا على النظام ولا على المعارضة، يرفض النظام السوري ومعه حلفاؤه ذلك في محاولة للحصول على الأغلبية في اللجنة الدستورية بحيث يجري ضمان تعطيل أي بند يغير بصورة جدية طبيعة النظام السياسي في سوريا.
رغم أن هذا الاجتماع هو الأخير لستيفان دي ميستورا الذي استقال من منصبه، لكنه أصر على أوهامه بأهمية المسار السياسي الذي ساهم في وضعه حين وصف الفشل بأنه “فرصة ضائعة”. هل كانت هنالك فرصة حقاً لتحقيق أي تقدم يخص تسوية سياسية حتى تضيع؟
قبل نحو شهر وخلال الموجز الذي قدمه للأمم المتحدة، وصف دي ميستورا العملية الجارية في أستانة بأنها شديدة الأهمية وبأن الأسابيع القادمة سوف تكون “حاسمة”. من يتابع الرجل يعرف أنه يستخدم هذه اللغة التفاؤلية حول “الحل السياسي” منذ استلامه منصبه، وذلك رغم اتضاح حقيقة هذا الحل، وكونه لا يشكل أكثر من غطاء لاستراتيجية النظام السوري وحلفائه لتحقيق “حل عسكري” على الأرض.
لم يفشل تشكيل اللجنة الدستورية بسبب الخلاف على مسائل تفصيلية أو بسبب عدم كفاية الوقت المحدد للتوصل إلى تسوية، بل لذات السبب الذي أدى إلى فشل نحو خمس عشرة جولة من مفاوضات جنيف، وهو عدم رغبة النظام السوري وحلفائه بتقديم أي تنازلات حتى ضمن حدودها الدنيا. كان ذلك يتسبب بفشل المفاوضات في كل مرة حتى قبل أن تبدأ بصورة فعلية، والتركيز على “الحل العسكري” الذي بدأ يحقق نتائج ملموسة منذ العام 2016. بعد ذلك الوقت، ومع تكرس الهزيمة العسكرية للمعارضة السورية، التزم النظام السوري وحلفاؤه بالمفاوضات بالقدر الذي تساعدهم على استعادة السيطرة على البلاد من دون قتال.
لا يمكن للنظام السوري أن يقبل بتقديم أي قدر من التنازلات إذ تنصهر مؤسسات الدولة، وخصوصا الجيش والأمن، بعائلة الأسد التي تتعامل مع الدولة ومؤسساتها ومع الشعب أيضاً كملكية خاصة. هذا النظام الطغياني الذي خاض حربا استمرت لسبعة أعوام دمرت البلاد وقتلت نحو مليون سوري وهجرت نحو نصف السكان لكي لا يقدم تنازلا سياسيا حقيقيا، لن يقبل بعد انتصاره العسكري بأن يفتح الباب للمشاركة السياسية من خلال لجنة صياغة الدستور.
يضاف إلى الأوهام التي نسجها دي ميستورا وآخرون حول قابلية النظام السوري للإصلاح أوهام تتعلق برغبة روسيا وقدرتها على دفع النظام السوري إلى الحل السياسي. لكن موسكو تواصل تخييب آمال كل من يراهن عليها لقيادة حل سياسي. لم تمارس روسيا ضغوطاً على النظام السوري تدفعه للقبول بما يمس الهيكلية السياسية والأمنية الداخلية القائم عليها. ربما كانت تخشى من انهياره في حال جرى الضغط عليه بهذا الاتجاه، أو في حال دفع بشار الأسد للتنازل عن السلطة. وربما لم ترغب بتحقيق هذا التحول في نظام سياسي بات حليفاً استراتيجياً يتيح لها التواجد في موقع استراتيجي في الشرق الأوسط.
فشلت جولة أستانة الأخيرة ولكن قبلها فشل المبعوث الدولي في عمله. لم يفشل دي ميستورا فقط في دفع الأطراف المتصارعة للتوصل إلى تسوية سياسية، بل بادراك أن مهمته مستحيلة ضمن الواقع السوري. يعتبر هذا الرجل من أمهر الدبلوماسيين وأكثرهم حنكة، إذ عمل لدى الأمم المتحدة في نزاعات مختلفة شملت السودان وكوسوفو والعراق وأفغانستان وهو يتحدث سبع لغات تساعده في عمله.
 غير أن نجاح اتفاقيات أستانة، وقبلها اتفاقيات جنيف، لم يكن ليتوقف على نوعية أي مبعوث دولي ولا على حنكته وخبرته السابقة ولا على عدد اللغات التي يتكلم بها، بل كان يتوقف فقط على طبيعة الفاعلين في الصراع السوري، وخصوصا النظام السوري وحلفاءه الرافضين لأي نوع من أنواع التسوية. لم يفهم دي ميستورا هذه الحقيقة البسيطة وهو يغادر منصبه اليوم محتفظاً بأوهامه، أو ربما بدوره الحقيقي المتمثل في تزييف طبيعة النزاع السوري.